آرون بوشنل أثبت موقفاً إنسانياً من أمام سفارة الكيان في واشنطن
ماهي العِبر والدروس التي سيستقيها الأحرار حول العالم من حادثة إحراق الشاب الطيار الأميركي لجسده، والتي سيبقى أثرها درساً خالداً خلود الدهر؟
تناقلت جميع وسائل الإعلام الأميركية والأجنبية والعربية نبأ استثنائياً جدّاً مقبلاً من واشنطن عاصمة الولايات المتحدة الأميركية، مفاده أنه في يوم الاثنين الموافق 26ــ شباط/فبرايرـــــ 2024، أقدم الطيّار الأميركي، آرون بوشنل، على إحراق نفسه بمادة شديدة الاشتعال وضعها على جسده، مردّداً القول (الحرية لفلسطين، ولن أكون متواطئاً بعد الآن في الإبادة الجماعية).
بهذه الكلمات الواضحة المكثّفة نطق الطيار الأميركي الشاب، بوشنل، آخر عباراته في الحياة، وهي بلا شك عبارة ذهبية خالدة، وسيخلّدها التاريخ الإنساني برمّته، لأنها قيلت من طيار أميركي شاب امتنع من أن يكون ضمن فيالق القتل والإبادة الجماعية التي تمارسها حكومات الولايات المتحدة الأميركية بحقّ الشعب العربي الفلسطيني منذ 75 عاماً تقريباً.
كما أنها قيلت أمام سفارة الكيان الإسرائيلي الصهيوني العنصري في العاصمة واشنطن، وقيلت بعد حرب إبادةٍ تشُنّها حكومته الأميركية ضد المواطن الفلسطيني الأعزل من السلاح، ولدعم الكيان الإسرائيلي المحتل لفلسطين، كما أن هذه العبارة الذهبية قيلت بعد مُضيِّ 145 يوماً من العدوان الوحشي والإبادة الجماعية في حقّ الفلسطينيين في قطاع غزة، وبعد أن تجاوز عدد الشهداء والجرحى في قطاع غزة المئة ألف فلسطيني، معظمهم من الأطفال والنساء والشيوخ، وهناك عشرات الآلاف ما زالوا تحت الأنقاض.
كيف يفهم الرأي العام العالمي معنى تضامن الشاب الأميركي العنيف جداً؟
في تقديري الشخصي أن حجم المأساة والكارثة الإنسانية، وحجم الدمار لمدن وضواحي قطاع غزة، وارتفاع الخسائر البشرية من الأطفال والنساء، وهي بمثابة إبادة جماعية للفلسطينيين العُزَّل، والتي استطاع العالم والجمهور أن يشاهدوها على مدار الساعة، وبلغات العالم الحية والمهملة، وعبر النقل المباشر والحي للقنوات الفضائية الأميركية والعالمية، وعبر منصات التواصل الاجتماعي واسعة الانتشار، كل هذه الوسائط مارست دوراً تنويرياً إعلامياً واسعاً لجميع المشاهدين وهم من مختلف شرائح المجتمع الإنساني.
لقد شهد الرأي العام العالمي والأميركي حجم التناقض الهائل بين الأقوال المعسولة الصادرة من قادة بلدان دول حلف شمال الأطلسي، وتحديداً قادة الـ USA، حينما يعتلون منابر الخطابة وأمام عدسات الكاميرات، وهم يتحدثون بجملٍ معسولة ومُغرية حول حقوق الإنسان، وحقوق الأطفال وحرية الرأي والكلمة والموقف السياسي في مجتمعاتهم (الحُرّة)، ويتابعون بشرح نصوص قانون حقوق الإنسان الدولي والمحلي (ووو........ إلخ) مما يردّدونه أمام الكاميرات.
