من دفتر الذكريات.. محطات في العلاقة مع حزب الله 3 / 6
جاءت زيارة وزير الخارجية الإيراني علي أكبر ولايتي للبنان عام 1992 في وقت تداولت بعض أجهزة الإعلام اللبنانية تحليلاً مفاده أنَّ الوزير الإيراني جاء من أجل إقناع حزب الله بالتحول إلى حزب سياسي والتخلي عن دوره المقاوم.
في أواخر حزيران/يونيو 1992، كان لبنان على أبواب أول انتخابات نيابية بعد الحرب اللعينة التي أنهاها اتفاق "الطائف" من دون أن ينهي مسبباتها، وكان العالم يشهد مرحلة "العولمة" التي لم تكن سوى ستار للهيمنة الأميركية الأحادية على العالم بعد انهيار الاتحاد السوفياتي من داخله، وكانت الأمة العربية تدخل مرحلة مدريد وتوابعها بعد حرب الخليج الأولى، إذ تمركزت قوات أميركية في بلاد الخليج والجزيرة العربية بذريعة "تحرير الكويت" الَّذي تبيّن أنّه كان ستاراً لتدمير العراق وإسقاط المنطقة في فخاخ الهيمنة الأميركية الصهيونية.
جاءت زيارة وزير خارجية الجمهورية الإسلامية الإيرانية الدكتور علي أكبر ولايتي إلى لبنان في وقت تداولت بعض أجهزة الإعلام اللبنانية تحليلاً مفاده أن الوزير الإيراني جاء من أجل إقناع حزب الله بالتحول إلى حزب سياسي والتخلي عن دوره المقاوم، بسبب ما تشهده المنطقة ومعها العالم من تحولات جذرية.
حرص الدكتور ولايتي، كما هي حال كل وزراء الخارجية في إيران، على الاجتماع بقادة الأحزاب الوطنية والقومية والإسلامية وممثليها في سفارة الجمهورية الإيرانية في لبنان.
حضر معظم القادة وممثلو الأحزاب، وكان بينهم سماحة السيد حسن نصر الله، المنتخب حديثاً أميناً عاماً لحزب الله بعد استشهاد السيد عباس الموسوي في شباط/فبراير من العام ذاته، والوزيران آنذاك نبيه بري ووليد جنبلاط ورؤساء الأحزاب والتجمعات القومية والناصرية.
وبعد أن عرض الوزير ولايتي رؤية بلاده للمتغيرات الإقليمية والدولية، وعرض العديد من القادة وجهات نظرهم، طلبت الكلام لأقول: "لقد تناقلت وسائل الإعلام أنكم في صدد إقناع حزب الله بالتحول من حزب مقاوم إلى حزب سياسي، نظراً إلى التطورات التي يشهدها الإقليم والعالم، وسمعنا من يقول لكم إن المقاومة في لبنان هي من بقايا مرحلة انتهت، فلا حاجة لها بعد الآن، ورغم اعتقادي بعدم صحة هذا التحليل، لكن من واجبي أن أقول لكم كقومي عربي يمثل تجمعاً ليس بحجم ونفوذ بعض الأحزاب والقوى الحاضرة في هذا الاجتماع، إن المقاومة في لبنان، وفي مقدمها مقاومة حزب الله، ليست من بقايا مرحلة انتهت، بل هي طليعة من طلائع مرحلة قادمة سيكون لها تأثيرها الكبير في المنطقة والعالم، ولا سيّما في مستقبل الصراع الوجودي مع الكيان الصهيوني".
لمحتُ في عيني السيد نصر الله، الذي كنت ألتقيه للمرة الأولى، بعضاً من الارتياح وكثيراً من الاستغراب؛ أن يصدر هذا الكلام في هذا المقام بالذات عن عروبي لا تربطه أي علاقة خاصة أو صلة فكرية مميّزة بحزب الله.
طبعاً، حرص الوزير ولايتي على الانفراد بي بعد الجلسة مستفسراً عن مصدر معلوماتي، فأجبته أن هذا الكلام منشور في بعض الصحف ووسائل الإعلام اللبنانية، فضحك وقال: "هل تصدّق كل ما يكتب في الصحف ووسائل الإعلام؟".
طبعاً لم أصدق، وجاءت الأيام والسنوات الأربعون لتكذّب تلك التحليلات، كما تكذّب مثيلاتها اليوم.