العقوبات والدبلوماسية: على هامش زيارة تروس إلى موسكو
عن العقوبات وكيفية تجنب موسكو آثارها المباشرة وغير المباشرة، بالتزامن مع التهويل الأميركي ببدء الحرب على الجبهة الأوكرانية، يكتب إيفان تيموفييف، مدير برامج نادي فالداي الدولي للحوار.
يمكن اعتبار زيارة وزيرة الخارجية البريطانية ليز تروس إلى موسكو مثالًا نموذجيًا في المزج بين الدبلوماسية والعقوبات. ناقش الخبراء منذ فترة طويلة فعالية العقوبات في تعزيز الموقف الدبلوماسي. ومن الواضح أن زيارة الوزيرة البريطانية إلى موسكو لن تكون ذات جدوى، فمن غير المرجح أن تؤدي التعديلات التي أدخلت على قانون عقوبات المملكة المتحدة على روسيا، في يوم الزيارة نفسه، إلى أي نتائج في مواجهة ضبط النفس البارد من جانب موسكو.
الغرض الرئيس من زيارة ليز تروس إلى روسيا هو إرسال رسالة واضحة إلى وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مفادها أنه يجب على موسكو اتخاذ خطوات لسحب قواتها من الحدود مع أوكرانيا، واحترام سيادتها والدخول في مفاوضات هادفة. وعشية الزيارة، أُعلن أن لندن تعد تعديلات على لائحة العقوبات المفروضة على روسيا. بعبارة أخرى، أوضح الجانب البريطاني أنه مستعد لاستخدام العقوبات "كسوط" إذا لم يتم الاستماع إلى موقفه.
الاجتماع مع وزير خارجية روسيا الاتحادية سيرغي لافروف، كما كان متوقعا، عبارة عن "محادثة بين البكم والصم". بُني خطاب ليز تروس على صراع عسكري افتراضي بين روسيا وأوكرانيا، بينما ركز سيرغي لافروف على تجاهل المقترحات الروسية لنظام أمني في أوروبا، وأن موسكو لا ترحب بإمداد لندن النشط بالأسلحة لأوكرانيا، وأعقب التهديد بفرض عقوبات محتملة تحذير بشأن الإجراءات المضادة. في اليوم نفسه، نُشرت تعديلات على اللوائح الخاصة بالعقوبات المفروضة على روسيا.
جوهر التعديلات بسيط. توسع اللائحة الجديدة نطاق الأفراد والكيانات الذين يمكن لوزير خارجية المملكة المتحدة أن يفرض حظرًا وعقوبات على التأشيرة ضدهم. في النسخة الأصلية من اللائحة، التي صدرت عام 2019 كجزء سياسة عقوبات مستقلة بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، كانت القيود تستهدف أولئك المرتبطين بطريقة ما بتقويض سيادة أوكرانيا وسلامتها الإقليمية (القسم 2، المادة 6). بعد التعديلات في 10 شباط/ فبراير 2022، يمكن أن يتعرض أي شخص يستفيد من التعاون مع الدولة الروسية أو يتعاون معها للعقوبات. من بينها العمل في قطاعات ذات أهمية استراتيجية لروسيا، مثل البناء والدفاع والإلكترونيات والطاقة والتمويل وغيرها. بعبارة أخرى، يمكن تطبيق العقوبات على مجموعة واسعة من الناس، لأن معايير "الدعم" و "المنفعة" واسعة للغاية. بالمعنى الدقيق للكلمة، يمكن وضع أي مواطن روسي مرتبط بالقطاع العام تحت العقوبات. وهذه هي الغالبية العظمى من المواطنين الروس.
الوضع مختلف في الممارسة العملية
لا تؤدي التعديلات التي أدخلت على اللوائح إلا إلى إنشاء آلية قانونية لفرض العقوبات، ولكن لا تعني استخدامها فورًا. علق البريطانيون مسدس العقوبات على الحائط، لكنهم حتى الآن لم يطلقوا النار. وفقًا للوائح عام 2019، فرضت العقوبات 180 فردًا و48 كيانًا قانونيًا حتى الآن. بالإضافة إلى ذلك، يتم تحديد عقوبات قطاعية معروفة ضد القطاعات الصناعية المالية، والطاقة، والصناعات العسكرية الروسية. أي أن العدد الفعلي صغير ولا توجد مؤشرات على أنه مع الحفاظ على الوضع الراهن، ستتوسع قوائم الأشخاص الخاضعين للعقوبات بشكل جذري.
