هل نحن على أبواب حرب نووية؟

في الذكرى الستين لأزمة الكاريبي الشهيرة، المدير العام للمجلس الروسي للشؤون الدولية يتحدث عن سبعة اختلافات بين المواجهة الروسية الأميركية اليوم والأزمة المذكورة.

  • هل نحن على أبواب حرب نووية؟
    هل نحن على أبواب حرب نووية؟

يتناول المدير العام للمجلس الروسي للشؤون الدولية، في صحيفة "إزفستيا" الموسكوفية سبعة اختلافات بين المواجهة الروسية الأميركية اليوم وأزمة الكاريبي في ستينيات القرن الماضي، حين كان العالم على شفير حرب نووية، المقالة أعدت لطرحها في الاجتماع السنوي التاسع عشر لنادي فالداي الدولي للحوار، الذي يعقد في موسكو بعنوان "العالم بعد الهيمنة: العدالة والأمن للجميع"، من 24 إلى 27 تشرين الأول/ أكتوبر.

وفيما يلي نص المقال كاملاً منقولاً إلى العربية:

أصبح من المألوف اليوم البحث عن أوجه تشابه بين الوضع الحالي للعلاقات الروسية الأميركية وأزمة الكاريبي الشهيرة عام 1962. في الذكرى الستين لهذه الأزمة تعود لطرح نفسها اليوم، فمساء العشرين من تشرين الأول/ أكتوبر قبل ستة عقود اتخذت إدارة جون ف. كينيدي من البيت الأبيض قرارًا بفرض حصار على كوبا، وبعد ذلك دخلت الأزمة مرحلة حادة.

على الرغم من التشابه الواضح بين حلقتين من المواجهة العسكرية السياسية بين موسكو وواشنطن، إلا أن هناك عدة اختلافات جوهرية بينهما، والتي تؤشر بوضوح إلى الخطر غير المسبوق للوضع الحالي، حتى بالمقارنة مع الأحداث الدرامية في أوائل ستينيات القرن الماضي. سنسرد بعضًا منها.

أولًا، كانت أزمة الكاريبي عابرة إذ استمرت أقل من أسبوعين بين قرار حصار كوبا إلى بدء تفكيك صواريخ "أر 12" السوفياتية على الجزيرة. أما الأزمة الحالية فمستمرة منذ سبعة أشهر ونصف، وباتت لمدة طويلة جزءًا لا يتجزأ من "الحياة اليومية الجيوسياسية الجديدة"، ويبدو أننا لم نصل بعد إلى اللحظة الحاسمة.

ثانيًا، كانت أزمة الصواريخ الكوبية أزمة نووية محض. في الواقع، كان الخلاف بين القوتين العظميين حول قضية واحدة محددة، وهي سحب الاتحاد السوفياتي صواريخ "أر 12" من كوبا في مقابل تخلي الولايات المتحدة عن محاولات إطاحة نظام فيديل كاسترو. وكان الشرط الإضافي، الذي أصرت عليه موسكو، هو سحب صواريخ جوبيتر الأميركية من الأراضي التركية.

أما الأزمة الحالية فلا تقتصر على المجال النووي، بل تتفاقم لأن الولايات المتحدة تشارك منذ مدة طويلة، بشكل غير مباشر، في صراع عسكري واسع النطاق مع روسيا في القارة الأوروبية، عبر توفير الدعم العسكري والتقني والاستخباراتي والاقتصادي الشامل لأوكرانيا.

ثالثًا، بالنسبة لكلا الجانبين، فإن مستوى المخاطر في الأزمة الحالية أعلى مما كان عليه قبل ستين عامًا. حينذاك، كانت لكوبا، بالطبع، أهمية رمزية وعملية كبيرة لدى الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي معًا، لكن مصير أوكرانيا لا يقل أهمية لكل من الكرملين والبيت الأبيض. إن هزيمة موسكو بشكل من شأنها أن تعرض للخطر ليس مصير القيادة الحالية للاتحاد الروسي فحسب، ولكن مستقبل الدولة الروسية أيضاً.

وقد تؤدي هزيمة الولايات المتحدة إلى انهيار حلف الناتو، ووضع حد لمحاولات استعادة القيادة الأميركية المهزوزة في السياسة العالمية، وضمان تغيير السلطة في الانتخابات الرئاسية لعام 2024.

