"فورين أفيرز": حملة القصف الإسرائيلية الفاشلة على غزة.. العقاب الجماعي لن يهزم حماس

صحيفة "فورين أفيرز" تقول إنّ "إسرائيل" لم تحقق سوى نتائج هامشية خلال الحرب، والحملة العسكرية لم تؤد إلى هزيمة حماس ولو جزئياً، وقد تكون الحركة أقوى الآن مما كانت عليه.

  • "فورين أفيرز": يظهر التاريخ أنّ القصف واسع النطاق للمناطق المدنية لا يحقق أهدافه على الإطلاق

صحيفة "فورين أفيرز" تنشر مقالاً للكاتب والعالم السياسي الأميركي روبرت بيب، يتحدث فيه عن فشل "إسرائيل" في تحقيق أهدافها من العملية العسكرية والعدوان على قطاع غزة، ويشرح لماذا لا يمكن القضاء على حركة حماس. 

أدناه نص المقال، منقولاً إلى العربية بتصرّف: 

تعد هذه الحملة على غزة بمنزلة عمل ضخم من أعمال العقاب الجماعي ضد المدنيين. والهدف الدقيق للنهج الإسرائيلي لا يزال غير واضح على الإطلاق. ورغم أنّ زعماء "إسرائيل" يزعمون أنهم يستهدفون حماس وحدها، فإن الافتقار الواضح إلى التمييز، يثير تساؤلات حقيقية حول ما تنوي الحكومة فعله.

هل حرص "إسرائيل" على تدمير غزة هو نتاج عدم الكفاءة نفسه الذي أدّى إلى الفشل الذريع لـ"الجيش" الإسرائيلي في التصدي لهجوم حماس في 7 أكتوبر، والذي وصلت خططه إلى أيدي مسؤولي الجيش والاستخبارات الإسرائيليين قبل أكثر من عام؟

هل يكون تدمير شمال غزة، والآن جنوبها، مقدمة لإرسال كامل سكان القطاع إلى مصر، كما اقترحت "ورقة المفاهيم" التي أصدرتها وزارة الاستخبارات الإسرائيلية؟

أياً كان الهدف النهائي، فإنّ التدمير الجماعي الذي تلحقه "إسرائيل" بقطاع غزة يثير مشكلات أخلاقية عميقة. وحتى إذا حكمنا على هذا النهج من الناحية الاستراتيجية البحتة، فإن النهج الذي تتبعه "إسرائيل" محكوم عليه بالفشل، بل إنه في واقع الأمر يفشل بالفعل.

إنّ العقوبات المدنية الجماعية لم تقنع سكان غزة بالتوقف عن دعم حماس، بل على العكس من ذلك، فقد أدّى ذلك إلى تفاقم الاستياء بين الفلسطينيين. كما أنّ الحملة لم تنجح في تفكيك الجماعة التي كانت مستهدفة ظاهرياً.

إن ما يزيد على خمسين يوماً من الحرب، أثبتت أنّه رغم أن "إسرائيل" قادرة على تدمير غزة، فإنّها لا تستطيع تدمير حماس. وفي الواقع، قد تكون المجموعة أقوى الآن مما كانت عليه من قبل.
 
إنّ "إسرائيل" ليست "الدولة" الأولى التي تخطئ عندما تضع ثقتها المفرطة في سحر القوّة الجوية. ويظهر التاريخ أنّ القصف واسع النطاق للمناطق المدنية لا يحقق أهدافه على الإطلاق. وكان من الممكن أن تكون "إسرائيل" في وضع أفضل لو أنها استجابت لهذه الدروس وردت على هجوم السابع من أكتوبر بضربات جراحية ضد قادة حماس ومقاتليها بدلاً من حملة القصف العشوائية التي اختارتها.