هناك تفصيل آخر مهم يتعلق بأحكام قانون العقوبات ومكافحة غسل الأموال لعام 2018، فهو الذي يحدد إجراءات إعداد لوائح العقوبات. فالوزير الذي يعد اللائحة يلتزم بأن يضع أمام البرلمان أهداف التدابير الواجب اتخاذها. فالمادة الرابعة من لوائح 2019 تربطها فقط بوقف الأعمال المزعزعة للاستقرار في أوكرانيا. وبموجبها يجب أن يتم حظر الأشخاص الذين يستفيدون من هياكل الروسية أو يدعمونها فيما يتعلق بالغرض الرئيس من تنظيمها، أي ارتباطها بأوكرانيا.
ومع ذلك، يمكن تفسير هذه القواعد على نطاق واسع للغاية، وتؤثر على أولئك الذين لا علاقة لهم بالسياسة الروسية تجاه أوكرانيا. يتضح هذا من خلال تجربة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، إذ تسمح اللوائح الأمريكية الخاصة بأوكرانيا بحظر وتقييد تأشيرات الأفراد المرتبطين بالحكومة الروسية. على وجه الخصوص، نحن نتحدث عن المادة الأولى من الأمر التنفيذي لرئيس الولايات المتحدة، الرقم 13661 بتاريخ 19 مارس 2014. ومن ذلك تطبيق العقوبات في 6 نيسان/ أبريل 2018 ضد مجموعة من رجال الأعمال الروس الكبار التي توحي بأنه يمكن تطبيقها على الأشخاص الذين لا علاقة لهم بالأزمة الأوكرانية. يمكن العثور على حالات مماثلة في قانون الاتحاد الأوروبي. على سبيل المثال، فرض قرار مجلس الاتحاد الأوروبي، الرقم 512 بتاريخ 31 تموز/ يوليو 2014، عقوبات على قطاعات الطاقة والمالية والدفاع الروسية "المتعلقة بالإجراءات الروسية لزعزعة استقرار الوضع في أوكرانيا".
حاولت شركة "روسنفت" الروسية الطعن في هذا القرار أمام محكمة العدل الأوروبية. كانت حجة الشركة، من بين أمور أخرى، أن صناعة النفط لا علاقة لها بالوضع في أوكرانيا. ومع ذلك، اعتبرت محكمة الاستئناف التابعة لمحكمة العدل الأوروبية القرار قانونيًا، لأن الغرض من العقوبات هو زيادة التكاليف التي تتكبدها روسيا بسبب سياستها تجاه أوكرانيا. "روسنفت" شركة الاتحاد الروسي، وهذا يعني أن العقوبات المفروضة عليها تتوافق مع الأهداف المعلنة.
السؤال الذي يطرح نفسه، لماذا احتاجت لندن إلى آلية قانونية جديدة؟ هناك عدة إجابات. أولاً، المملكة المتحدة، على غرار واشنطن، ترسم خطوطًا حمراء بشأن القضية الأوكرانية. إذا اندلعت حرب، فسيتبع ذلك عقوبات قاسية. كما أدلت السلطات الأمريكية بتصريحات مماثلة، وقد وضع الكونغرس بالفعل ستة مشروعات قوانين بشأن عقوبات جديدة. وهكذا، تؤكد لندن رمزيًا مكانتها كقوة عظمى وتتخذ موقفاً أكثر صرامة مقارنةً بالاتحاد الأوروبي. ثانيًا، إن التعديلات التي أدخلت على لوائح 2019 تضمن للحكومة الحالية عدم انتقاد المعارضة والإعلام. تظهر السلطات أنها تستجيب للمشكلة وتتصرف بشكل وقائي. تتلاءم الخطوات الأخرى، مثل توريد الأسلحة إلى أوكرانيا، مع هذا المنطق جيدًا.
