"غلوبال تايمز": آسيان ليست أداة لأميركا في حربها ضد الصين
قال مسؤول سنغافوري للأميركيين: إنكم تقاربون المنطقة بتركيز واحد، هو الأمن، لكن الآسيويين يعيشون عن طريق التجارة.
قالت صحيفة "غلوبال تايمز" الصينية في افتتاحيتها إن القمة الخاصة بين الولايات المتحدة وآسيان (رابطة دول جنوب شرق آسيا) قد عقدت في واشنطن هذا الأسبوع. وخلال خطابه، قال الرئيس الأميركي جو بايدن: "علاقتنا بكم [أعضاء الآسيان] هي المستقبل، في السنوات والعقود المقبلة". وقالت نائبة الرئيس الأميركي كامالا هاريس لهم أنه "معاً سنحترس من التهديدات للقواعد والأعراف الدولية".
وأضافت الصحيفة ان الجانب الأميركي لم يذكر الصين علناً، لكن الرأي العام يعتقد عموماً أنه عندما تنخرط الولايات المتحدة في الدبلوماسية متعددة الأطراف في الوقت الحاضر، فإنها غالباً ما تجعل الصين "البطل الغائب".
ومع ذلك، ظلت دول الآسيان ككل حذرة بشأن القمة. أوضح رئيس الوزراء الكمبودي سامديتش تيكو هون سين أنه "لا يتعين علينا الاختيار بين الولايات المتحدة والصين". وشدد رئيس الوزراء الفيتنامي فام مينه شينه في خطابه في واشنطن على أن "بين الاستقلال والتبعية خيارنا هو الاستقلال دائماً.. بين التفاوض والمواجهة نختار التفاوض .. بين الحوار والصراع نختار الحوار .. وبين السلام والحرب .. نختار السلام. بين التعاون والمنافسة نختار التعاون".
من جانبه قال الرئيس الإندونيسي جوكو ويدودو إن "إندونيسيا تتوقع أن تؤدي هذه القمة الخاصة إلى شراكة يمكن أن تسهم في السلام والاستقرار والرفاهية الإقليمية". ورحب رئيس وزراء سنغافورة لي هسين لونغ بإطار العمل الاقتصادي بين منطقتي المحيطين الهندي والهادئ المقترح مع الولايات المتحدة، لكنه قال إنه يأمل أن يكون "شاملاً".
ورأت الصحيفة أن حذر دول الآسيان معقول. يصادف هذا العام الذكرى السنوية الخامسة والأربعين لعلاقات الحوار بين الآسيان والولايات المتحدة، لكن لا يمكن وصف العلاقة بين الجانبين بأنها "مثالية". ففي آذار / مارس الماضي، أعلنت الولايات المتحدة أنها ستفتح تحقيقاً في التحايل المزعوم على رسوم الألواح الشمسية المستوردة إلى الولايات المتحدة من كمبوديا وماليزيا وتايلاند وفيتنام، زاعمة أن هذه الألواح قد تأتي من الصين وتسببت في حدوث صدمة للصناعات ذات الصلة.
ومن المقرر أن تستضيف كمبوديا وإندونيسيا وتايلاند ثلاثة اجتماعات مهمة للزعماء في منطقة جنوب شرق آسيا في وقت لاحق من هذا العام، وفقاً لبيان مشترك أصدرته الدول الثلاث في أوائل أيار / مايو الجاري. وأشار البيان إلى أن الاجتماعات هي "لجميع الدول / الاقتصاديات المشاركة"، والتي رفضت بالمعنى الحقيقي المطالب غير المعقولة للولايات المتحدة والغرب، مما زاد الضغط على الدول الثلاث كي تقوم بعزل روسيا.
كما واجهت القمة الخاصة بين الولايات المتحدة وآسيان عقبات على الطريق قبل انعقادها. واصلت الولايات المتحدة تغيير المواعيد التي اقترحتها آسيان، حتى أنها أعلنت من جانب واحد عقدها في آذار / مارس، مما أثار استياء أعضاء رابطة دول جنوب شرق آسيا.
