قتل الفلسطينيّين المدنيّين جريمة حرب، فكيف بقتل الأطفال الأبرياء منهم؟
كلّ ذلك القتل المجاني البشع الذي ارتكبه العدو الصهيوني الإسرائيلي حدث بموافقة مباشرة من قِبَل حُكّام واشنطن ولندن وباريس وبرلين وغيرها من عواصم دول حلف شمال الأطلسي.
بلغ عدد الشهداء الفلسطينيين في غزة وحدها أكثر من 9000 شهيد وشهيدة، وأكثر من 21000 جريح وجريحة، وصل عدد الأطفال منهم قرابة 40% وعدد منهم لم يتجاوز عمره العام الأول تقريباً، وهذه البيانات هي حصيلة المجازر حتى يوم الثلاثاء بتاريخ 31 تشرين الأول/أكتوبر2023، وهذه الأعداد المهولة من الضحايا جاءت بسبب جرائم العدو الإسرائيلي الصهيوني التي حدثت ووقعت بتفويض مباشر ووقح من قِبَل حكّام واشنطن ولندن وباريس وبرلين ومن عدد من عواصم دول الغرب في حلف شمال الأطلسي العسكري العدواني.
قال أحد المتحدّثين باسم منظّمة اليونيسف الدولية، إنّ غزّة أصبحت مقبرة للأطفال، وهذا بسبب القتل المتعمّد من قِبَل آلة الجيش الإسرائيلي التي تقتل يومياً الأطفال مع أسرهم بالعشرات أمام مرأى ومشهد من العالم كله.
كُلّ تلك الجرائم الخطيرة في حقّ الإنسانية ارتُكِبت خلال ثلاثة أسابيع فحسب، تمّت إبادة الفلسطينيين بدمٍ بارد وبتفويض علني من قِبَل رؤساء ووزراء دول الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وفرنسا وألمانيا، أي أن هؤلاء القتلة لأطفال فلسطين هم شركاء مباشرون للعدو الإسرائيلي الصهيوني في هذا القتل البشع والمُروِّع للأبرياء من السكان المدنيين الفلسطينيين.
هذه الحرب العدوانية المتوحّشة التي شنّتها آلة الحرب الإسرائيلية، ورصدتها كاميرات القنوات الفضائية، جميعها نقلت وما زالت تنقل بالصوت والصورة كل تلك المآسي الإنسانية التي تعرَّض لها المواطن الفلسطيني الأعزل من أي سلاح، قُصِفَت منازل الفلسطينيين وهم بداخلها، وغادروا منازلهم باتجاه المستشفيات والمراكز الصحية ومدارس الأونروا التابعة للأمم المتحدة، وقاعات الأفراح وخلافه، إلّا أن آلة القتل الإسرائيلية طاردتهم إلى حيث يُؤوون ودُمِّرت المستشفيات فوق رؤوس مرضاها وأطبائها وطالبي الأمان فيها مثل مستشفى (المعمدان) الذي استشهد فيه أكثر من 500 إنسان في لحظةٍ واحدة، ومباني (مخيم جباليا) التي استشهد وجرح فيها أكثر من 400 إنسان.
وكلّ ذلك القتل المجاني البشع الذي ارتكبه العدو الصهيوني الإسرائيلي حدث بموافقة مباشرة من قِبَل حُكّام واشنطن ولندن وباريس وبرلين وغيرها من عواصم دول حلف شمال الأطلسي.
ما أشبه الليلة بالأمس ونحن نشاهد آثار الدمار والقتل وأشلاء الأطفال والنساء والشيوخ التي يتعرّض لها الأبرياء من الفلسطينيين في قطاع غزة، ما يشاهده العالم اليوم وعبر القنوات الفضائية العالمية من فظائع "الهولوكوست"، إن ذبح آلاف الأطفال الفلسطينيين هو الهولوكوست بعينه، وهي جريمة العصر مع فارق معلن وهو أن هناك شركاء لقتل وذبح الأطفال الفلسطينيين من قِبَل جيش وحُكّام "دولة" العدو الإسرائيلي وشركائهم الحكّام في أميركا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا، هؤلاء الشركاء لا يقلّون إجراماً عن المجرم القاتل الصهيوني المباشر، أما في "هولوكوست اليهود"، فإن الضحايا في ألمانيا النازية كان النازيون وحدهم المسؤولين عن كل تلك الجرائم.