ومع ذلك، من وجهة نظر التأثير على موسكو، فإن تعديل العقوبات لن يعطي نتيجة، وربما يقود إلى نتيجة سلبية، بناء على عدة أسباب:
أولاً، لا تستطيع موسكو ببساطة تقديم أي تنازلات بسبب التهديد بفرض عقوبات. علاوة على ذلك، لا يمكن مناقشة مثل هذه التنازلات بعد خطوات محددة في شكل تعديلات. روسيا قوة عظمى لن تخضع لضغوط العقوبات لأسباب مبدئية. من وجهة نظر القانون الدولي، فإن المناورات العسكرية الروسية شرعية تمامًا. من المهم أيضًا ألا تخطط روسيا على الأرجح لشن هجوم على أوكرانيا. نحن نتحدث عن استعراض للقوة وتعزيز موقفنا من قضايا الأمن الأوروبي الأطلسي.
ثانيًا، لا يمكن وصف الضرر الناجم عن العقوبات البريطانية، حتى لو طُبّقت إلى أقصى حد، على أنه خطير بالنسبة لروسيا. والأخطر بكثير بالنسبة لموسكو هي العقوبات الأمريكية. من الواضح، في حالة الحرب، ستقدمهما واشنطن ولندن في وقت واحد. في موسكو، يمكن أن يأخذوا الضرر الناجم عن العقوبات في حساباتهم، لكن من وجهة نظر الدبلوماسية، فإن هذا لا يعني شيئًا على الإطلاق. تحت تهديد العقوبات، لن تدخل روسيا في "المفاوضات الهادفة".
ثالثًا، الضغط على موسكو لا يزيد بل يقلل من أمن أوكرانيا. تتلاءم السياسة البريطانية تمامًا مع الصيغة المعروفة "الجمع بين الحوار والضغط". ومع ذلك، فإن مثل هذه الصيغة لا تقرب من تنفيذ اتفاقيات مينسك، بل تشجع أوكرانيا على تخريبها، وروسيا على تجميد الصراع.
رابعًا، من غير المرجح أن يساهم التهديد بفرض عقوبات في حوار بناء حول نظام الأمن الأوروبي الأطلسي. هناك ميل إلى "تصفية" هذه القضية تدريجياً على أساس أن القوات الروسية لا يمكن أن تبقى في حالة تعبئة مستمرة على الحدود لفترة طويلة. لكن مثل هذه السياسة لن تزيل المشاكل الأساسية وستحافظ فقط على المواجهة مع كل المخاطر المترتبة على ذلك حتى تصعيد غير مقصود لنزاع نووي.
أخيرًا، خامسًا، تقدم روسيا عادة "رد فعل معكوس" على العقوبات. السؤال هو كيف سيكون هذه المرة. افتراضيًا، يمكننا التحدث عن رد على صعيد تأشيرات السفر، ولكن يمكن أيضًا أن يكون الحديث عن خطوات أكثر جدية، على سبيل المثال، حول توسيع قائمة الدول التي ترتكب إجراءات غير ودية ضد روسيا. ومن شأن مثل هذا التطور أن يقوض العلاقات الثنائية المتعثرة بالفعل مع المملكة المتحدة.
لدى الجانب البريطاني قائمة حجج حول المناورات العسكرية الروسية بالقرب من الحدود مع أوكرانيا، على أنها تؤدي إلى نتائج عكسية. لديهم منطقهم. لكن لندن لم تستطع نقل أفكارها إلى موسكو بمساعدة العقوبات. لسوء الحظ، يمكن القول إن إظهار القوة أصبح مرة أخرى هو القاعدة في العلاقات الدولية.
السؤال هو إلى أي مدى ستكون النتائج مستدامة؟ من المؤكد أن موسكو ستواجه تخريب مقترحاتها، إذ لا يؤدي النجاح التكتيكي بالضرورة إلى نتائج استراتيجية. لكن هذه الحالة ستشكل مثالًا، كفصل جديد في الكتب المدرسية حول العلاقات الدولية، أي حول العلاقة بين استعراض القوة والدبلوماسية.
المقالة: العقوبات والدبلوماسية: على هامش زيارة ليز تروس إلى روسيا. إيفان تيموفييف/ المجلس الروسي للعلاقات الدولية، 14 شباط/فبراير 2022.