وقالت "غلوبال تايمز" إنه في قمة هذا الأسبوع، تعهدت الولايات المتحدة باستثمار 150 مليون دولار لرابطة دول جنوب شرق آسيا، والتي أصبحت إحدى "النتائج" الموضوعية القليلة للقمة. لكن الرأي العام الدولي سخر من ذلك، حيث أقر مجلس النواب الأميركي مشروع قانون من شأنه أن يوفر 40 مليار دولار من المساعدات لأوكرانيا. وسيتم استخدام 60 مليون دولار من إجمالي 150 مليون دولار لمساعدة شركاء الولايات المتحدة في تعزيز الدفاع البحري. تتحدث واشنطن عن الكيفية التي تريد بها مساعدة أعضاء "آسيان" على تطوير الطاقة النظيفة، وتعزيز التعليم ومكافحة الوباء، لكنها في الواقع لا تزال تركز على "الأمن" من أجل "مواجهة نفوذ الصين". ولا عجب أن قال مسؤول سنغافوري للأميركيين: إنكم تميلون إلى الاقتراب من المنطقة بتركيز واحد، وهو الأمن، لكن الآسيويين يعيشون عن طريق التجارة.
قبل القمة، قال كورت كامبل، كبير مسؤولي البيت الأبيض بشأن آسيا، يوم الأربعاء الماضي إن الولايات المتحدة "لا تريد انزلاق جنوب شرق آسيا أو آسيا إلى حرب باردة جديدة". وقال إن الولايات المتحدة لديها "رغبة في التنافس السلمي" بطريقة فعالة. ليس من الصعب فهم مثل هذا الخطاب الدبلوماسي. واعتبرت الصحيفة أنه إذا كان "السلام" الذي ذكرته واشنطن هو ضمان "مصلحتها المطلقة" من خلال دفع الآخرين إلى الهاوية، بينما "الفعال" تعني الهدف النهائي لاحتواء الصين، فإن مثل هذه الخطوة لن تكون موضع ترحيب مهما كانت مقنعة. لقد عانى أعضاء "آسيان" من الحروب والصراعات الإقليمية. إنهم يعرفون بعمق كم السلام والتنمية ثمينات. يتمتع معظم أعضاء هذه الرابطة بالخبرة والحكمة لتجنب أن تصبح هذه الدول بيادق في أيدي القوى العظمى.
وأضافت الصحيفة أنه في الدوائر الاستراتيجية الأميركية، هناك تصوّر أن دول "آسيان" تعتمد اقتصادياً على الصين بينما تعتمد على الولايات المتحدة من أجل الأمن. لكن يجب الإشارة إلى أن الصين وآسيان شريكان متبادلان - ولا علاقة لذلك باعتماد أحدهما على الآخر.
وأوضحت "غلوبال تايمز" أن معيار المنفعة المتبادلة والربح للجانبين هما المفتاح الرئيسي للتعاون بين الصين وآسيان. كانت الكتلة أكبر شريك تجاري للصين في عامي 2020 و2021. في تشرين الثاني / نوفمبر 2021، وعدت الصين بتقديم 1.5 مليار دولار من المساعدات التنموية الإضافية لأعضاء "آسيان" في السنوات الثلاث التالية لمساعدة الدول على محاربة الوباء وتعافي اقتصاداها. وقالت إن ما يسمى بمفهوم الاعتماد الأمني لهذه الدول على الولايات المتحدة هو محاولة من واشنطن لتبييض وتغطية طموحاتها الجيوسياسية من خلال اختلاق "التهديدات". بتحريض من واشنطن، كانت إدارة بنينو أكينو الثالث السابقة في الفلبين مستعدة لأن تكون بيدقاً للولايات المتحدة وأقامت ما يسمى بإجراءات التحكيم في بحر الصين الجنوبي. لكن ما الذي حصلت عليه في النهاية سوى قطعة من الورق البالي؟
وختمت الصحيفة بالقول: في هذه القمة، التزمت الولايات المتحدة وآسيان برفع علاقتهما من شراكة إستراتيجية إلى "شراكة إستراتيجية شاملة" في تشرين الثاني / نوفمبر المقبل. ويقول بعض المحللين إن قرار "آسيان" بتأجيل منح "شراكة استراتيجية شاملة" للولايات المتحدة حتى تشرين الثاني / نوفمبر هو تحديد "فترة تأهيل" لواشنطن. تتمنى معظم الدول الآسيوية أن تتمكن الولايات المتحدة من المساهمة بشكل أكبر في المنطقة بدلاً من الانخراط في تحركات لإضعاف المنطقة. يجب على واشنطن أن تستمع إلى "آسيان" بدلاً من الانغماس في لعبة محصلتها صفر وبدلاً من النظر إلى علاقاتها مع آسيان على أنها لعبة متأرجحة.
نقله إلى العربية بتصرف: هيثم مزاحم