من دفتر الذكريات.. محطات في العلاقة مع حزب الله 2 / 6
تركت تداعيات الحرب الاستعمارية على العراق عام 2003 وما تلاها من احتلال آثارها في المنطقة كلها، وفي العلاقات العربية – الإيرانية، ولما تزَل.
لا شكّ في أنَّ موقفنا الإيجابي كقوميين عرب في تجمّع اللجان والروابط الشعبية من الثورة الإسلامية في إيران عشية انتصارها أدى دوراً مهماً في بناء علاقات طيّبة مع عدد من أعضاء المجموعات الإسلامية التي أسست فيما بعد حزب الله.
وقد تعاونّا معاً في توزيع فتوى صادرة عن الإمام الخميني (رحمه الله) بعد الغزو الصهيوني لجنوب لبنان في أواسط آذار/مارس 1978، يدعو فيها إلى الجهاد المقدس ضد الاحتلال، حملها يومها من النجف سماحة السيد هاني فحص رحمه الله، الذي كان أحد جسور التواصل بين الإمام الخميني والرئيس الشهيد ياسر عرفات (رحمه الله).
وأذكر أنني كتبت يومها في نشرة "صوت الجماهير" التي تصدر عن تجمع اللجان والروابط الشعبية، في أحد أعدادها الصادرة في آب/أغسطس 1978، افتتاحية بعنوان "14 تموز الإيراني"، لاحظت فيها التشابه بين التظاهرات المتعاظمة في المدن الإيرانية خلال أربعينيات الشهداء الذين استهدفهم رصاص سلطة الشاه وتلك التي كانت تجري في العراق في العهد الملكي في أربعينية الشهداء الذين كانوا يرتقون برصاص السلطة العراقية آنذاك، بعدما انفجر الشارع العراقي غضباً على موقف حكومته المؤيد للعدوان الثلاثي على مصر في خريف 1956، وقلت يومها: كما انتهت تظاهرات العراق بإسقاط الحكم الملكي، فإنَّ تظاهرات إيران لن تنتهي إلا بإسقاط حكم الشاه، وهذا ما حصل بالفعل في شباط/فبراير 1971.
وفي لبنان، حرصنا قبيل انتصار الثورة على إقامة فعاليات متعددة انتصاراً للشعب الإيراني، وشكّلنا لجنة تضامن مع ثورة الشعب الإيراني تولّيتُ أمانة سرها، وكانت تضم كلاً من العلماء الراحلين السيد محمد حسن الأمين، والسيد هاني فحص، والشيخ عبد الحفيظ قاسم (رئيس اتحاد العلماء المسلمين)، وأحمد الخطيب (قائد جيش لبنان العربي)، إضافةً إلى الإخوة والرفاق بشارة مرهج، وزاهر الخطيب، وحبيب زغيب، وخليل بركات، وعلي يوسف، وعبد الحسن الأمين (أبو ميسون)، مع عدد من الإخوة الإيرانيين المقيمين في بيروت، وهم الشهيد محمد صالح الحسيني، والسيد جلال الدين فارسي، والسيد عيسى الطبطبائي.
طبعاً، كنا فرحين بانتصار تلك الثورة التي كان أول إنجازاتها إغلاق سفارة "إسرائيل"، وفتح سفارة فلسطين، وإعلان موقف محدد من الإمبريالية الأميركية، ووصفها بالشيطان الأكبر، وشعرنا بأن الله عزّ وجل عوّض العرب والمسلمين عن غياب مصر الرسمية عن الصراع مع العدو بعد معاهدة "كامب ديفيد" بحضور إيران.
ولا أنسى كلمة مؤسّس البعث ميشيل عفلق في خطابه في بغداد في العيد الثاني والثلاثين لتأسيس البعث (7 نيسان/أبريل 1979)، بأنَّ "ثورة الإمام الخميني في إيران هي ثورة القومية العربية"، إضافةً إلى موقف الرئيس الراحل حافظ الأسد الحكيم والسليم من تلك الثورة منذ بداياتها.
لم يكن الفارق الأيديولوجي يعني شيئاً لقادة التيار القومي في الأمّة، ناهيك باحتضان الرئيس جمال عبد الناصر للإمام الخميني بعد إبعاده عن إيران عام 1963.
