ماذا نسمي موقف الحكام والنخب الثقافية العربية في أثناء معركة طوفان الأقصى؟

ألم يشاهد الأشقاء العرب أشقاءهم من الشعب اليمني، والذين يخرجون بالملايين في كل يوم جمعة متضامنين، طوال عام وثلاثة أشهر، بالوفاء والتمام؟ ألم يخجلوا ويطأطئوا الرؤوس؟

  • كيف سيكتب التاريخ تلك المواقف المخزية للشعوب ونخبها المثقفة؟
    كيف سيكتب التاريخ تلك المواقف المخزية للشعوب ونخبها المثقفة؟

منذ صبيحة يوم الـ 7 من أكتوبر 2023، والذي سماه المقاومون الفلسطينيون الأحرار بدء معركة طوفان الأقصى العظيم، وأهل الرأي العام العربي والإسلامي والأجنبي في حيرة وتخبط من أمرهم، يقول قائل منهم ماذا يفعلون أمام ذلك الزلزال الجارف للجوانب الأخلاقية والإنسانية والدينية والعروبية؛ أمام ذلك الطوفان الهادر والبركان المجلجل؟

لأن طوفان الأقصى حدث مثل زلزال مدوٍّ عصف بجميع تلك المسلمات التي تم ترويجها إعلامياً وشعبياً وسلوكياً لعدد من العقود التي خلت، وبمصطلحات ومفردات تم تكرارها على مسمع العوام والنخب من شعوبنا، على حدّ سواء، مضافاً إليها شعوب العالم الأجنبي من حول العالم. فعلى سبيل المثال، يتم ترداد مقولات ومفردات عبر عدد من وسائل الإعلام العربية والأجنبية بشأن الواقع الذي نشأ منذ مطلع السبعينيات، وتحديداً بعد حرب أكتوبر العربية والإسرائيلية، ومجيء مرحلة التطبيع، الذي بشّر به محمد أنور السادات، وتوقيع اتفاقية كامب دايفد سيئة الصيت والسمعة، وبعدها تسلسلت المفردات الإعلامية على النحو الآتي: 

 "الكيان الإسرائيلي اليهودي هو واحة للرخاء والأمان والحضارة والديمقراطية وحقوق الإنسان ووريث وحيد للقيم والمبادئ الخيرة للإنسانية المعاصرة جمعاء في الشرق الأوسط"، وإن تطبيع العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية والاجتماعية بين الكيان الإسرائيلي الصهيوني اليهودي والمحيط العربي، بأنظمته القائمة، أصبحت ضرورة حقيقية، وموضوعية مُلحة، وإن ترك السلاح المقاوم جانبا أضحى ضرورة إنسانية اخلاقية للفلسطينيين بالذات، كي يعيش الفلسطيني واليهودي تحت راية السلام والتآخي والرخاء، وخصوصاً بعد أن تم تعميم بنود اتفاقية "أوسلو للسلام"، سيئة الصيت، والموقعة بين حركة التحرير الفلسطينية، "فتح"، كونها أول وأكبر حركة تحرير فلسطينية، والتي سقطت سقوطاً مدوّياً في شراك التطبيع والتنسيق الأمني مع العدو إلى حد الخيانة لأرواح الشهداء الفلسطينيين والعرب الذين استشهدوا منذ قرابة أكثر من 100 عام، والتضحية بملايين اللاجئين الفلسطينيين، والبيع بالمجان لكل نضالات الشعوب العربية المقاومة للمشروع الصهيوني اليهودي الغربي في أرض فلسطين.

لو نتذكر فقط كم هم القادة الشرفاء الشهداء من العرب والمسلمين الذين استشهدوا من أجل أن تبقى مدينة القدس طاهرة غير مدنسة، وكي يبقى تراب أرض فلسطين، كل فلسطين، حراً وطاهراً وشريفاً وغير مدنس من الاحتلال الأجنبي، وإذا ما توغلنا في ذلك التاريخ المعادي للقدس الشريف، فإن بدء الحملات الصليبية التي انطلقت من فرنسا وبريطانيا وألمانيا وإيطاليا كانت كلها من أجل تدنيس أرض القدس الشريف، أولى القبلتين، وثالث الحرمين الشريفين، ومسرى رسول الله محمد، صلى الله عليه وسلم، إلى السماوات العلى. هكذا تعلمنا من سيرة الإسلام الحنيف والرسالة المحمدية الشريفة.