في الواقع، لم يحدث في التاريخ أن تسببت حملة قصف عشوائي ضد السكان، بدفعهم إلى الثورة ضد حكومتهم. وهذا النمط التاريخي يكرر نفسه في غزة. وعلى الرغم مما يقرب من شهرين من العمليات العسكرية المكثفة - التي لم تقيدها الولايات المتحدة وبقية العالم فعلياً - فإن "إسرائيل" لم تحقق سوى نتائج هامشية. وبأي مقياس ذي معنى، فإنّ الحملة لم تؤد إلى هزيمة حماس ولو جزئياً.

وقد أدّت العمليات الجوية والبرية الإسرائيلية إلى مقتل ما يصل إلى 5000 من مقاتلي حماس، وفقاً لمسؤولين إسرائيليين، من إجمالي نحو 30 ألف مقاتل. لكن هذه الخسائر لن تقلل بشكل كبير من التهديد الذي يواجهه المدنيون الإسرائيليون، لأنه، كما أثبتت هجمات 7 أكتوبر، لا يتطلب الأمر سوى بضع مئات من مقاتلي حماس لإلحاق الدمار بالمجتمعات الإسرائيلية.

الأسوأ من ذلك أن المسؤولين الإسرائيليين يعترفون أيضاً بأن الحملة العسكرية تقتل عدداً من المدنيين يبلغ ضعف عدد قتلى مقاتلي حماس. وبعبارة أخرى، يكاد يكون من المؤكد أنّ "إسرائيل" تنتج من المقاتلين أكثر مما تقتلهم، إذ إن كل مدني قُتل ستكون لديه عائلة وأصدقاء حريصون على الانضمام إلى حماس للانتقام.

إنّ البنية التحتية العسكرية لحماس، كما هي الآن، لم يتم تفكيكها بشكل حقيقي، حتى بعد العمليات التي تم التبجح بها ضد مستشفى الشفاء، والذي زعم "الجيش" الإسرائيلي أنّ حماس تستخدمه كقاعدة عملياتية. وكما تظهر مقاطع الفيديو التي نشرها "الجيش" الإسرائيلي، فقد استولت "إسرائيل" على مداخل العديد من أنفاق حماس ودمرتها، ولكن يمكن إصلاحها في نهاية المطاف، تماماً كما تم بناؤها في المقام الأول.

والأهم من ذلك، يبدو أن قادة حماس ومقاتليها قد تركوا الأنفاق قبل أن تدخلها القوات الإسرائيلية، ما يعني أن البنية التحتية الأكثر أهمية بالنسبة لها نجت. وتتمتع حماس بميزة تتفوق بها على القوات الإسرائيلية: فهي تستطيع بسهولة التخلي عن القتال، والاندماج في صفوف السكان المدنيين، والعيش للقتال مرة أخرى بشروط أفضل. ولهذا السبب فإنّ أيّ عملية برية إسرائيلية واسعة النطاق محكوم عليها بالفشل أيضاً.

وعلى نطاق أوسع، لم تنجح الحملة العسكرية الإسرائيلية في إضعاف سيطرة حماس على غزة بشكل كبير. ولم تنقذ "إسرائيل" سوى رهينة واحدة فقط من بين 240 رهينة. وأطلقت حماس سراح الرهائن الآخرين الوحيدين، ما يدل على أنّ الجماعة لا تزال تسيطر على مقاتليها.

إنّ الطريقة الوحيدة لإلحاق هزيمة دائمة بحماس تتلخص في مهاجمة قادتها ومقاتليها وفصلهم عن السكان المحيطين بهم. لكن القول أسهل من الفعل، خاصة وأن حماس تستمد صفوفها مباشرة من السكان المحليين وليس من الخارج.

في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 أعلنت كتائب القسام معركة "طوفان الأقصى"، فاقتحمت المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، وأسرت جنوداً ومستوطنين إسرائيليين. قامت "إسرائيل" بعدها بحملة انتقام وحشية ضد القطاع، في عدوانٍ قتل وأصاب عشرات الآلاف من الفلسطينيين.