"جيروزاليم بوست": أميركا تخذل المنطقة وتقف إلى جانب إيران

الاتفاق النووي يستبدل الهيكل الأمني الإقليمي السابق بقيادة أميركا بنظام تصبح فيه إيران، بدعم من روسيا والصين، المقاول الفرعي الجديد لأميركا، بينما حلفاء أميركا السابقون - دول الخليج و"إسرائيل" - تم تخفيضهم إلى درجة ثانية، بحسب "جيروزاليم بوست".

  • أميركا تفكك أركان إمبراطوريتها

كتب محمد اليحيى، المحرر السابق لقناة العربية بالإنكليزية، في جريدة "جيروزاليم بوست" الإسرائيلية أنّ أميركا تخذل المنطقة وتقف إلى جانب إيران بينما تفكك السبعين عاماً الماضية من النظام الإقليمي.

فيما يلي النص المنقول إلى العربيّة: 

بصفتي سعودياً التحق بالجامعة في الولايات المتحدة، ويحب أميركا ويريد رؤيتها قوية، فإنني منزعج بشكل متزايد من عدم واقعية النقاش الأميركي حول هذا الموضوع، والذي غالباً ما يفشل في الاعتراف بمدى عمق وخطورة الصدع. 

مناقشة أكثر واقعية يجب أن تركز على كلمة واحدة: "الطلاق"، عندما تفاوض الرئيس باراك أوباما على الاتفاق النووي مع إيران، فهمنا نحن السعوديين أنه يسعى لفسخ زواج دام 70 عاماً.

وكيف لا؟ فبعد كل شيء، عيوب الصفقة معروفة، إنها تمهد الطريق لإيران لصنع قنبلة نووية، إنها تملأ صندوق حرب حرس الثورة الإسلامي الإيراني، الذي نشر ميليشيات في جميع أنحاء العالم العربي مسلحة بذخائر دقيقة التوجيه لشل وقتل الأشخاص الذين كانوا يتطلعون في السابق إلى أميركا للمساعدة في ضمان سلامتهم. 

في نهاية الأسبوع الماضي، انضم وزير الخارجية أنتوني بلينكن إلى مؤتمر في النقب استضافه وزير الخارجية يائير لابيد وحضره عدد من وزراء الخارجية العرب. استغل بلينكن هذه المناسبة للتستر على الخلاف الذي أحدثه الاتفاق النووي من خلال تقديم صورة للتضامن الإقليمي، لكن المنطقة لم تنخدع.

تم بيع الصفقة بشكل مخادع للجمهور الأميركي كاتفاقية للسيطرة على الأسلحة، وهي عبارة عن هجوم على النظام الإقليمي الذي أنشأته الولايات المتحدة في أعقاب الحرب العالمية الثانية. معادية صراحةً للمملكة العربية السعودية، ناهيك عن حليفة أميركا الأعظم في المنطقة، إسرائيل، تستبدل الصفقة الهيكل الأمني ​​الإقليمي السابق بقيادة أميركا بنظام الكونسرت (حفلة موسيقية) الذي تصبح فيه إيران، بدعم من روسيا والصين، المقاول الفرعي الجديد لأميركا، بينما حلفاء أميركا السابقون - دول الخليج وإسرائيل - تم تخفيضهم إلى الدرجة الثانية. 

الأهم من ذلك، بالنسبة لمُعدّيها، الصفقة تُخرج الولايات المتحدة من أعمال احتواء إيران، والتي رداً على ذلك كثفت هجماتها على السلام والاستقرار الإقليميين.

يوم الجمعة الماضي، بينما كان بلينكن يستعد لرحلته إلى كيبوتس سادِه بوكِر القديم الذي كان يقوده ديفيد بن غوريون، شنت اليمن هجوماً صاروخياً على أرامكو في جدة.

خلال إدارتي أوباما وبايدن، قوبلت اعتداءات اليمن بدعوات أميركية لـ "وقف التصعيد" وإلقاء اللوم المتكرر على المملكة في صراع لم نسعَ إليه على حدودنا.

لم يمض وقت طويل على تقديم الولايات المتحدة نفسها لحلفائها كدرع لهم ضد جميع الجهات الفاعلة التي تسعى للهيمنة الإقليمية. كان شعار التحالف هو الدفاع الجماعي. 

إن التظاهر بـ "التوازن" الذي طرحه أوباما لتبرير الصفقة لم يكن له أي معنى منطقي. بعد كل شيء، إذا وعد أحد الأصدقاء "بموازنة" احتياجاتك مع احتياجات أعدائك، فيبدو من العدل أن تستنتج أنه لم يعد مهتماً جداً بأن يكون صديقك.

