"ذا تلغراف": الإرهاب يطارد من جديد الموقع الأثري الأكثر قيمة في سوريا

مع رحيل الأسد، يخشى سكّان مدينة تدمر الأثرية من عودة الإرهابيين الذين أجبروهم على مشاهدة عمليات قطع الرؤوس.

0:00
  • مدينة تدمر الأثرية قبل وبعد تدميرها من قبل تنظيم
    مدينة تدمر الأثرية قبل وبعد تدميرها من قبل تنظيم "داعش"

صحيفة "ذا تلغراف" البريطانية، تنشر مقالاً، كتبه أدريان بلومفيلد، تحدث فيه عن التهديد الإرهابي الذي يعود من جديد ليلاحق مدينة تدمر، الموقع الأثري الأكثر قيمة في سوريا.

أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية بتصرف:

ربما كانت أروقة تدمر القديمة، المغطاة بأشعة الشمس، أكثر المناظر جمالاً في سوريا. ومع ذلك، فقد ولّت الأيام التي كان السائحون المذهولون يتسلقون خلالها أنقاض مدينة الملكة زنوبيا التي يعود تاريخها إلى القرن الثالث.

على مدى ثلاثة عشر عاماً منذ آخر حافلة سياحية عبر الصحراء من دمشق، على بعد 150 ميلاً إلى الجنوب الغربي، أصبحت تدمر مكاناً للدمار والهمجية، مسكوناً بأشباح العصر الحديث بدلاً من أشباح الماضي.

ومثله كمثل أي تدمري، يشعر محمود البطمان بفخر شديد بتراث مدينته. عاد إلى الأطلال لأول مرة منذ أكثر من عقد من الزمان يوم الأربعاء، وتجوّل في الأماكن القديمة المألوفة. ولكن عندما وصل إلى المسرح الروماني، أظلمت عيناه.

في هذا المكان، في عام 2015، أجبر تنظيم "داعش" 25 سجيناً مقيدين ومعصوبي الأعين على الركوع أمام خشبة المسرح، ثم أمر أطفال بإطلاق النار عليهم في مؤخرة رؤوسهم بينما كان حشد مذعور ينظر إليهم.

كان محمود يبلغ من العمر 14 عاماً في ذلك الوقت. ويقول إنّ أكثر ذكرياته رعباً كانت مشاهدة قطع رأس خالد الأسعد، عالم الآثار البالغ من العمر 81 عاماً، والذي كرس عقوداً من حياته لدراسة أحجار تدمر التاريخية.

وكان محمود برفقة أخته الصغرى من بين أولئك الذين أجبرهم تنظيم "داعش" على مشاهدة إعدام الأسعد.

وقد ذكر قتلة عالم الآثار، الذين كانوا يقفون خلف ضحيتهم على الدوار في وسط مدينة تدمر، أسباب جريمتهم الدموية. وقالوا إنّ أسعد كان حامياً لـ"الأصنام"؛ وكان قد حضر مؤتمرات "تجديفية" وكان مؤيداً لنظام بشار الأسد، الرئيس السوري المخلوع الآن.

لقد فشلوا في إضافة ما يعتقد الكثيرون أنّه السبب الحقيقي: رفض الأسعد الكشف عن مكان بعض الآثار التدمرية التي تمكن من إخفائها قبل أن يستولي تنظيم "داعش" على المدينة.

وقال محمود: ""لقد ركعوا عليه ورفع الجلاد سيفه عالياً في الهواء"، مضيفاً: " طلبوا منه أن يريح رأسه على الأرض، لكنه رفض. وقال لهم: "أنا مثل نخلة تدمر. من المستحيل أن أحني رأسي".. "لذا قطعوا رأسه وهو راكع".

وبعد قطع الرأس، علّق جلادو أسعد جثته المقطوعة، وتركوا رأسه ونظاراته عند قدميه قبل أن يسمحوا للحشد بالعودة إلى منازلهم.

  • خالد الأسعد، عالم الآثار والمسؤول عن آثار مدينة تدمر، الذي أعدمه تنظيم
    خالد الأسعد، عالم الآثار والمسؤول عن آثار مدينة تدمر، الذي أعدمه تنظيم "داعش" وقطع رأسه

وذكر محمود: "كانوا يفعلون ذلك طوال الوقت. كانوا يجبرونك على الحضور لمشاهدة عمليات الإعدام ثم يتركون الجثة هناك لمدة أسبوع لإرهاب السكان. كانت الكلاب والقطط تأكل الجثث وكانت الشوارع تفوح برائحة الموت".

