"غلوبال تايمز": الحرب التجارية ضد الصين أضرت بالولايات المتحدة أكثر
الصين لا تريد حرباً تجارية مع أميركا لكنها لا تخاف من نشوب مثل هذه الحرب وستخوضها إذا لزم الأمر.
قالت صحيفة "غلوبال تايمز" الصينية في افتتاحيتها إن وكالة بلومبرغ الأميركية قد ذكرت أخيراً أن 19 شركة من أصل 20 شركة في العالم من الأسرع نمواً في صناعة الرقائق الاكترونية خلال الأرباع الأربعة الماضية تنحدر من البر الرئيسي الصيني. ورأت الصحيفة أن هذا مظهر من مظاهر الطفرة في تصنيع وتوريد الرقائق في الصين. تُعرف صناعة الرقائق على نطاق واسع بأنها الهدف الأساسي للحرب التجارية التي أطلقتها الولايات المتحدة وحرب العلوم والتكنولوجيا ضد الصين، وهي كذلك المجال الرئيسي الذي تم فيه احتواء الصناعة الصينية بشدة. لكن بعد صراع شاق في السنوات القليلة الماضية، بدأ هذا القطاع في الازدهار في الصين بدلاً من هزيمته من قبل الولايات المتحدة.
وأضافت الصحيفة أنه من الواضح أن هذه النتيجة صدمت مؤيدي الحرب التجارية الأميركية ضد الصين. في البداية، اتخذوا موقفاً متعجرفاً بأنهم سيخنقون نمو الصين حتى لو اضطروا للتخلي عن بعض مصالحهم. لقد شنوا "أكبر حرب تجارية منذ ثلاثينيات القرن الماضي"، والتي جذبت انتباه العالم، وحتى جعلت بعض الصينيين يتراجعون. لكن التنبؤ بأن الصين "سوف ينفد رصاصها أولاً" لم يصبح حقيقة واقعة. وبدلاً من ذلك، أدى القمع القاسي إلى نمو الصناعات الرئيسية في الصين.
ومن الجدير بالذكر أن المطلعين على الصناعة الذين اتصلت بهم "غلوبال تايمز" عبّروا جميعاً عن يقظتهم من محاولة الإعلام الأميركي والغربي "قتل الصين من خلال المبالغة في الإشادة بها". من جهة أخرى، يعتقد المطلعون أنه لا تزال هناك فجوة بين التكنولوجيا الأساسية للصين وتكنولوجيا الولايات المتحدة. كما لديهم ثقة قوية في اختراق الصين لاحتواء الولايات المتحدة. هذه العقلية الناضجة، غير المتعجرفة، أصبحت تدريجياً هي الوعي السائد في المجتمع الصيني، وهو ما ينعكس في كل من العقول والأفعال.
وتابعت الصحيفة أنه على الرغم من أن الحملة الاقتصادية والتجارية والتكنولوجية التي أطلقتها الولايات المتحدة قد تسببت في بعض الصعوبات قصيرة الأجل للاقتصاد الصيني، إلا أنها ألهمت الشعب الصيني على العمل الجاد وتشكيل توافق قوي في الآراء بشأن الابتكار المستقل. كانت هناك مفاهيم خاطئة مثل "التملق للولايات المتحدة" و"رهاب الأميركيين" في المجتمع الصيني في الماضي، وعقلية الاعتماد على الآخرين في التقنيات الرئيسية، ولكن تم تصحيحها جميعاً.
ورأت "غلوبال تايمز" أنه عندما يتعلق الأمر بالحرب التجارية، فإن الصين لا تريد مثل هذه الحرب، لكنها لا تخاف من نشوب حرب تجارية وستخوضها إذا لزم الأمر. ونظراً لأن الصين صمدت أمام الآلام قصيرة المدى، فقد استمرت المرونة المتأصلة في البلاد في الازدياد.
في المقابل، لم تحقق الولايات المتحدة في السنوات الأخيرة هدف خنق الاقتصاد الصيني، كما أنها لم تجنِ الفوائد التي توقعها المبادرون في الحرب التجارية. وبدلاً من ذلك، فإن الاقتصاد الأميركي ينذر بتعرضه لضرر طويل المدى - أدى أخطر تضخم على مدى الأربعين عامًا الماضية إلى زيادة كبيرة في تكاليف المعيشة للأميركيين العاديين. في عام 2021، خفضت شركات صناعة السيارات الأميركية الإنتاج بمقدار 7 ملايين سيارة بسبب نقص الرقائق، مما أدى إلى ارتفاع أسعار السيارات الجديدة بنسبة 8 في المائة والسيارات المستعملة بنسبة تزيد عن 40 في المائة. ورأت الصحيفة أننا سنجد سبباً مهماً لهذا السيناريو هو انتهاك واشنطن للقانون والتدخل القسري في التبادلات الاقتصادية والتجارية بين الصين والولايات المتحدة بالوسائل السياسية. فعلى الرغم من استمرار وجود سياسيين أميركيين يبررون الحرب التجارية ضد الصين ويزعمون إقناع الأميركيين بأن الصين "تشكل تهديداً وجودياً للولايات المتحدة"، إلا أن الواقع الصلب يبدد التعصب الوهمي. فاليوم، تلك النخب الأميركية المتعجرفة هي أكثر قلقاً عندما يتعين عليها مواجهة الصين، وتصبح أكثر تورطاً في تقريع الصين. في ظل هذه الخلفية، قامت واشنطن بتعويم بالونات تجريبية بشكل متكرر في الأيام الأخيرة، بدعوى أنها تدرس إلغاء بعض التعريفات المفروضة على الواردات الصينية وكأنها مستعدة لكبح الحرب التجارية مع الصين.
يشار إلى أن واشنطن لم تنحرف عن عقلانيتها تجاه الصين، وهو ما ينعكس أيضاً في انتهازية بعض السياسيين، الذين يتسمون أحياناً بالتعصب وأحياناً بـ"الاعتدال". وعلى الرغم من صدور مثل هذه التقارير مراراً، إلا أن البيت الأبيض قال في الأيام القليلة الماضية إنه لم يتم اتخاذ أي قرار لرفع بعض التعريفات المفروضة على الواردات الصينية قبل قمة مجموعة السبع الأسبوع المقبل.
وأوضحت الصحيفة أنه أصبح من المستحيل أن تسبب هذه المحاولات المتكررة أي تقلب عاطفي بين الشعب الصيني.. لذلك، لن نتوقف عن إلقاء نظرة فاحصة ونذكر أنفسنا في نفس الوقت أنه من المهم جداً أن نقوم بعملنا بشكل جيد.
وخلصت افتتاحية "غلوبال تايمز" إلى القول إنه في هذه الجولة من الحرب التجارية التي شنتها الولايات المتحدة ضد الصين، كانت المصداقية التجارية للولايات المتحدة وصورتها الوطنية هي التي تضررت أكثر من غيرها. فإذا كانت الولايات المتحدة تريد إصلاحها، فعليها أن تظهر قدراً أكبر من الإخلاص وأن تبذل جهوداً أكبر. فباعتبارها الصين عدواً وهمياً، اختارت الولايات المتحدة الخصم الخطأ واستخدمت الأسلوب الخطأ. إن أكبر معارضة للهيمنة هو التيار العام، وكل من يعمل ضد التيار العام محكوم عليه بالفشل.