"جيروزاليم بوست": اتفاق لبنان.. "إسرائيل" تتنازل عن نصيبها من الكعكة

صحيفة "جيروزاليم بوست" تتحدث عن التنازلات الإسرائيلية فيما خص ترسيم الحدود البحرية مع لبنان، وتقول إنّ "حقيقة أنّ إسرائيل تتخلى عن حصتها من فطيرة البيتزا واضحة للغاية، بحيث لا يمكن التعتيم عليها بالتلاعب السياسي". 

  • "جيروزاليم بوست": اتفاق لبنان.. "إسرائيل" تتنازل عن نصيبها من الكعكة

تحدثت صحيفة "جيروزاليم بوست" الإسرائيلية عن التنازلات الإسرائيلية في الاتفاق المحتمل لترسيم الحدود البحرية بين لبنان و"إسرائيل"، وكيف يظهر المسؤولون في"تل أبيب" أنفسهم بموقع المنتصر الرابح، لكنهم في الحقيقة قدّموا تنازلات لا يمكن إخفاءها.

فيما يلي النص منقولاً إلى العربية:

كان لبنان و"إسرائيل" في نزاع مستمر على مدار العقد الماضي بشأن الحقوق الاقتصادية في منطقة من البحر الأبيض المتوسط ​​على شكل شريحة بيتزا.

والآن تتنازل "إسرائيل" عن المنطقة المتنازع عليها مقابل وعود نظرية غير متبلورة.

احتياجات "إسرائيل" الأمنية

عرض رئيس الوزراء يائير لابيد الصفقة في "تويتر"، أمس الاثنين، على أنها تمنح "إسرائيل" 100% من احتياجاتها الأمنية، و100% من حقل كاريش، وحتى جزء من أرباح الحقل اللبناني. 

عندما يقول لابيد "الاحتياجات الأمنية"، فإنّه يشير إلى أشياء عدة. 

الفائدة الأمنيّة الأكثر صلابة للصفقة هي الاعتراف بـ "خط العوامات"، وهو خط بطول 5 كيلومترات من العوائق العائمة الممتدة من النقطة على طول البحر الأبيض المتوسط ​​التي تلتقي عندها "إسرائيل" ولبنان. تساعد العوامات على تأمين النقاط الشمالية على شواطئ "إسرائيل". ومن المفترض أن يتضمن الاتفاق الاعتراف بهذا الخط، وإبعاد قوة الأمم المتحدة الموقتة في لبنان عن "إسرائيل" بشأنه.

ومع ذلك، لم يكن "خط العوامات" مشكلة كبيرة على الإطلاق، حتى لو كان للبنان أو "اليونيفيل" مزاعم من حين لآخر. وقيام الحكومة اللبنانية بتوقيع اتفاقية مع الولايات المتحدة، لأنّها لا تشارك في توقيع أي شيء مع "إسرائيل"، لا تفعل الكثير لأمن "تل أبيب"، لأنّ التهديد من لبنان ليس الجيش اللبناني بقدر ما هو حزب الله. ومنذ متى يهتم حزب الله بالاتفاقيات الدولية؟ 

لماذا "إسرائيل" مستعدة لتقديم تنازلات؟ 

الميزة الأمنية الأخرى للصفقة التي قدمها لابيد، هي أنّه من خلال مساعدة بيروت على أن تصبح مُصدّرة للغاز الطبيعي وتحسين اقتصادها، فإنها "ستُضعف اعتماد لبنان على إيران، وستكبح حزب الله وستحقق الاستقرار الإقليمي". هذه نظرية تتردد كثيراً في المؤسسة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية عندما يتعلق الأمر بالفلسطينيين: "أعطهم شيئاً ليخسروه، وسوف يتصرفون بسلام لحمايته". 

لا ينبغي رفض النظرية بالكامل، لكن تاريخياً، كانت نتائجها بالنسبة لـ "إسرائيل" مختلطة. على هذا النحو، يمكن أن يكون هذا مجرد أمل في الصفقة، وليس إنجازاً أو نتيجة تحسّن أمن "إسرائيل" في هذه المرحلة.

ما لا يريد لابيد أن يعترف به بشكل مفهوم، وتخلى عنه في تصريحاته بشأن احتفاظ "إسرائيل" بنسبة 100% من حقل كاريش، هو أنّ هذه الصفقة تحاول "شراء الهدوء من حزب الله".

مع تقدم المحادثات بين "إسرائيل" ولبنان، في وقت سابق من هذا العام، وإنشاء شركة "إنيرجيان" المرخص لها، أصبح السيد حسن نصر الله "أكثر جرأة" في تهديداته ضد حقل الغاز الطبيعي الإسرائيلي، حتى أنّه أرسل طائرات من دون طيار للتحليق فوقه. 