اقرأ أيضاً: من دفتر الذكريات.. محطات في العلاقة بحزب الله 1 / 6
طبعاً، اختلف الأمر بعض الشيء مع الحرب العراقية الإيرانية وتداعياتها حتى اليوم، والتي كنا من معارضيها حين اندلعت، وكنا من معارضي استمرارها بعد سنوات على اندلاعها، وكنا نحذّر من تداعياتها على الأمّة كلها، وعلى الإقليم بأسره، وكنا نسعى بكل جهد ممكن من أجل وقفها ومن أجل عودة العلاقات الطبيعية بين إيران والعراق، وهو ما رأيناه بالفعل عشية الحرب الأميركية على العراق عام 2003، إذ كان وزير الخارجية الإيراني آنذاك كمال خرازي يزور بغداد مراراً، ووزير خارجية العراق آنذاك ناجي صيري يزور طهران أيضاً، وتم عقد اتفاقيات بين البلدين لم يُكتب لها النجاح مع نشوب الحرب الأميركية ضد العراق.
وأذكر كم كانت فرحتي كبيرة حين شاركت في ندوة نظّمها مركز دراسات الوحدة العربية برئاسة الراحل الدكتور خير الدين حسيب في طهران في كانون الثاني/يناير 2002 (حول العلاقات العربية – الإيرانية)، عندما علمت أن وزير خارجية العراق الصديق العزيز ناجي صبري كان يزور طهران أيضاً، ودعاني لتناول الغداء معه في سفارة العراق، وأبلغني بما تم الاتفاق عليه مع المسؤولين الإيرانيين.
وأذكر أنني قلت يومها للصديق الوزير: إن واشنطن تخشى هذا التقارب بين العراق وإيران، كما تخشى تقارباً مماثلاً كان يجري بين العراق وسوريا. وقد يؤدي ذلك إلى استعجالها في شنّ الحرب على العراق وسوريا وإيران أيضاً، وهذا ما تم بالفعل بعد عام ونيف، حين شنّت واشنطن حربها على العراق إيذاناً بمشروعها لـ"شرق أوسط جديد"، واشتدّ حصارها على إيران، وساهمت في إشعال الحرب على سوريا وفيها.
طبعاً، تركت تداعيات تلك الحرب الاستعمارية على العراق عام 2003 وما تلاها من احتلال آثارها في المنطقة كلّها، وفي العلاقات العربية – الإيرانية، ولما تزَل (رغم أنّ أغلب الأنظمة العربية كان مؤيداً لتلك الحرب الاستعارية، ومسارعاً إلى الاعتراف بنتائجها).
لكنْ، والشهادة للتاريخ، كان سماحة السيد حسن نصر الله يحذّر دائماً من مخاطر تلك الحرب، وقال بعد احتلال بغداد، في كلمة تاريخية في فندق كراون بلازا في بيروت يوم 18 نيسان/أبريل 2003، في دورة استثنائية "للمؤتمر العربي العام لمناهضة الاحتلال ودعم المقاومة العراقية": "لقد توقع الأميركيون أن يستقبلهم العراقيون بالورود والرياحين، فاستقبلوهم بالرصاص والقنابل".
بالطبع، العالم كلّه يذكر دعوة السيد نصر الله إلى طائف عراقي – عراقي يتوحَّد فيه العراقيون لمواجهة الاحتلال المرتقب، وذلك في 11/2/2003، أي قبل شهر ونيف من بدء الحرب على العراق، وهي دعوة أثارت غضب بعض المعارضين العراقيين الَّذين عبّروا عن غضبهم يومها عبر وسائل التواصل.
إنَّ صفحة موقف حزب الله من الحرب والاحتلال الأميركي للعراق غنية بالأحداث والمواقف التي أعرفها شخصياً، وربما تحتاج إلى مجلد كامل لإنصاف قيادة حزب الله وأمينها العام بشكل خاص، الذي كان، وما زال، على الموقف ذاته المناهض للمؤامرة الاستعمارية الصهيونية على العراق والمنطقة، كما للاحتلال الأميركي للعراق ولتداعياته المستمرة حتى اليوم.
ولا أنسى كلامه لوفد من المؤتمر القومي العربي حين قال: اليوم حربهم على أفغانستان والعراق، وغداً حربهم علينا في لبنان وسوريا وإيران...
إنها شهادة للتاريخ، وكل المعنيين يدركون الدور الذي أدّته كجسور بين الأطراف المعنية والمستهدفة من المشروع الصهيواستعماري، وهو ما اعتبره بعض الأصدقاء سبباً لوضع اسمي في لائحة المطلوبين من قبل سلطات الاحتلال الأميركي في 2 تموز/يوليو 2006، أي قبل 10 أيام من حرب تموز على لبنان.