"ميدل إيست آي": حزب الله لم يخسر الحرب على الرغم من كل الخسائر والدمار

بحسب الخبراء، فإنّ النصر لا يمكن قياسه بعدد الشهداء أو حجم الدمار، بل بالأهداف الأولية للحرب.

0:00
  • لبنانيون يرفعون شعار النص وصورة الشهيد السيد حسن نصر الله وهم في طريقهم إلى العودة إلى منازلهم
    لبنانيون يرفعون شعار النصر وصورة الشهيد السيد حسن نصر الله وهم في طريقهم للعودة إلى منازلهم

موقع "ميدل إيست آي" ينشر تقريراً، يتحدّث فيه عن الحرب على لبنان، وكيف أن حزب الله انتصر في المعركة على الرغم من الخسائر والدمار، و"إسرائيل" لم تحقّق أهدافها من الحرب.

أدناه نص التقرير منقولاً إلى العربية بتصرّف:

مع بزوغ فجر الأربعاء، أي بعد ساعتين فقط من دخول اتفاق وقف إطلاق النار بين لبنان و"إسرائيل" حيّز التنفيذ، بدأت آلاف العائلات النازحة، التي توزّعت في السيارات والباصات، رحلة العودة إلى قراها المدمّرة في جنوب لبنان وسهل البقاع وضاحية بيروت الجنوبية. 

وتشكّلت ازدحامات مرورية على الطريق الساحلي المؤدي إلى جنوب لبنان وعلى طريق البقاع وفي الشوارع التي تربط العاصمة بيروت بضواحيها الجنوبية. ورفع العائدون شارة النصر ولوّحوا بأعلام حزب الله وصور أمينه العام الشهيد السيد حسن نصر الله، الذي اغتالته "إسرائيل" في 27 أيلول/سبتمبر 2024. 

وعلى الرغم من الدمار الحاصل والدموع المنهمرة وفقدان الأحبة، ارتسمت علامات الفرح على وجوه العائدين. ولم ينتظروا انسحاب القوات الإسرائيلية ليعودوا إلى قراهم، ولم يستجيبوا لنصيحة الجيش اللبناني الذي أصدر بياناً صباحياً حثّ فيه المواطنين على عدم العودة إلى منازلهم حتى مغادرة قوات الاحتلال. 

وبدلاً من ذلك، اتّبعوا مشاعرهم، كما عبّر عنها ببلاغة رئيس مجلس النواب نبيه بري في خطاب متلفز: "عودوا إلى قراكم، ابحثوا عن أشجار التين والزيتون، عودوا بفخر إلى قراكم لأنكم هزمتم العدو". 

لقد قتلت "إسرائيل" كبار القادة السياسيين والعسكريين لحزب الله، ودمّرت مؤسساته الاجتماعية والمالية والطبية، وقصفت بنيته التحتية العسكرية، وقتلت وجرحت الآلاف من مقاتليه. كما تمّ محو عشرات القرى من الخريطة، وتحوّلت آلاف المنازل إلى أنقاض، ودُمّرت أعداد كثيرة من المؤسسات. لكنّ "الانتصار لا يمكن أن يقاس بعدد الشهداء أو حجم الدمار، بل يجب أن يستند إلى الأهداف الأولية للحرب"، بحسب أحمد نور الدين، أستاذ التاريخ في جنوب لبنان، موضحاً: "لقد تمّ تدمير ستالينغراد ولندن خلال الحرب العالمية الثانية، ومات أكثر من 20 مليون سوفياتي. ومع ذلك، فازت كلّ من روسيا وإنكلترا بالحرب".

وأشار إلياس فرحات، العميد المتقاعد في الجيش اللبناني، إلى أنّ "إسرائيل" فشلت في تحقيق أيّ من أهدافها. وبعد اغتيال السيد نصر الله وغيره من القادة رفيعي المستوى، صرّح نتنياهو بأنّه يريد إعادة تشكيل الشرق الأوسط. وخلال جولة له على الحدود اللبنانية، قال: "مع أو من دون اتفاق، فإنّ المفتاح لإعادة شعبنا إلى الشمال هو دفع حزب الله إلى ما وراء نهر الليطاني ومنعه من إعادة التسلّح". لكن، بحسب فرحات؛ "إسرائيل" فشلت في تحقيق أيّ من هذه الأهداف".

وقد شكّلت عودة المستوطنين إلى "الجليل الشمالي" هدف الحرب المُعلن. إلا أنّه وفقاً لعدد من الخبراء والمحللين، فقد كان هدف "إسرائيل" الحقيقي هو تفكيك ترسانة حزب الله من الصواريخ الباليستية، التي تشكّل تهديداً استراتيجياً لها. وفي هذا الصدد، قال المحلّل وليد شرارة: "لم يقتصر الأمر على عدم تحقيق هذا الهدف فحسب، بل واجهت إسرائيل أيضاً تحدّياً جديداً تمثّل في الطائرات المسيّرة التي لم تتمكّن القبّة الحديدية من تحييدها".