إن المشاهد المتابع لوسائل الإعلام، وما تنقله من جرائم التطهير العرقي في قطاع غزة، ويشاهد في المقابل حجم التغافل الشعبي والرسمي  وعدم المبالاة بتلك المشاهد المخيفة  والمستفزة للمشاعر والروح العربية والإنسانية، مشاهد رؤية التفحم والتقطيع لأجساد أطفال فلسطين الأبرياء  ونسائها الطاهرات العفيفات المحتشمات، ومشهد التجويع المؤلم لتدافع الأطفال والشيوخ لأخذ قسط محدود من طبيخ الفاصولياء والعدس وشيء يسير من طبخة البقوليات، ورؤية التدمير المبرمج للأفران الخاصة بخَبز رغيف الخُبز، والمستوصفات والمدارس والمستشفيات ودور العبادة، أمام هذا المشهد التدميري الوحشي يراقب المرء منا أن المواطن العربي في الخليج العربي المتخم بمظاهر الاستهلاك الباذخ، ويرى سائر شعوب الوطن العربي، من المحيط الهادر إلى الخليج الجائر، يمارسون حياتهم الطبيعية، كأن شيئاً لا يحدث في فلسطين، سوى الاحتجاجات وبعض مظاهر الغضب في عدد من البلدان العربية، منها اليمن السعيد، والأردن، ولبنان، والعراق، وتونس، والمغرب وموريتانا، ومن الشعب الإيراني المسلم !!!

كيف نسمي هذه الظاهرة العربية الإسلامية الغريبة؟   

كيف سيكتب التاريخ تلك المواقف المخزية للشعوب ونخبها المثقفة؟

بعث إلي صديق من الأهل الكرام مقطعاً حوارياً رفيع المستوى والمضمون، لا يتجاوز ثلاث دقائق فحسب للدكتورة سوسن كريمي، وهي أستاذة في جامعة البحرين، والتي أجرت حواراً في برنامج البودكاتست من المنامة، ولخصت البروفسورة في تلك الدقائق الثمينة ما يفوق ويوازي آلاف آلاف الساعات من الأحاديث التافهة والهابطة التي تسوقها مجموعة من  القنوات التلفزيونية العربية والخليجية على وجه الدقة، وكذلك القنوات الأجنبية والعديد من النوافذ الإعلامية، التي للأسف يتابعها الملايين من العرب والمسلمين، والتي تشغلهم عن متابعة ما يحدث من أحداث رهيبة ومفزعة لأهلنا الفلسطينيين في قطاع غزة، من دمار وخراب وتجويع وإهانة للروح والنفس البشرية والإنسانية، وما نشاهده من تصفيات جسدية وعرقية وصلت إلى استشهاد أكثر من 46500 وجرح أكثر 110000، جلهم من الأطفال والنساء. كل تلك المشاهد المرعبة والمفزعة لا يشاهدها العرب الخليجيون في الخليج العربي للأسف، بدلاً من متابعة تلك الأخبار  المستفزة الجارحة للضمير الإنساني، ولأخلاق العروبة والإسلام والإنسانية جمعاء.

لقد خصص حكام المشائخ وملوك الخليج العربي وأمراؤه والحكام من العربان في وطننا العربي، برامج غنائية وراقصة وصاخبة بالطرب واللهو والمجون، بالإضافة إلى البرامج الرياضية المسلية التي تلهي الشعوب والعوام. هؤلاء الحكام هم المجرمون الحقيقيون الذين تسببوا بالتغييب والتزييف لوعي تلك الأمم والأقوام من شعوبنا العربية التائهة.

منذ 7 أكتوبر 2023 تدمر آلة الدمار الصهيوني اليهودي والأميركي والأوروبي الوحشي وتحصد أرواح الفلسطينيين العُزل، ونتاج تلك الوحشية خرجت معظم الشعوب في أميركا الشمالية وأوروبا وأميركا اللاتينية وأفريقيا وآسيا، خرجوا جميعاً يتظاهرون، طلاباً وطالبات وشيوخاً ومسنين وشبّاناً وشابات، مع أطفالهم، وحتى مع حيواناتهم الأليفة، أي مع كلابهم وقططهم، خرجوا محتجين غاضبين على جرائم الكيان الصهيوني الإسرائيلي، و مع ذلك لم تخرج مسيرة واحدة في المملكة السعودية ومشيخة الإمارات وإمارة الكويت وإمارة قطر ولا في سائر الأقطار العربية. ألا توجد حمية وضمير وأخلاق وكرامة وعزة وشرف ونخوة لدى هؤلاء القطعان من العرب، ألا يوجد قدر بسيط من التضامن الأخوي الإسلامي العروبي من هؤلاء العربان المهمَّشين أخلاقياً مع أشقائهم في فلسطين؟

