فوضى المفاهيم الدالة على عمق الأزمة الاخلاقية لدولتي العدوان السعودي والإماراتي
لم تتحرر الشعوب المقهورة في العالم أجمع، والواقعة تحت نار الاحتلال الاستعماري الأوروبي الأجنبي البغيض، سوى بوسيلة واحدة هي المقاومة المشروعة، وباستخدامها جميع أدوات المقاومة من فِكر وثقافة وتربية وأخلاق وبندقية.
يُصادف القارئ الحبيب والمستمع الحصيف مفرداتٍ وكلماتٍ ومفاهيمَ أصبحت شائعة ومتداولة، وهي بطبيعة الحال لا تستحق كل ذلك التداول في سياق حواراتنا ونقاشاتنا وخطاباتنا وأحاديثنا الرسمية والعابرة، لكنها بحُكم سيطرة وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمشاهدة وانتشار شبكات التواصل الاجتماعي، أصبحت كل تلك المفردات كأن تردادها من بديهيات الحوارات وعناصرها.
فمصطلح الفوضى الخلاقة أو الفوضى العابثة، الفوضى العشوائية التي أصبحت مفردةً تدلُّ على أن ثمة سياسيين وسياسيات وصفوا الاصطلاح لتسويق فكرتهم أو مخططهم، كالسياسية الأميركية كوندليزا رايس، وزيرة خارجية أميركا USA السابقة، حينما أرادت أن تُبعثر عالمينا العربي والإسلامي في سياساتها الجهنمية، ونتج منها ما سُمي "الربيع العربي" الذي خدم السياسة الأوروبية الغربية والأطلسية والأميركية وربيبتها كيان العدو الصهيوني اليهودي.
ونتج من ربيعهم المشؤوم تدمير عدد من الدول العربية المصطفة في محور المقاومة ضد المشروع الصهيوني الأميركي/الأوروبي/اليهودي، وقتل وتشريد الملايين من شعوبنا العربية في كل من سوريا والعراق ومصر وليبيا واليمن. وهكذا تم توظيف مصطلح "الفوضى" في تدمير عالمنا العربي.
وأيضاً قد تردد كثيراً مصطلح (الإرهاب) في القاموس الغربي الأوروبي الأميركي، وتم إضافته وربطه بالإسلام تحت مسمى مصطلح "التطرف الإسلامي".
وعملت جميع استخبارات الدول الأوروبية الغربية وأجهزتها ومراكزها الإعلامية على حشد الرأي العام العالمي لتوظيف المصطلح لخدمة الدول الغربية التي تُسمي ذاتها "العالم الحُر" أو الليبرالي، وتتهم الإسلام والمسلمين وتلصق بهم تهمة "الإرهاب"، مع أننا نتذكر ما حدث في عهد الرئيس الأميركي السابق، جيمي كارتر، حينما تم توظيف أحزاب الإخوان المسلمين بدعم مالي سخي باذخ من المملكة السعودية وعدد من المشيخات الخليجية لدعم شبان الإخوان المسلمين لشحنهم من جميع الأقطار العربية والإسلامية، بمن فيهم الشبان من شطري الوطن اليمني آنذاك، ثم توجيههم إلى جمهورية أفغانستان لمحاربة الجيش الروسي (الاتحاد السوفياتي السابق) الداعم للسلطة اليسارية في جمهورية أفغانستان الديمقراطية، بقيادة بابراك كارمال رئيس الجمهورية، وزميله الرئيس محمد نجيب الله، الذي أعدمته حركة طالبان في إحدى ساحات العاصمة الأفغانية كابول حينما انتصرت.
وتم توظيف مصطلح "الإرهاب" عشرات الأعوام كي يتحول إلى شماعة ضد الإسلام والمسلمين، وتم تطوير الفكرة لتتحول إلى مصطلح "داعش"، وهي التعبير عن مسمى "الدولة الإسلامية" في العراق وسوريا وسائر العالم الإسلامي، وإن أخذت لها مسميات خاصة بكل بلد على حِده، بهدف ضرب الروابط الأخوية بين المسلمين من طائفتي السنة والشيعة الكريمتين. ونجحت الاستخبارات الغربية والأميركية في تجييش الشبان المسلمين لتدمير عدد من البلدان العربية، ومنها العراق، سوريا، لبنان، مصر، ليبيا، اليمن والصومال، وقبلها الجزائر. وللأسف، كان كل ذلك بتمويلٍ ماليٍ سخي من المملكة السعودية وإمارة قطر وعدد من دول الخليج العربي.
