من دفتر الذكريات.. محطات في العلاقة بحزب الله 1 / 6
بدت ثمار المقاومة واضحة منذ البدايات، بحيث اضطُرت قوات الاحتلال إلى الاندحار عن بيروت بعد احتلالها عام 1982، تحت ضربات المقاومة الوطنية.
أثار الحوار الممتع والمفيد، والذي أجراه قبل أعوام الإعلامي الكبير، الصديق الأستاذ غسان بن جدو، مع الأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصر الله، تحت عنوان: "أربعون وبعد"، جملةً من الذكريات في محطات علاقتنا، كتيار قومي عربي، بحزب الله، كحركة مقاومة إسلامية أدّت، ولا تزال، دوراً كبيراً في حياة كل من لبنان والأمّة، منذ أن توقّعنا أمام عدد من الأصدقاء، في لبنان وسوريا وفلسطين وعدد من أقطار الأمّة، في أوائل ثمانينيات القرن الماضي، أن هذا الحزب، الذي لم يكن أُعلن تأسيسه بعدُ، وكان لا يزال تجمعاً لعدد من المجموعات الإسلامية المتأثرة بالثورة الإسلامية في إيران، سيؤدّي دوراً كبيراً في حياة كل من لبنان والمنطقة والعالم.
كانت تقديراتنا يومها نابعةً من أمرين، أولهما معرفتنا ببعض المجاهدين المشاركين في تأسيس هذا الحزب المقاوم، من أيام حرب عام 1982؛ أي في أيام حصار بيروت، بحيث كنا نلتقي معهم أنا ورفاقي بشارة مرهج وخليل بركات والراحل الدكتور حبيب زغيب، في منزل الأخير في الزيدانية في بيروت، ونفكّر في سبل العمل من أجل مقاومة الاحتلال، الذي كان احتلّ جزءاً كبيراً من الأراضي اللبنانية في الجنوب والبقاع الغربي والشوف وعاليه، وصولاً إلى القصر الجمهوري في بعبدا، وعمل على حصار بيروت، الذي استمر 90 يوماً.
وكنت ألمس لدى أولئك المجاهدين، وبينهم الحاج عبد الهادي حمادي ووفيق صفا، بالإضافة إلى الحاج أنيس سويدان وحسن شقرا، وكانا من القادة البارزين في حركة "أمل"، بالإضافة إلى تعامل رفاقنا في ميدان المعركة مع قادة تلك المجموعات، كلجان العمل الإسلامي واتحاد الطلبة المسلمين، كالدكتور حسين الحاج حسن (النائب الحالي والوزير السابق)، والذي كانت تربطنا بوالده، الضابط في "جيش لبنان العربي"، المرحوم علي الحاج حسن، علاقة أُخوّة وود، والشيخ حسان عبد الله، الذي كان طالباً في جامعة بيروت العربية، وبات اليوم الأمين العام لتجمع العلماء المسلمين.
الأمر الثاني الذي كان وراء تقديرنا دوراً كبيراً سيؤدّيه هذا الحزب في حياة كل من لبنان والأمّة، كان نابعاً من معلومات كنا نتلقّاها من رفاقنا في بعلبك، وعلى رأسهم رئيس بلديتها الأسبق الراحل السيد حسين عثمان، وشقيقه السيد نصري، والدكتور الراحل حبيب زغيب، وعدد من إخوانهم المؤسِّسين في تجمع اللجان والروابط الشعبية في بعلبك ومنطقتها، بالإضافة إلى ما كان ينقله إلينا من الضاحية الجنوبية أخونا المجاهد الراحل حسين حمود (حيدر العاملي) والمناضلان الراحل حسن زغيب وعبد الوهاب شريف، بشأن حجم التعبئة الشعبية لهذه المجموعات المقاومة في أحياء الضاحية الجنوبية وفي الجنوب، وبشأن أعداد الشبّان الذين ينتظرون فتاوى المراجع الدينية، وعلى رأسها سماحة المرجع الإمام الراحل السيد محمد حسين فضل الله، لتنفيذ عمليات استشهادية.
كنا ندرك يومها أن لهذه المجموعات مستقبلاً واعداً في لبنان، نتيجة إدراكنا حجم إيمانها بالقضية التي تجاهد في سبيلها، وإدراكنا حجم احتضان البيئة الشعبية لمقاومتها، التي كانت تعني لكثير من اللبنانيين الطريق الأسرع والأفعل والأفضل لتحرير الأرض من الاحتلال، وخصوصاً أن ثمار المقاومة بدت واضحة منذ اضطرار قوات الاحتلال إلى الاندحار عن العاصمة بعد احتلالها في أواسط أيلول/سبتمبر 1982، تحت ضربات المقاومة الوطنية.
ولا أنسى أصوات جنود الاحتلال تنادي، عبر مكبّرات الصوت، "يا أهالي بيروت لا تُطلقوا النار علينا، إننا منسحبون". وكان المقصودُ بأهالي بيروت "البيارتةَ"، المعروفين بوطنيتهم وبسالتهم وعروبتهم. كما كان المقصود أيضاً المقيمين بالعاصمة، من أبناء المناطق اللبنانية كافةً، كما من أعضاء معظم الأحزاب والقوى والتجمعات الوطنية والقومية والإسلامية والشعبية.
نعم، شهدت العاصمة يومها أول الانتصارات، وكانت مقاومة أبنائها، بدءاً من الطريق الجديدة، إلى المصيطبة، إلى كورنيش المزرعة، إلى عين المريسة، إلى زقاق البلاط، إلى رأس بيروت، إلى البسطة ورأس النبع، هي الحافز على توسُّع المقاومة لتشمل كل لبنان على يد مقاومة، كان حزب الله عمودها الفقري.
وهكذا، كانت بداية العلاقة تقديراً لمقاومة تقوم بيننا واعتزازاً بها، وعهدنا أن نقف إلى جانب كل من يقاوم محتلي أرضنا، صهاينةً كانوا، أو مستعمرين أطلسيين.