"فورين بوليسي": البنتاغون ينشر المزيد من العسكريين الأميركيين في تايوان
تأتي مشاركة الولايات المتحدة الأكبر في تايوان في الوقت الذي يتم فيه التشكيك بشكل متزايد في حكمة الغموض الاستراتيجي.
ذكرت مجلة "فورين بوليسي" الأميركية أن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن قد أضافت المزيد من القوات الأميركية إلى تايوان خلال الأشهر القليلة الماضية، وذلك بحسب بيانات وزارة الدفاع الأميركية المنشورة حديثاً، ووضعت نحو 40 جندياً في الجزيرة لحماية "السفارة الأميركية" بحكم الأمر الواقع، وتدريب القوات التايوانية.
ورأت المجلة أن الوجود الأميركي الصغير ولكن المتزايد بشكل مطرد في تايوان - الآن نحو ضعف حجم العام الماضي – يعكس قلقاً متزايداً في البيت الأبيض والبنتاغون بشأن مصير الجزيرة. ففي حين أن معظم المسؤولين العسكريين لا يعتقدون أن الصين قد اتخذت قرار الغزو حتى الآن، حيث تعزز بكين قواتها البرمائية وصواريخها التي تفوق سرعتها سرعة الصوت لتقليل دفاعات تايوان، استمرت درجة التوتر في الارتفاع، وخاصة بعد التتويج الافتراضي للرئيس الصيني شي جين بينغ في جلسة كبيرة للحزب الشيوعي هذا الشهر. ويتكلم المسؤولون الصينيون بصراحة متزايدة بشأن استعادة تايوان، التي يعتبرونها مقاطعة منشقة، بأي مقياس.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية تشاو ليجيان هذا الأسبوع: "إن تحقيق إعادة التوحيد الكامل للصين هو طموح يتقاسمه جميع أبناء وبنات الأمة الصينية. وسوف نسعى جاهدين من أجل احتمال إعادة التوحيد السلمي بأقصى قدر من الإخلاص والجهود. إذا استفزتنا القوات الانفصالية من أجل "استقلال تايوان"، أو فرضت علينا، أو حتى تجاوزت الخط الأحمر، فسنضطر إلى اتخاذ إجراءات حازمة".
وبحسب مركز بيانات القوى العاملة الدفاعية، وهو مكتب في البنتاغون يجمع بيانات القوات، فإن الولايات المتحدة لديها الآن 39 جندياً في تايوان، بمن في ذلك 29 من مشاة البحرية وخمسة طيارين وثلاثة بحارة وجنديان. هذه قفزة من حزيران / يونيو الماضي، عندما تعقب المكتب نفسه 30 جندياً في الخدمة الفعلية و15 مدنياً يخدمون في الجزيرة، بمن في ذلك 23 من مشاة البحرية، كما ذكرت "فورين بوليسي" سابقاً.
وتأتي الزيادة المطردة مع تصاعد التوترات بشأن تايوان في الأسابيع الأخيرة. فيوم الثلاثاء، وصف الرئيس الأميركي جو بايدن تايوان بأنها "مستقلة" في ما بدا خروج عن سياسة "صين واحدة" الأميركية، والتي بموجبها اعترفت واشنطن فقط ببكين بينما أقامت علاقات دبلوماسية غير رسمية مع تايوان منذ عام 1979. وقد تراجع بايدن وكبار مسؤولي الإدارة الآخرين في وقت لاحق عن هذه التعليقات، وأصروا على عدم وجود تغيير في السياسة.
وقالت المجلة إن بعض الخبراء يريدون من إدارة بايدن أن تتخذ موقفاً أكثر صرامة في القدوم لدعم تايوان علناً، بما في ذلك الزيارات رفيعة المستوى من قبل المسؤولين العسكريين والمدنيين الأميركيين، بعد أن أجرت الصين تدريبات قياسية في منطقة الدفاع الجوي لتايوان في أواخر أيلول / سبتمبر وأوائل تشرين الأول / اكتوبر الماضيين.
وقال إيان إيستون، كبير المديرين في معهد "بروجكت 2049"، وهو مركز أبحاث أميركي يركز على الصين ومقره أرلينغتون بولاية فيرجينيا: "لا أعرف إذا الحكومة الأميركية جادة بشأن الدفاع عن تايوان. حالياً، لا يزال هناك الكثير من هذه العادات السيئة القديمة التي تراكمت في العلاقات بين الولايات المتحدة وتايوان حيث تتصرف الولايات المتحدة، وكأننا نخجل من أن نكون هناك. أو في الواقع ربما نرتكب خطأ من خلال الدفاع عن ديمقراطية متشابهة التفكير، ولا نريد إزعاج بكين".