ألم يشاهد الأشقاء العرب أشقاءهم من الشعب اليمني الذي يخرج بالملايين في كل يوم جمعة متضامناً، طوال عام وثلاثة أشهر، بالوفاء والتمام، ألم يخجلوا ويطأطئوا الرؤوس؟ بسبب مشاهد الكتل البشرية الملتهبة الصاخبة لأحرار اليمن العظيم وهم يتزاحمون ويتسابقون بالملايين للتضامن والمؤازرة مع أشقائهم الفلسطينيين واللبنانيين.

لذلك، أنصح بمتابعة الحوار الصافي والمفيد جداً للبروفسورة سوسن كريمي، التي قالت في مقتضب حديثها الجميل ما يلي: "وإذا أنت إنسان مؤمن إن فيه رب عادل، ضريبتك قوية راح تكون، لأن انته ملزم عقائدياً هنا،بالدفاع عن المظلوم، أقل شي باللسان، راح تدفع ضريبة قوية جداً، قوية جداً، أهل غزة إحنا مسؤولين،صدق مسؤولين،اللي قاعد يصير إحنا مسؤولين، الله يكون في عوننا إحنا، لأنهم في ساحة الشرف، في ساحة العزة، إحنا في ساحة الذل، يعني أنا أتمنى أكون هناك، وأجد أرحم حسابي عند الله، هنا هنا إحنا المحاسبين، إحنا هنا في ساحه الشهوات، إحنا هنا نساعد أهلنا في غزة بالامتناع عن شهواتنا، تخيل لأي درجة ساحتنا رذيلة صراحة. تحارب أنك إنت تمسك أمام شهواتك، تقاطع بس تقاطع، يعني إحنا هذا ذي يخب علينا ترى، ذيلك أهل عزة أهل شرف ساحة بالدماء والرؤوس بالأطفال بشباب في عمر الزهور يدفعون،إحنا بكروشنا، والله أنا إتفشل أقول هذا الشي، لازم نبوس أقدام المقاومة في غزة، والله أنا أقولها من حشاشة قلبي،لازم نبوس أقدامهم أنه رجعوا لنا شوي منظومه القيم، خلونا نفكر شنو المهم في الحياة، ترى هالشباب مو قاعدين بس يضحون بدمائهم، قاعدين يخلقون يسترجعون لنا الوعي المحمدي، شنو المهم في الوجود، صدق هالدماء الزكية اللي قاعدة تسفك في أرض  فلسطين "قاعدة تحرر الإنسانية" بالذات إحنا الخليجيين".

صدقاً، إن من يستمع إلى مثل ذلك الحديث المسؤول، وهو في كامل قواه الذهنية والعقلية، سيستفيق من سباته العميق ومن غيبوبته الكبرى ومن عبثه بكل شيء، لعلها توقظ الوعي والعقول والضمائر لهؤلاء المجاميع التائهة من الشبان الخليجيين والعرب والمسلمين على وجه الخصوص، وإعادتهم إلى رشدهم ووعيهم، وإلى طريق الحق الصائب الذي به يصنعون مستقبلهم الحقيقي، بعيداً عن كل تلك المؤامرات الصهيونية الغربية التي تحاك ضدهم وضد مستقبلهم، وهم لا يدركون.

إنني أنصح، بشكل مخلص، بأن يتابع الحكام العرب وحاشياتهم وحواشيهم ومخبروهم الكلمات والأحاديث والمحاضرات لقائد الثورة اليمنية، الحبيب عبد الملك بدر الدين الحوثي، والذي يقدمه إلى الجماهير العربية والإسلامية وإلى الأجانب، في كل يوم خميس من كل أسبوع ، ويتعلموا منه المعاني والدروس والقيم والفقه السياسي العصري، لعلهم يفقهون ويستفيدون.

في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 أعلنت كتائب القسام معركة "طوفان الأقصى"، فاقتحمت المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، وأسرت جنوداً ومستوطنين إسرائيليين. قامت "إسرائيل" بعدها بحملة انتقام وحشية ضد القطاع، في عدوانٍ قتل وأصاب عشرات الآلاف من الفلسطينيين.