الغريب في الأمر أن الأنشطة الإرهابية لتنظيمات "القاعدة" و"داعش" وجبهة "النصرة" وبوكو حرام والسيّاف وغيرها من التنظيمات المسلحة الإرهابية لم تصل طلائعها الجهادية القتالية إلى أرض فلسطين المحتلة، كأن احتلال "إسرائيل" الصهيونية اليهودية لأرض فلسطين هو حلال زلال ومسموح به ولا يجوز الجهاد ضد الصهاينة في أرض المقدس الشريف. عجباً لسلوكهم الشاذ وارتباطهم بالاستخبارات الأميركية CIA، واستخبارات بريطانيا العجوز MI6، وغيرهما من أجهزة الاستخبارات الغربية الاستعمارية.
الدكتور آلان دونو عالم الاجتماع الكندي في كتابه المُعنون بــ"التفاهة"، أتحفنا وهو يسرد بصورة نقدية حادة النظام السياسي الرأسمالي الاحتكاري المسيطر على غربي أوروبا والأميركيتين، ويصفه بنظام التفاهة، باحتقار شديد، لكني هنا لا أودُّ الخوض في معترك محتواه مع اتفاقي أو اختلافي مع بعض ما جاء به السيد آلان دونو من افكار وآراء وازنة محترمة تجاه البحث الذي أنجزه تحت هذا العنوان، لكني أودُّ أن أماثل كمقارنة موضوعية بين نظام التفاهة كنظام سياسي وأخلاقي وسلوكي لبعض النُظم الخليجية - العربية – الإسلامية، ومقارنتها بمعايير أخلاقية وإنسانية يستطيع أي قارئ عابر أن يستوعبها وينتقدها لأنها أمثلة غير أخلاقية ولاإنسانية، وتتميز بأنها صارخة ومُزعجة للإنسان السويّ.
لنأخذ أمثلة حيّة على فكرة نظام التفاهة، أو لنقل قرارات تافهة تم اتخاذها من جانب ملوك وأمراء وشيوخ في بعض دول الخليج العربي ضد أمتهم العربية والإسلامية، والتي تتباهى وسائل إعلامها علناً بأنها اتخذت تلك المواقف بقناعة أنظمتها وحكامها وملوكها، وتعدّ تلك الإجراءات تافهة حقيرة في نظر الأمتين العربية والإسلامية من جاكرتا شرقاً حتى آخر مسلم يعيش على ضفاف المحيط الهادئ في غربي الأميركيتين:
أولاً:
أقدمت المملكة السعودية على تشكيل حِلف عسكري معادٍ لليمن وعاصمته صنعاء من 17 دولة عربية وإسلامية، ودكّت العاصمة صنعاء والمدن اليمنية الأخرى بعشرات الأطنان من القنابل والصواريخ والقنابل المُحرّمة دولياً طوال تسعة أعوام، وشكّلت ضده طوقاً وحصاراً، بحراً وجواً وبراً، وذهب ضحية هذا العدوان الآلاف من الشبان والأطفال والنساء والشيوخ، ودُكّت البُنية التحتية لليمن بالإضافة إلى كثير من الأعمال الإجرامية ضد شعبنا اليمني.
نحن اليوم نكتب مقالنا في أولى أيام العام الجديد، وشاهد العالم العربي والمسلم أن القنوات التلفزيونية السعودية تنقل حفلاً فنياً صاخباً جُمعت فيه مجموعة من الفنانات والمغنيات العربيات.
وفي تلك اللحظات الصعبة ترتقي في قطاع غزة أرواح الشهداء، ليصل عدد الشهداء من جراء قصف العدو الصهيوني إلى 65 شهيدة وشهيداً جلُّهم من الأطفال والنساء، والبعض ما زال يئنّ تحت ركام المباني المهدمة من جراء قصف الصواريخ والطائرات لبني صهيون اليهود.