وفي الجهة المقابلة يشترك الأميركيون والأوروبيون والصهاينة الإسرائيليون في قتل أطفال ونساء فلسطين العُزَّل، ويقومون بمد جسرٍ جوي بطائراتهم لنقل المعدات الحربية والذخائر من جميع الأصناف، ونقل المرتزقة من الفرنسيين والأميركيين والبريطانيين والألمان ومن بقية الدول الأوروبية. كذلك يتابع الرأي العام العالمي تلك السفن الحربية والناقلة للمعدات العسكرية وهي تتجه صوب الموانئ الإسرائيلية الصهيونية، إضافة إلى الغواصات النووية.
ذلك التناقض الفج والوقح بين القول الساذج المكرّر للإعلام وبين فعلهم وقراراتهم التضامنية مع الكيان الصهيوني الإسرائيلي، يدفع شعوب المجتمعات الأوروبية والأميركية إلى الخروج للاحتجاج المتواصل والمتضامن مع الضحايا من أطفال ونساء وشيوخ فلسطين المحتلة، ومع إطالة العدو لطُغيانه وصلفه ووقاحته وعنجهيته ارتد ذلك سلباً في وعي ووجدان المواطنين المتضامنين مع المواطن الفلسطيني المشرّد بين مدن وضواحي قطاع غزة المنكوب.
وبالعودة إلى الموقف الإنساني العنيف للطيار، آرون بوشنل، فقد أعطى للعالم الإنساني وللشباب المسلم منهم تحديداً، أعطاهم جرعات صاخبة من دروس الكرامة والنخوة، ومن التبرّؤ من الجرائم التي ترتكبها حكومته ودولته ومؤسسات القرار في أميركا، وكأنه يريد أن يقول لهم: (بموقفي الشخصي لن أُغيّر الكون ولن أُثني الحكومة المُتصهينة في البيت الأبيض ولا في الكونغرس الأميركي، لكنني أنا الإنسان الأميركي الأبيض المسيحي، بوشنل، حدّدت موقفي الشخصي من قضية الإبادة الجماعية للفلسطينيين، وأنتم كبشرٍ وعربٍ ومسلمين يُباد أهلكم وإخوانكم في فلسطين بينما أنتم في سُباتٍ عميقٍ ولعبٍ ولهوٍ وضياع).
ومن الأكيد أنه أضاف قبل أن يلفظ أنفاسه الطاهرة الأخيرة ليقول بأن هناك شباباً عربياً مسلماً مقاوماً في فلسطين واليمن ولبنان وسوريا والعراق وإيران قد استشهدوا قبلي وسبقوني إلى محراب الحُرية الخالدة، دعماً لأرواح الشهداء والجرحى والمشرّدين والمكلومين في قطاع غزة، هكذا تتحدث أرواح ومواقف الأحرار في العالم أجمع.
ماهي العِبر والدروس التي سيستقيها الأحرار حول العالم من حادثة إحراق الشاب الطيار الأميركي لجسده، والتي سيبقى أثرها درساً خالداً خلود الدهر:
أولاً: أن الوعي الإنساني، والحس الأخلاقي والثقافة المكتسبة والشجاعة البشرية الطافحة التي يمتلكها الشاب الطيار هي من ألهمته ودفعته للإقدام على ذلك التصرّف التضامني الإنساني العنيف، لكي يلفت أنظار المجتمع الأميركي بأحراره وتراثه التاريخي المؤلم، كي لا تواصل الطبقة الأميركية المثقّفة تغوّلها وسذاجتها في دعم الكيان الصهيوني المجرم القاتل بحق أهلنا في فلسطين المحتلة وبالذات في قطاع غزة.
ثانياً: يبعث الشاب برسالة قوية إلى المجتمعات الغربية وتحديداً الأوروبية بأن موته أو انتحاره، أو [استشهاده] عبارة عن ناقوس خطر يجب أن يرنَّ في آذان النُخب السياسية والعسكرية والأمنية، ويُنذرها بأن الانقياد الأعمى لقرارات الحركة الصهيونية بدعم الكيان الصهيوني الغاصب سيقود العالم إلى التهلكة المميتة، وإلى أتون الحرب العالمية الثالثة والتي ستنتهي معها الدولة الإمبراطورية الأميركية والدول الأوروبية، وقد تنشأ دول جديدة تتناقض مصالحها مع مصالح أوروبا وأميركا.