طوال الوقت، أصرّ لابيد ووزيرة الطاقة كارين الهرار على أنّ كاريش ليس مورد تفاوض، لكنّه الآن يقدم الاحتفاظ به على أنّه إنجاز للمحادثات. بعبارة أخرى، لابيد كان على استعداد لاتخاذ مخاطرة محسوبة ودفع الثمن لمحاولة إخراج كاريش من تحت أنظار حزب الله، كسياسة الحكومات التي قادها رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو، والتي سمحت بإرسال حقائب مليئة بالمال إلى غزة لشراء هدوء موقت من حماس.  

كما ذكر لابيد في تغريدته أنّ "إسرائيل" ستحصل على "جزء من أرباح الحقل اللبناني". يبرز حقل غاز قانا مباشرةً ضمن شريحة بيتزا المنطقة المتنازع عليها إلى المياه الإسرائيلية، بالقرب من كاريش. إنه ضمن "الخط 29"، منطقة أوسع متنازع عليها، وضعها لبنان على الطاولة في مطلع سنة 2021، وهو ما رفضته "إسرائيل" ولم يكن أبداً الأساس الفعلي للمفاوضات.

وكما وصفها السفير الأميركي السابق لدى "إسرائيل" دافيد فريدمان في "تويتر"، فإنّ "صفقة العائدات، التي لم يتم تطبيقها حتى الآن، تعني أن تحصل تل أبيب على عائدات فقط على التنقيب داخل أراضيها السيادية، وهذا خارج نطاق النزاع البحري مع لبنان، أي أنّ إسرائيل تتفاوض للحصول على أموال مقابل ما هو بالفعل حق لها".

إضافة إلى ذلك، وبسبب النزاع المستمر، فإنّ شركة "Total Energy" المرخص لها في لبنان لم تتمكن مطلقاً من التحقق مما إذا كانت الهيدروكربونات موجودة في قانا وما هو مقدارها. التقدير هو أنه حقل صغير إلى متوسط​​، لكن لا تزال هناك فرصة بأن تحصل "إسرائيل" على القليل أو لا شيء فيما يتعلق بالتعويض الاقتصادي.

كان المفاوضون الإسرائيليون حكماء بما يكفي لعدم الاعتماد على لبنان، الدولة المعادية ذات الاقتصاد الفاشل، للدفع. لا تزال وزارة الطاقة تعمل على إبرام صفقة مع شركة "توتال" المملوكة لفرنسا للدفع لـ "إسرائيل" مقابل النسبة المئوية للمنطقة الواقعة في المياه الإسرائيلية. 

وزير الطاقة السابق شتاينتس يهاجم الصفقة

وزير الطاقة السابق يوفال شطاينيتس، من حزب "الليكود" بزعامة نتنياهو، قال لصحيفة "جيروزاليم بوست"، هذا الأسبوع، إنّ "إسرائيل تبدو خصماً ضعيفاً".

كوزير للطاقة عند استئناف المفاوضات في سنة 2020 ومطلع سنة 2021، كان شتاينتس يؤيد التفاوض مع لبنان للسماح لكلا الجانبين بالمضي قدماً وتطوير حقول الغاز الخاصة بهما، وأشار إلى أنّ معارضة نتيجة الصفقة ليست هي نفسها معارضة المحادثات عندما كانت جارية. 

وذكر الوزير الإسرائيلي أنّه في سنة 2012، حاولت الولايات المتحدة أولاً التفاوض بشأن مسألة الخط البحري، واقترحت "خط هوف"، الذي كان سيعطي لبنان 55% من شريحة البيتزا و"إسرائيل" 45%، مع قدرة كل منهما على استخراج الغاز بمفرده. كان الوزير السابق على استعداد للتحلي بالمرونة، وإعطاء "إسرائيل" أقل من ثلث المنطقة المتنازع عليها عندما كان وزيراً.

"ما نوع التفاوض إذا حصلوا على 100%، وحصلنا على صفر؟" سأل شتاينتس، معقباً: "هذا خطأ، وهو سابقة خطرة".  

وفي سياق ذي صلة، تشارك "إسرائيل" في مفاوضات مع قبرص حول خزان الغاز "أفروديت-يشاي"، الذي يوجد 10-12% منه في المياه الإسرائيلية. وكان لقبرص بالفعل موقفاً حازماً في المحادثات، وقد تشير الآن نتيجة مفاوضات لبنان إلى نيقوسيا أنها يمكن أن تجعل "إسرائيل" تستسلم.

في غضون ذلك، حاول لابيد ورفاقه رسم صورة وردية للصفقة، مع مزايا فقط.

من المفهوم أنّ السياسيين لا يريدون عرض نقاط الضعف في سياساتهم، خصوصاً قبل أقل من شهر من الانتخابات. لكن حقيقة أنّ "إسرائيل" تتخلى عن حصتها من فطيرة البيتزا واضحة للغاية، بحيث لا يمكن التعتيم عليها بالتلاعب السياسي.