الفشل في تحقيق الأهداف

يقول الدكتور عبد الحليم فضل الله، مدير المركز الاستشاري للأبحاث والتوثيق، وهو مركز أبحاث تابع لحزب الله، إنّ "هذه الحرب الإسرائيلية لم تكن لها أهداف عسكرية لم تتحقّق فحسب، بل أهداف سياسية أيضاً. وقد أعلن نتنياهو بوضوح عن أهدافه عندما قال لحلفائه الغربيين إنّ هذه الحرب ستكون مقدّمة لتغييرات سياسية جوهرية في لبنان؛ وقد فشل في تحقيق هذا الهدف. فحزب الله كان ولا يزال الحزب الأكبر في لبنان من حيث التمثيل الشعبي، كما أظهرت الانتخابات البرلمانية الأخيرة. وسيظل الحزب الأكبر من حيث المؤسسات، كما أثبت من خلال ملئه السريع للشواغر في المناصب العسكرية والسياسية التي خلّفتها الاغتيالات. وحزب الله سيبقى لاعباً رئيساً في السياسة الداخلية اللبنانية، وستفشل كل محاولات تهميشه سياسياً". 

وقال الباحث فضل الله: "يحتفظ حزب الله، إلى جانب حركة أمل، بجميع المقاعد النيابية المخصصة للطائفة الشيعية في البرلمان اللبناني. وله حلفاء في الطوائف الأخرى، المسيحية والمسلمة، بسبب رؤيته الإصلاحية والتزامه بالمقاومة ضد إسرائيل. ونظراً للبنية السياسية الطائفية في لبنان، سيحتفظ كل من حزب الله وحركة أمل بدور مهم في عملية صنع القرار الوطني".

وتظهر البنود الـ13 لاتفاق وقف إطلاق النار بوضوح أنّه يستند إلى حد كبير إلى القرار الأممي 1701 الذي وافق لبنان على تنفيذه منذ الأيام الأولى للحرب من دون "أي تعديل"، كما أكّد بري. وخلافاً لادعاءات نتنياهو، فإنّ الاتفاق لا يمنح "الجيش" الإسرائيلي حرية التحرّك في الأراضي اللبنانية. ويضمن أحد بنوده "الحق الطبيعي لإسرائيل ولبنان في الدفاع عن النفس".

كما حذّر عضو كتلة الوفاء للمقاومة النائب حسن فضل الله خلال مقابلة تلفزيونية من أنّ "للمقاومة الحقّ في الدفاع عن نفسها" في حال تعرّضها لأيّ هجوم إسرائيلي. ولا يذكر الاتفاق صراحة نزع سلاح حزب الله، وينصّ على أنّه "سيتمّ تفكيك جميع المنشآت غير المرخّصة المتعلقة بإنتاج الأسلحة والمواد ذات الصلة، وسيتم تفكيك جميع البنى التحتية والمواقع العسكرية غير المتوافقة، وستتمّ مصادرة جميع الأسلحة غير المرخّصة".

وحزب الله وحركة أمل ممثَّلان داخل السلطة التنفيذية، كما أنّ مبدأ "المقاومة" شرّعته جميع الحكومات اللبنانية منذ نهاية الحرب الأهلية عام 1990. ومن خلال هذا الانتهاك الذي يدعو إلى تفكيك البنى التحتية العسكرية ومصادرة الأسلحة، قد يغتنم خصوم حزب الله في الداخل اللبناني، المرتبطين في كثير من الأحيان بأجندات سياسية خارجية، الفرصة. وعلى الرغم من أنهم يشعرون بخيبة أمل إزاء النتيجة التي آلت إليها هذه الحرب، فهم لم يخفوا رغبتهم في أن تقضي "إسرائيل" على حزب الله، فإنهم لا يعتبرون أنفسهم مهزومين. وهم يستعدون بالفعل للتصادم مع حزب الله وحلفائه في القضايا الداخلية، ولا سيّما في ما يتعلق بانتخاب رئيس للجمهورية.

ويرى معارضو حزب الله أنه الآن، بعد أن ضعف وانشغل بتضميد جراحه وجراح قاعدته الشعبية، سيسحب الحزب دعمه لترشيح الوزير والنائب السابق سليمان فرنجيه. في حين أن مرشحهم المفضّل، هو قائد الجيش العماد جوزيف عون المدعوم من الولايات المتحدة.

أما التحدّي الرئيس الآخر الذي ينتظر حزب الله، فيتمثّل في إعادة إعمار المناطق ذات الأغلبية الشيعية، التي تعرّضت لأضرار جسيمة. وفي هذا الصدد يقول الباحث فضل الله: "سيركّز حزب الله جهوده على إعادة الإعمار، ولا سيّما أنه يتمتع بخبرة كبيرة في هذا المجال مع مشروع (وعد) الذي أعاد إعمار المناطق التي دُمّرت بعد حرب تموز 2006. ويمكنه الاعتماد على مؤسساته المدنية والإدارية الكفوءة والمنتشرة في المناطق اللبنانية كافة. وسيقوم الحزب بكلّ ما هو ضروري لضمان عودة السكان، كما وعد أمينه العام الشيخ نعيم قاسم. ويجب ألا ننسى أن هذه أيضاً مسؤولية الدولة اللبنانية، التي ينبغي أن تقدّم المساهمة الأساسية في هذا المجال". 

وبالنسبة إلى العميد إلياس فرحات، فإنّ الوضع ليس واضحاً تماماً، متسائلاً: "في ظل وجود دولة عاجزة وغياب المانحين وهيئات التمويل الرئيسة، فإنّ التحدّي الأكبر الذي يواجهه حزب الله يتمثّل في قدرته على تأمين الاحتياجات المالية لقاعدته الشعبية، التي فقدت منازلها.  وقال مصدر في حزب الله إن "المال لا يُعدّ مشكلة" وإن خطط إعادة الإعمار سبق أن تمّ وضعها". والأشهر المقبلة كفيلة بالإجابة عن كل هذه التساؤلات.

نقلته إلى العربية: زينب منعم