رابعاً، يختلف هيكل ترسانات الصواريخ النووية التي تمتلكها موسكو وواشنطن اليوم اختلافًا جوهريًا عمّا كانتا عليه في عام 1962. على سبيل المثال، في أوائل الستينيات من القرن الماضي، لم تكن هناك أنظمة حديثة عالية الدقة، وكانت الرؤوس الحربية النووية الصغيرة والصغيرة جدًا لا تزال قيد التطوير. وفقًا لذلك، ارتسم الخط الفاصل بين الحرب النووية والحرب التقليدية بوضوح شديد. أما اليوم، فيبدو هذا الخط أقل تحديدًا، وتبدأ المناقشات بشكل دوري على جانبي النزاع بشأن "قبول" نزاع نووي محدود.

خامساً، قبل ستين عاماً، كان مستوى الاحترام المتبادل وحتى الثقة المتبادلة بين قادة موسكو وواشنطن أعلى بكثير مما هو عليه اليوم. في الأيام المصيرية من شهر تشرين الأول/ أكتوبر 1962، بنى قادة البلدين على أن الاتفاقات التي تم التوصل إليها ستنفّذ بشكل أو بآخر، أما اليوم فلا توجد مثل هذه الثقة، سواء في الكرملين أو في البيت الأبيض.

علاوة على ذلك، من الواضح أن كل طرف من طرفي الصراع مقتنع تمامًا بأن العدو في حالة تدهور عميق لا رجعة فيه، وبالتالي فإن أي اتفاقيات استراتيجية معه لا معنى لها.

سادساً، خلال أزمة منطقة البحر الكاريبي، استمرت خطوط الاتصال في العمل، حيث التقى السفير السوفياتي في واشنطن أناتولي دوبرينين بروبرت كينيدي عدة مرات، وحافظ أيضًا على اتصالات شخصية مستمرة مع وزير الخارجية دين راسك. لا يمكن للسفير الروسي في واشنطن أناتولي أنتونوف اليوم، إلا أن يحلم بمثل هذا الوصول إلى كبار المسؤولين الأميركيين.

كذلك السفيرة الأميركية الجديدة في روسيا لين تريسي لم تصل بعد إلى موسكو، ولا يُعرف حتى متى ستظهر في "سباسو هاوسط (مقر السفارة الأميركية في موسكو).

سابعاً، في أزمة الكاريبي، كان نيكيتا خروتشوف وجون ف. كينيدي، قد مرّا شخصياً وعانيا من كل أهوال ومصاعب الحرب العالمية الثانية، حيث عايشاها تقريباً من البداية إلى النهاية في أوروبا (خروتشوف) والمحيط الهادئ (كينيدي)، فيما ينتمي فلاديمير بوتين وجوزيف بايدن بالفعل إلى جيل ما بعد الحرب.

على الرغم من أن الرئيس بايدن ولد في عام 1942، إلا أنه بالكاد يتذكر أي شيء عن سنوات الحرب، ومن غير المرجح أن يكون الرئيس الأمريكي السادس والأربعين قادرًا على تخيل عواقب صراع عالمي جديد بشكل واضح.

ومع ذلك، مع كل الاختلافات بين الموقفين، فإن كلمات جون كينيدي، التي قالها في الجامعة الأميركية في 10 حزيران/ يونيو 1963، بعد ستة أشهر من تمكن القوتين العظميين من التراجع عن حافة الهاوية النووية، لا تزال وثيقة الصلة بالموضوع: "الأهمّ، هو أن القوى النووية، دفاعاً عن مصالحها الحيوية، لم تسمح بمثل هذا الشكل من المواجهة الذي يضع العدو أمام الاختيار بين الانسحاب المهين والحرب النووية. إن اختيار مثل هذا الشكل في العصر النووي سيكون دليلاً على الإفلاس الكامل لسياستنا، أو مظهرًا من مظاهر الرغبة الجماعية اللاواعية لموت العالم بأسره".

أعتقد أننا لن نجد ما هو أفضل من هذه الكلمات لقوله في هذا الشأن.

نقله إلى العربية: عماد الدين رائف