بعد أيام قليلة، جاء تنظيم "داعش" إلى والد محمود، تيسير. وبعد أسبوع أو أسبوعين، تلقت عائلته رسالة تفيد بأنّه قُتل.

في تلك الليلة فرّت الأسرة، أولاً إلى الرقة، المدينة التي اتخذها تنظيم "داعش" عاصمةً له والطريق الوحيد للخروج من تدمر، وبعد أشهر، إلى الحدود العراقية.

ولكن فرحة العودة إلى الوطن خففتها الذكريات المؤلمة، والمعاناة التي عاشتها تدمر منذ فراره، وتهديد تنظيم "داعش" الذي ينتشر مقاتلوه في التلال المحيطة بالمدينة وربما يقتربون منها.

لقد ألحق تنظيم "داعش" أضراراً جسيمة بالآثار القديمة للمدينة، ففجّر معابد الإله الفينيقي بعل، ودمر قوس النصر، تاج مجد تدمر، وأسقط أعمدة التترابيلون وقطع رؤوس تماثيل أثينا وغيرها من الآلهة الرومانية واليونانية.

ولم يُسمح للغالبية العظمى من سكان تدمر بالعودة. ودُمرت ضواحيها بالكامل تقريباً وبقيت مهجورة. ولم تتم محاولة إعادة البناء على الإطلاق، ولم يكن هناك أي ترميم للأضرار التي لحقت بالآثار.

قال بشار المشهداني، الضابط المنشق عن الجيش السوري، والمسؤول عن المنطقة الآن، إنّه "في هذه اللحظة نواجه العديد من التهديدات. يوجد تنظيم "داعش" في التلال المحيطة بالمدينة وهم يبحثون عن فرصة لإعادة الظهور. تدمر هي جائزة استراتيجية بالنسبة لهم".

وفي حين سيطرت الوحدات المدعومة من الولايات المتحدة على القاعدة الجوية وأطراف المدينة، كان مركز المدينة تحت سيطرة لواء صقور الشام، وهي جماعة مدعومة من تركيا قال قادتها إنهم يتلقون الأوامر الآن من "هيئة تحرير الشام"، الحركة المتمردة التي تدير سوريا الآن.

وفي حين سيطرت "هيئة تحرير الشام" على المدن الرئيسية في غرب سوريا، حيث يعيش معظم سكان البلاد، إلا أنّها ليس لها وجود حقيقي في الصحراء، وهو الأمر الذي يثير القلق.

وفي الأشهر الأخيرة، وصلت هذه المخاوف إلى ذروتها. ربما هُزم مسلحو "داعش" في عام 2019، لكنهم احتفظوا بموطئ قدم في الصحراء وأعادوا تجميع صفوفهم بما يكفي لمضاعفة وتيرة الهجمات في سوريا والعراق المجاور هذا العام.

وقال مقاتلون في المدينة إنّهم فجّروا سيارات مفخخة وهاجموا مواقع للمتمردين المدعومين من الولايات المتحدة وأقاموا نقاط تفتيش على طول الطرق بالقرب من تدمر، ما أسفر عن مقتل عدد من سائقي السيارات في الأيام الأخيرة.

الخوف الكبير لدى القوات الخاصة الأميركية في التنف هو أن يهاجم تنظيم "داعش" السجون التي تحتجز 9000 من أعضائه في مناطق شمال شرق سوريا التي تسيطر عليها "قوات سوريا الديمقراطية" التي يقودها الكرد، والتي يدعمها الجيش الأميركي.

إنّ رجال الكابتن مشهداني ورجال الصقور يدركون التهديد ويقولون إنّ الخطط جارية لمواجهة "داعش" في الأسابيع المقبلة.

لكن في الوقت الحالي، فإنّ الأهمية تكمن في السيطرة على المدينة. وتشير وابلات النيران التي تتردد من الضواحي إلى أنّ الأمور ليست تحت السيطرة الكاملة.

نقلته إلى العربية: بتول دياب