أليس هذا الموقف يُعبر عن قمة التفاهة والانحطاط الأخلاقي والقيمي والإنساني والديني لحكام آل سعود تجاه أهلنا في فلسطين الحُرة، وتحديداً في قطاع غزة، وكأنهم فرحون يرقصون ويغنون في حفل مخزٍ لمجموعة من المغنيات السطحيات العربيات، وأرواح الشهداء في فلسطين تُزهق ليل نهار.
ثانياً:
في مشيخة الإمارات العربية المتحدة يتسابق الشيوخ إلى جعل رأس السنة الميلادية للعام الجديد 2024م عاماً مميزاً، فقاموا بإطلاق تلك المفرقعات النارية والتي تعادل قيمتها مليار دولار!!! وأهلنا في غزة تحت الركام وفي العراء وتحت خيام ممزقة بلا أدنى حماية من البرد القارس لشتاء غزة المميت ومن دون ماء ولا كهرباء ولا غذاء!!!
وهناك خبرية تقول إن التاجر الإماراتي محمد العبّار يتبرع بمبلغ 170 مليون دولار للفقراء الصهاينة في فلسطين المحتلة. تخيلوا ذلك المبلغ الفاحش يتم التبرع به للمحتلين الصهاينة اليهود، وأهلنا في فلسطين المحتلة، وتحديداً في قطاع غزة، يتضورون جوعاً ولا يجدون ما يسدّ رمقهم. ماذا عسانا نقول لهؤلاء التافهين من حكام الإمارات ورجال المال والأعمال فيها. أليست هذه التصرفات الرعناء هي قمة التفاهة والانحطاط، أخلاقياً ودينياً.
ثالثاً:
مملكة البحرين الخليجية (العربية) دخلت حِلفاً بحرياً عدوانياً في البحر الأحمر تقوده حكومة أميركا USA، ذلك الحِلف الموجه ضد الجمهورية اليمنية في صنعاء، بهدف حماية الكيان الصهيوني اليهودي. كيف يمكن أن نُقوّم ذلك الموقف؟!! أليس قرار ملكهم وحكومته بالمشاركة في ذلك الحلف البحري العدواني من أجل حماية عدو الله، وهو كيان "إسرائيل" الصهيونية اليهودية، يُعدُّ فجوراً وكفراً وانحطاطاً سياسياً، وأن قرارهم المُنحط يقع في خانة التفاهة والانحطاط الأخلاقي والديني والإنساني.
وإن بقاء علم الكيان الصهيوني يرفرف في سماء المنامة وغيرها من العواصم العربية هو قمة التفاهة والسقوط الأخلاقي والديني والإنساني.
رابعاً:
تحاول المملكة السعودية ومشيخة الإمارات أن تمُدّا جسراً صحراوياً بين ميناء جبل علي في الإمارات العربية المتحدة مروراً بالأراضي السعودية والأردنية وصولاً إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة. ذلك الجسر الأرضي يوفر لسُلطات الكيان الصهيوني احتياجاتها من الطاقة والتجهيزات التي لم يعد في مقدور ميناء أم الرشراش (ميناء إيلات) الصهيوني أن يلبي احتياجات العدو الصهيوني.
وفي الوقت واللحظة ذاتيهما تم إغلاق بوابة رفح ومنع دخول الأغذية والتجهيزات والأدوات الطبية والأدوية والمياه الصالحة للشرب. تم منعها عن أهلنا في غزة. بمَ ستخبرنا ضمائرهم عن ذلك السخاء المفرط في التعاون مع الصهيوني اليهودي ومنع أبسط مقومات الحياة عن أهلنا في قطاع غزة.
ماذا عسانا نكتب أو نقرأ أو نُحلل عن هذا السلوك الشاذ التافه للقادة الخليجيين، وهل سمعتم ذات يوم عن سلوك القادة المنحرف والتافه في أزمنة التاريخ الإنساني كله كهذا التصرف.
خامساً:
التقت سياسة حكومة المملكة السعودية وسياسة حكومة دولة قطر من أجل إسقاط النظام الوطني السوري العروبي في سوريا، ودفعتا مليارات الدولارات لتدمير الدولة السورية وإسقاط رئيسها بشار الأسد وقيادة حزب البعث الاشتراكي العربي.