ثالثاً:يبعث الشاب الطيار الأميركي الأبيض برسالة ساخنة إلى الشباب العربي المسلم بأن قيمة الحياة هي في كرامتها وعزتها وشموخها، وأن اللهو والانشغال بالألعاب الإلكترونية والمسخرة لضياع الوقت الثمين يجب أن تتجه لنصرة المستضعفين الذين يواجهون صلف ووحشية آلة (الأقوياء) الصهيونية الأميركية الأوروبية والتي مصيرها إلى الزوال لا محالة.
رابعاً: تخيّلوا معي للحظة واحدة، كم أحدث هذا الشاب الطيار بتصرّفه الشخصي هذا من تأثيرٍ هائلٍ وعميقٍ على الرأي العام العالمي والأميركي والإسلامي والعربي، إنه تصرّف في وقعه وتأثيره يساوي آلاف المواقف من الشباب العربي المسلم، ويساوي آلاف اللقاءات الرسمية للحكّام العرب والمسلمين والفلسطينيين من سُلطتها الفلسطينية المتكاسلة، موقف شاب واحد يساوي مواقف جميع الحكام العرب والمسلمين في النظام الرسمي العربي الذي تنازل وباع علناً وتحت الطاولة القضية الفلسطينية برُمّتها.
خامساً: ما فائدة الأعداد المليونية من الشباب العرب والمسلمين في الدول المُطبّعة مع الكيان الصهيوني، وما هو دورهم وموقفهم من حكوماتهم المطبّعة والخانعة للنظام الأميركي الأوروبي، وعليهم قياس ما أنجزوه طيلة زمن الحصار والعدوان الصهيوني على قطاع غزة، ما قيمة تلك الملايين والكتل اللحمية الموزونة بالأطنان أمام مواقف الشباب العربي والمسلم في جبهة المقاومة الذين جابهوا وقاتلوا العدو الصهيوني والأميركي وجهاً لوجه؟
سادساً: تحية خاصة للمجاهدين المقاومين الأبطال من المقاومة الفلسطينية واللبنانية والعراقية الذين جرّعوا "جيش" الاحتلال الصهيوني والأميركي كأس المرارة والهزائم طيلة ما يزيد من 145 يوماً من أيام الشرف والعزة لمعركة طوفان الأقصى المبارك، وتحية للقائدين المقاومين سماحة السيد حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله اللبناني، وللقائد الفذ إسماعيل هنية أبو العبد رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الفلسطينية [حماس] ، وحركة الجهاد الإسلامي بقيادة المجاهد زياد النخالة، وبقية قيادات الفصائل الفلسطينية المقاومة البطلة.
سابعاً: تحية لطلائع الجيش اليمني العظيم بقيادة الحبيب السيد عبد الملك بن بدر الدين الحوثي قائد الثورة اليمنية حفظه الله ورعاه، الذي أغلق باب المندب وإلى الأبد في وجه سفن وبوارج العدو الصهيوني الأميركي البريطاني، وقذف بالمفتاح في غياهب بحر حِمْيَر (البحر الأحمر) وحتى يتوقّف العدوان الوحشي الصهيوني على أهلنا في قطاع غزة.
الخلاصة:
استطاع المجاهدون المقاومون الفلسطينيون الأحرار إيقاظ الروح الثورية المقاومة في عالمنا العربي والإسلامي وحول العالم من خلال بطولاتهم منقطعة النظير، وهم يقاتلون "جيش" الكيان الصهيوني طيلة ما يزيد عن 144 يوماً، وهي فترة الحرب الوحشية التي قام بها "جيش" الكيان الصهيوني المحتل لأرض فلسطين كل فلسطين، ومن خلال صمود الأحرار الفدائيين الفلسطينيين الذين أيقظوا روح الحرية في ضمير ووجدان العالم أجمع، بما فيها روح الشاب الطيار الأميركي الأبيض "المستر" آرون بوشنل.