وبدلاً من الصداقة، تبدو أميركا أكثر ميلاً لاستخدام أصدقائها القدامى كدروع بشرية لإيران، في وقت سابق من هذا الشهر، عندما شنت إيران هجوماً صاروخياً باليستياً بالقرب من القنصلية الأميركية في أربيل في العراق، زعمت أنها استهدفت منشأة إسرائيلية. ثم أكد مسؤول كبير في إدارة بايدن الادعاء الإيراني. بينما نفى مسؤولون آخرون ذلك لاحقاً، فقد وقع الضرر.

بالنسبة للدول العربية في المنطقة، وخاصة بالنسبة للمملكة العربية السعودية، كان هذا المشهد الغريب مشهداً تنويرياً. إذا لم يقف الأميركيون إلى جانب "إسرائيل" ضد إيران، فما هي فرصة وقوفهم معنا؟

في هذه الأيام، تصوّر الولايات المتحدة الردع العسكري ضد إيران على أنه منحدر زلق إلى حرب في حين أن هذا الموقف هو الأكثر انتشاراً بين الديمقراطيين، فشل الرئيس دونالد ترامب أيضاً في مساعدة الرياض في ردع إيران بعد الهجوم على مصفاة بقيق في أيلول/سبتمبر 2019، جنباً إلى جنب مع تصريحاته عن نيته مغادرة الشرق الأوسط، فإن هذا التخلي عن الردع جعل السعوديين يتساءلون إذا لم يكن الجمهوريون أيضاً يهدفون إلى الطلاق.

لكن تصميم إدارة بايدن على إحياء الاتفاق النووي الإيراني هو الذي أقنع السعوديين إلى حد كبير بأن أميركا مصممة على تفكيك النظام الإقليمي الذي أنشأته، بغض النظر عن الشياطين التي قد تطلقها.

عندما احتج السعوديون على سلبية أوباما، قال لهم إن عليهم "تعلم كيفية مشاركة المنطقة مع إيران". ولا يغيب عن الحلفاء الإقليميين لأميركا الآن أنه حتى عندما يطلب بايدن من المملكة العربية السعودية زيادة إنتاج النفط للمساعدة في دعم الحملة ضد روسيا بشأن أوكرانيا، فإنه يمنح روسيا إعفاءات من العقوبات حتى تتمكن من الاستمرار في ضمان الاتفاق النووي مع إيران التي ساعدت في الوساطة - جزئياً من خلال تخزين احتياطيات إيران من اليورانيوم وحماية منشآتها النووية تحت الأرض المليئة بأجهزة الطرد المركزي غير القانونية التي تقوم بتدوير مواد للأسلحة.  

لماذا يجب على حلفاء أميركا الإقليميين مساعدة واشنطن على احتواء روسيا في أوروبا بينما تعمل واشنطن على تقوية روسيا وإيران في الشرق الأوسط؟

الافتراض الأميركي الموجِّه هنا، إذا كان هناك افتراض، هو أن الحلفاء الإقليميين القدامى ليس لديهم خيار سوى تناول ما يقدم لنا على الإفطار، وتناوله مرة أخرى على الغداء. هذا الافتراض متعجرف وخاطئ. 

بينما تعاني السياسة الأميركية من تناقضات محيرة، فإن السياسة الصينية بسيطة ومباشرة. تقدّم بكين للرياض صفقة بسيطة: قم ببيع نفطك واختر المعدات العسكرية التي تريدها من الكتالوج الخاص بنا، في المقابل، ساعدنا على استقرار أسواق الطاقة العالمية. بعبارة أخرى، يقدّم الصينيون ما يبدو بشكل متزايد على غرار الصفقة الأميركية - السعودية التي عملت على استقرار الشرق الأوسط لمدة 70 عاماً.

ما لم يتضح بعد هو ما إذا كان بإمكان الصينيين المساعدة في ردع إيران، أو ما إذا كانوا يشاركون الولايات المتحدة الإيمان بـ "التوازن". لكن شي جين بينغ سيزور الرياض في أيار/مايو.

من المؤكد أن القادة السعوديين سيسألونه عما إذا كان القصف الصاروخي للمنشآت النفطية لأكبر منتج للنفط في العالم يصب في مصلحة الصين، وإذا لم يكن الأمر كذلك، فهل تستطيع بكين إيقافه؟