كُنت ذات يوم من أيام دراستنا للغة الألمانية في شرق ألمانيا في النصف الثاني من ثمانينيات القرن العشرين، وفي زيارة طلابية استطلاعية لمجموعتنا الدراسية، ذهبنا إلى معسكر اعتقال كبير "بوخن فالد"، وهو عبارة عن معسكر اعتقال واسع صمّمه النازيون الألمان لكي يمارسوا فيه أبشع جرائم القتل ضدّ اليهود وبقية الأقوام الذين يتعارضون مع فِكر وسياسة ورؤية النازيين للحياة في ألمانيا.
مع العلم أنه قد تضاعف عدد المخيمات أربع مرات بين سنة 1939 و1942 ليصل إلى 300 معسكر اعتقال أو يزيد، حيث كان يُسجن في تلك المعتقلات العمال العبيد، ومن الجنسية السلافية، من (الروس، والتشيك، والبلغار، والبولنديين…إلخ) ومن مختلف أنحاء أوروبا، وكذلك اليهود والسجناء السياسيون والمجرمون وفئة المثليين جنسياً، ومن طبقة الغجر المنتشرين في أوروبا.
وكانت هذه المعتقلات لإيواء المطلوبين وفيها يتمّ الإعدام من دون أي إجراء قانوني، بل إن ذلك السجن يتمّ حشر المطلوبين فيه بطريقة تعسفية، ومن بين معسكرات الاعتقال معسكر "بوخن فالد" ذائع الصيت، وهو واحد من أكبر محتشدات الاعتقال التي أنشأها النازيون وهو متصل بمخيمات كثيرة. بني المخيم عام 1937 في منطقة الغابات على السفوح الشمالية لـ "إترزبرغ"، ويقع على بعد نحو خمسة أميال شمال غرب مدينة فايمار الجميلة في ألمانيا الشرقية.
بطبيعة الحال هناك جرائم ارتكبها النازيون الألمان ضدّ العديد من الفئات والأقوام والطبقات، لكن اليهود هم وحدهم من يتم تكرار وترديد مأساتهم دون سواهم، وهذا أمر معروف ومفهوم عنهم لدى طبقة المثقّفين الأوروبيين، بأن اليهودي وحده يحاول أن يحتكر المأساة والفواجع لذاته، وهذا ديدن وفلسفة مفكّريهم ومنظّريهم المعتقين، وإلّا كيف يمكن أن نفسّر ذلك الحدث التاريخي بشأن ضحايا الحرب العالمية الثانية الذي تشير بياناته بموت وضياع قرابة 60 مليون إنسان أوروبي وهم من معظم الجنسيات الأوروبية التي اشتركت في الحرب العالمية الثانية، لكن لا يذكر للمستمع والقارئ العادي سوى 6 مليون يهوديّ تمّ إحراقهم في هولوكوست النازيين الألمان، ويتمّ تجاهل البقية الباقية من ملايين الأوروبيين، هكذا يتم احتكار الفاجعة من قِبَل اليهود وحدهم.
وقد أشار المفكّر العربي فاضل الربيعي بأنها (صنيعة) وصنعة خاصة باليهود على مدار التاريخ، احتكار المأساة والفاجعة لليهود بمفردهم، ولذلك قد سجّلوا فيما كان يُعرف بالسبي البابلي بقيادة القائد نبوخذ نصّر، بأن اليهود والإسرائيليين وحدهم قد تمّ سبيهم ونقل أطفالهم من اليمن (من سبأ وحِمْيَر) إلى أرض بابل العراق دون سواهم من القبائل اليمنية، لأنّ منظّريهم تاريخياً قد احتكروا توثيق الفاجعة دون سواهم من الأقوام والقبائل.
قتل الأطفال الفلسطينيين في رحاب غزة الطاهرة نستخلص منه الدروس والعِبَر الآتية:
أولاً: قال تعالى (الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً) صدق الله العلي العظيم.
هذه الآية القرآنية الكريمة تُمجّد فئة الطفولة وتقرنها بالمال كزينة للإنسان في الحياة، وبالتالي فهي تحمل خصوصية الجمال للإنسان والتميّز والتقرّب إلى الله والأعمال الإيمانية عبر فِئة الطفولة الطاهرة التي وهبها الله الروح كي تصبح ذات شأن في الحياة المستقبلية.