يقول الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني، رئيس الوزراء ووزير خارجية قطر الأسبق، في حوار تلفزيوني قبل عدد من الأعوام، إن قطر استلمت ملف إسقاط النظام الوطني في الجمهورية العربية السورية ودفعت - أي الحكومة القطرية - مبلغاً تجاوز 136 مليار دولار من أجل مشروع إسقاط سوريا، لكن لصورة فجائية تدخلت المملكة السعودية من خلال الأمير بندر بن سلطان بن عبد العزيز، المدير العام للاستخبارات في المملكة يوم ذاك، والذي طلب استلام الملف، لكنه طلب لقاء ذلك العمل مبلغ ترليونَي دولار، وهو سيعمل على إنجاح إسقاط النظام السوري.
هل عاش العالم كله ليشاهد عملاً سياسياً استخبارياً تافهاً وحقيراً كهذا والموجَّه ضد دولة وشعب عربيين مسلمين محترمين لديهما نظام وطني عروبي مقاوم ضد المشروع الصهيوني، مثل هذه التفاهة والانحطاط والسقوط الأخلاقي لم نشاهد، ولم يشاهد العالم مثل هذه التجربة المُنحطة والتافهة.
سادساً:
يتذكر الرأي العام العربي والإسلامي أن وزير الإعلام اللبناني السابق جورج قرداحي أدلى بتصريح تضامني مع الشعب اليمني، وقال إن الحرب على اليمن هي حرب عبثية. وبمجرد أنه قال ذلك التصريح الصحافي الإعلامي شُنَّت عليه أبواق الخزي والعار لمعظم الدول الخليجية، وتحديداً أبواق إعلام السعودية والإمارات ومملكة البحرين. شنّت عليه أقذع الجُمل والعبارات، وأجبرته على الاستقالة من موقعه حتى قبل أن يتسلمه.
السؤال العريض هنا: هل كلمة "حرب عبثية" استطاعت أن تضيع العقل والبصيرة والدهاء لمتخذ القرار السياسي في دول مجلس التعاون العربي "الخلايجي" (الخليجي)، أم أن ذلك التصرف الأرعن هو التفاهة بذاتها؟
سابعاً:
منذ أن قامت طلائع المقاومة الفلسطينية من مجاهدي حماس والجهاد والشعبية وسائر الفصائل في الـ7 من أكتوبر 2023م بغزوة طوفان الأقصى المبارك، وبعدها دفع الشعب الفلسطيني ما يزيد على 23 ألف شهيدة وشهيد، يُشكِّل الأطفال والنساء 70% منهم، وأزيد من 58 ألف جريحة وجريح، وأزيد من عشرة آلاف مفقود، أي أنهم شهداء تحت أنقاض المباني والأبنية الخرسانية، وهذا بفعل العدوان الصهيوني اليهودي، والصهيوني الأميركي، والصهيوني الأوروبي.
كل ما حدث وما جرى لم يحرك الحكام العرب والمسلمين سوى إلى رفع بيان باهت صدر عن مؤتمر عُقِد في الرياض. ذلك البيان كان من الممكن أن يصدر عن جمعية خيرية تعاونية تهتم بحماية الأشجار النادرة، أو الحيوانات والطيور المُشارفة على الانقراض، أو بحماية نوع من التوابل والكحول التي شارفت على الانتهاء... أو، أو، أو.
أما أن يصدر بيان هزيل، بعد كل تلك الجرائم الوحشية من العدو الصهيوني اليهودي على أهلنا في غزة، فذلك يُعَدُّ أحد أشكال الضحك على الذقون، ويُعَدُّ ممارسة علنية للسياسة التفاهة.
الخلاصة:
لم تتحرر الشعوب المقهورة في العالم أجمع، والواقعة تحت نار الاحتلال الاستعماري الأوروبي الأجنبي البغيض، سوى بوسيلة واحدة هي المقاومة المشروعة، وباستخدامها جميع أدوات المقاومة من فِكر وثقافة وتربية وأخلاق وبندقية كلاشنكوف، مستخدمة كل أشكال أسلحة المقاومة في ذلك الصراع مع العدو المحتل، وستظل فلسطين العربية الحُرة تقاوم آخر معاقل الاستعمار الاستيطاني الأوروبي الصهيوني القذر، والذي وجب، شرعاً وأخلاقاً، مقاومته وقتاله حتى النصر النهائي عليه.