وأشارت "فورين بوليسي" إلى أن الأرقام من البنتاغون قد لا توفر لقطة كاملة لأعداد القوات الأميركية في تايوان، لكن الرقم الأخير يمثل قفزة أخرى عما كان تاريخياً مجموعة صغيرة من القوات الأميركية. فخلال عهد الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما والفترة الأولى من عهد الرئيس دونالد ترامب، كان للولايات المتحدة 10 جنود أو نحو ذلك في الجزيرة، والذين تضاعفوا بنهاية ولاية ترامب. وظل عدد المدنيين الأميركيين ثابتاً في الغالب، وفقاً لأرقام البنتاغون، عند نحو 15 أميركياً.
ويبدو أن هذا الدور آخذ في الاتساع: يتم نشر مشاة البحرية في جميع أنحاء العالم للمساعدة في أمن السفارات، والقوات الأميركية التي تم تناوبها بهدوء داخل وخارج تايوان لعقود من الزمن ساعدت عادة في تدريب الجيش التايواني على أنظمة الأسلحة الأميركية المباعة بموجب قانون العلاقات مع تايوان. لكن في العامين الماضيين، بعد الضغط المكثف من مستشار الأمن القومي السابق جون بولتون، بدأت القوات الأميركية في القيام بدور أكثر نشاطاً، لمساعدة التايوانيين على الاستعداد لصد هجوم برمائي صيني محتمل وتدريبهم على مواصلة المقاومة المسلحة على الأرض إذا حاول "جيش التحرير الشعبي" الصيني القيام بحملة مكافحة المقاومة.
وقالت المجلة إن البعض يشعر بالقلق من أن زيادة القوات الأميركية في تايوان قد يلزم وزارة الدفاع الأميركية من دون داعٍ بالدفاع عن الجزيرة، مما يؤدي إلى زيادة توسيع نطاق الجيش الأميركي والتراجع عن رغبة إدارة بايدن الظاهرة في تخليص المزيد من القوات الأميركية من الصراعات الخارجية.
وقال ألكسندر ماكوي، منظم السياسة الخارجية التقدمي وأحد مؤسسي منظمة الدفاع المشترك، وهي مجموعة "قدامى المحاربين" الأميركيين: "الحقيقة هي أن الشعب الأميركي لن يدعم خوض حرب مع الصين بشأن تايوان. هذه فقط الحقيقة الأساسية. لذا هؤلاء أعضاء الكونغرس الذين يتشددون بشأن تايوان، إنهم يخادعون .. ويستخدمون حياتنا كرقاقات، ناهيك عن حياة جميع الأشخاص الذين سيتم القبض عليهم في مرمى النيران. إنه مجرد غباء".
ومع ذلك، يبدو أن بكين تتحرك بشكل أسرع. وقالت لجنة المراجعة الاقتصادية والأمنية الأميركية الصينية المعينة من قبل الكونغرس، في تقريرها السنوي، الصادر يوم الأربعاء، إن الصين كثفت من الإكراه العسكري في بحري الصين الجنوبي والشرقي، وكذلك في مضيق تايوان خلال العام الماضي. ودعت اللجنة الكونغرس إلى اتخاذ خطوات كبيرة إلى الأمام في العلاقة الأميركية مع تايوان، بما في ذلك من خلال منح مساعدة عسكرية أميركية لسنوات عدة للجزيرة وأولوية تسليم أنظمة الأسلحة الأميركية، والسماح بنشر صواريخ كروز وصواريخ باليستية مضادة للسفن في المنطقة، وتخصيص الأموال لتحسين الدفاع الصاروخي، وتقوية القواعد الأميركية ضد هجوم صيني محتمل.
وبدأ بعض الجمهوريين وخبراء الدفاع في الشك في حكمة الولايات المتحدة المزعومة، "الغموض الاستراتيجي" حول الدفاع عن تايوان، وهي سياسة راسخة منذ فترة طويلة لا تتعمد واشنطن بموجبها توضيح ما إذا كانت ستدافع عن تايوان ضد الغزو الصيني.
وقال إيستون، خبير الدفاع الصيني: "لا يمكنني التفكير في حالة أخرى في السبعين عاماً الماضية حيث تمكنت الولايات المتحدة من ردع قوة مثل الصين من القيام بما تقوم به مع تايوان. إن الغموض الاستراتيجي لم يمنع كوريا الشمالية من غزو كوريا الجنوبية في عام 1950، ولم يردع فيتنام الشمالية عن غزو فيتنام الجنوبية، ولم يردع صدام حسين عن غزو الكويت عام 1990. كانت هذه كلها حالات كان لدينا فيها سياسات غموض استراتيجي وفشلوا فيها". وأضاف: "كلما زادت الخطوات التي يمكن أن تتخذها هذه الإدارة وأي إدارة مستقبلية لتكون أكثر شفافية، كان ذلك أفضل".
نقله إلى العربية بتصرف: هيثم مزاحم