ثانياً: قَداسة الروح للإنسان عند الله غالية جداً. لكنّ قَداسة الروح عند الله بالنسبة للأطفال تكون مضاعفة لفئة الأطفال، يقول الحديث النبوي الشريف (لأن تُهدم الكعبة حجراً حجراً، أهون عند الله من أن يُراق دم امرئٍ مسلم)، وبالتالي فإن قتل البشر العُزَّل الآمنين في رِحاب غزه المباركة هو جريمة حرب، سَيُحاكم فيها قادة العدو الصهيوني وحلفاؤهم الأشرار من القادة الأميركيين، والفرنسيين، البريطانيين والألمان.
ثالثاً: هذه الجريمة النكراء لقتل الأطفال هي شراكة القتلة بالتساوي بين كلّ العواصم المجرمة، بين "تل أبيب" وواشنطن ولندن وباريس وبرلين.
رابعاً: تخاذل الحُكّام العرب عن أداء دورهم الأخوي والديني والإنساني تجاه الإنسان الفلسطيني في رِحاب غزة، وتقاعسهم عن أداء واجبهم في حماية أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين ومسرى رسولنا الأعظم محمد صلى الله عليه وسلّم، تُعد جريمة وعيباً أسود يلفّ وجه العرب والمسلمين في جميع أصقاع العالم، باستثناء من خرج منهم يقاوم المحتل، بأي طريقة للمقاومة لدعم أحرار فلسطين.
خامساً: يتعرّض الشعب العربي الفلسطيني اليوم لمحرقةٍ بشعة أمام مرأى العالم كلّه، ولم يحرّك النافذون المسيطرون على القرار العالمي في هذا العالم بأيّ مواقف جادة لإيقاف هولوكوست أطفال فلسطين، وما يحدث اليوم في غزه لأطفال فلسطين قد حدث ما يشابهه لليهود المسالمين بالأمس في زمن النازية الألمانية والفاشية الإيطالية ومن لفّ لفّهم!!!.
سادساً: الجرائم التي ارتكبها كيان المحتل الإسرائيلي الصهيوني ضدّ أطفال فلسطين ونسائها وشيوخها مبرّر كافٍ بأن تقطع جميع العلاقات السياسية والاقتصادية والتجارية والثقافية للدول والكيانات العربية المُطبِّعة مع كيان "دولة" العدو الإسرائيلي الصهيوني، والاقتداء بدول أميركا اللاتينية التي قطعت علاقاتها الدبلوماسية مع الكيان الصهيوني احتجاجاً على جرائم الصهاينة في رحاب غزه، تخيّلوا كم هي المسافة الزمنية والتضاريسية بين أميركا الجنوبية والكيان الإسرائيلي؟!
وكم هي المسافة بين الدول العربية المُطبِّعة وبين الكيان الصهيوني؟! لكن المعني هُنا في تقديس معاني الكرامة والأخلاق والقيم الإنسانية التي حافظ عليها الأجانب وأسقطها بعض الحُكّام والأفراد العرب من ثقافتهم ودينهم وأخلاقهم، والله المستعان.
سابعاً: يجب أن تُخلَّد كلّ جرائم قتل أطفال غزة في ذاكرة الأمم، وتخصيص ساحات وأبنية وتماثيل في قلب عواصم البلدان العربية والإسلامية وعواصم الأحرار في العالم، كي لا تنسى الإنسانية جرائم القتل الجماعي لهذا الكيان الصهيوني اللقيط بحق الأطفال والنساء وكبار السن من أهلنا في فلسطين.
هذه الجرائم الوحشية بحقّ الشعب العربي الفلسطيني والقتل بالمجان، والتي تُرتكب في قطاع غزة تفضح همجية هذا الكيان المحتل الصهيوني المؤقت اللقيط، وتفضح معه المتعاونين من حُكّام أميركا، وأوروبا الغربية من حِلف شمال الأطلسي العدواني، إنهم مستعرون ومحتلون لأرض الغير بالأمس واليوم، هم وأسلافهم من الأجداد والآباء، وهم من يمارسون رذيلة الكذب والتدليس والتزوير الفجّ وبشكل علنيّ فاضح.