الأردن في مواجهة الخطر الصهيوني

ينتمي الأردن إلى بلدان الجغرافيا السياسية الأكثر حساسية للتطوّرات من حوله، بالإضافة إلى أهميته السياسية فيما يخصّ القضية الفلسطينية واستهدافاتها في العقل الصهيوني.

  • عن التأصيلات الخرافية التلمودية حول الأردن.
    عن التأصيلات الخرافية التلمودية حول الأردن.

تتزايد مخاطر التوسّع العدواني الصهيوني على الأردن، في سياق العدوان المتواصل على غزّة وعموم الوطن الفلسطيني المحتلّ، وفي سياق محاولات العدو تجديد وظيفته العدوانية الإقليمية المتأكّلة، وفق المقاربات الآتية: 

أولاً، الإجماع الصهيوني على رؤية المنطقة العربية الواقعة بين الساحل الفلسطيني والصحراء العراقية، كأرض لشعب (إسرائيلي) يعيش عليها سكان (لا شعب)، عرب، فالأرض والشعب هنا مفهومان إسرائيليان مقابل الجغرافيا والسكان العرب، "جوييم" وأغيار و(برابرة) بحسب الثقافة الرأسمالية الغربية. 

ثانياً، تكوين اللا-تسوية وفق استراتيجية وسيكولوجيا العقل الجمعي اليهودي، لا وفق برامج واعتبارات سياسية تكتيكية لهذا الطرف الصهيوني أو ذاك، فالعدو حالة عدوانية استيطانية لا تقبل أيّ تفاهمات مع أيّ طرف بل حالة إخضاع وهيمنة. 

ثالثاً، استكمال يهودية الدولة ومحاولة العدو تعميم التطبيع على مستوى المنطقة وتصفية القضية الفلسطينية وإغلاق ملف اللاجئين وحقّ العودة، واستكمال السيطرة الديموغرافية على كلّ فلسطين. 

رابعاً، الشرق الأوسط المتصهين، من صفقة القرن إلى الإبراهيمية السياسية، وبالتقاطع مع المشاريع الإمبريالية للسيطرة على المنطقة والاستحواذ على مواردها وتوظيف أهميتها الاستراتيجية وتمرير طريق الهند – حيفا في مواجهة المشاريع الدولية الأخرى مثل طريق الحرير والحزام الصيني، ومثل "الهارت لاند" الجنوبي لأوراسيا الروسية. 

خامساً، الإزاحة عن العدو الصهيوني كتناقض تناحريّ أساسيّ مع الأمة نحو تناقضات ثانوية أخرى وتحويل المنطقة العربية إلى محيط من الكانتونات التابعة للمركز الإسرائيلي، وهو ما استدعى ويستدعي وفق التقارير السنوية لمعهد هرتزليا وغيره، تقسيم المنطقة العربية وتمزيقها وتفكيك دولها وتفتيت مجتمعاتها واستبدال هويتها العربية الجامعة بأشكال من الدساتير والهويات القاتلة، الطائفية والجهوية. 

يشار هنا إلى مشاريع التقسيم (قمت بنشرها في مقال سابق على موقع الميادين ونكرّرها للأهمية)، والتي بدأت مع بن غوريون في كتابه (بعث إسرائيل): 

- ما فضحه الصحافي الهندي كارنجيا تحت عنوان (خنجر إسرائيل) 1957.

- مشروع استراتيجية "إسرائيل" المقبلة لـ أوديد ينيون 1982. 

- مشروع برنارد لويس الذي أقرّه الكونغرس 1983. 

- مشروع استراتيجية "إسرائيل" العظمى لـ يحزقيل دورور 1985. 

- مشروع مركز وجامعة بار إيلان 1992. 

- مشروع الوزير الصهيوني شارنسكي (الطريق إلى الديمقراطية) 2005. 

- مشروع الجنرال بيترز (حدود وخرائط الدم) 2000. 

- مشروع شمعون بيريز (الشرق الأوسط الجديد) 1992. 

- مشروع نتنياهو (مكان تحت الشمس) 1995. 

كلّ ذلك لا ينفي دور العوامل الداخلية وعجز القوى العربية السائدة بكلّ خلفيّاتها الأيديولوجية عن الانتقال من المجاميع الطائفية والعشائرية والجهوية إلى المجتمعات المدنية والتشكيلات الطبقية الحديثة، والشروط الموضوعية للمواطنة والديمقراطية الحقيقية، والتصدّي للأخطار الخارجية وفي مقدّمتها الخطر الصهيوني. 

وهو ما يحتاج إلى مراجعات صارمة، إلا أننا اليوم وفي هذه اللحظة التاريخية الصعبة والحرجة بحاجة إلى وقفة شعبية شجاعة بالحدّ الأدنى من التوافقات الوطنية وبدلالة الخطر الصهيوني على الأردن وقضية الأمّة المركزية ممثّلة بالقضية الفلسطينية، ومن دون الانعزال عن الاستحقاقات الداخلية الخاصة بالكرامة والعدالة الاجتماعية والحرية. 

على الصعيد الأردني

ينتمي الأردن إلى بلدان الجغرافيا السياسية الأكثر حساسية للتطوّرات من حوله، بالإضافة إلى أهميته السياسية فيما يخصّ القضية الفلسطينية واستهدافاتها في العقل الصهيوني، وعلى رأس ذلك سياسات التفريغ الديموغرافي والترانسفير القسري، بالنظر إلى المشاريع الصهيونية للاستحواذ الكامل على (الضفة الغربية) وبناء مئات المستوطنات والبؤر الاستيطانية فيها (نحو 350 مستوطنة وبؤرة تضمّ قرابة 800 ألف مستوطن).

وثمّة ما يقال كذلك عن ضغوط لاستعادة سياسة تفريغ الضفة الغربية في خمسينيات القرن الماضي عبر تشجيع الاستثمار في الضفة الشرقية والتسهيلات الخليجية للمغتربين في حينها. 

إلى ذلك، وبدلاً من الاستعداد لمواجهة هذه المخاطر والتهديدات الصهيونية المتواصلة للأردن، وضرورة تحصين البلاد بمناعات اجتماعية وسياسية، فقد أدّت سياسات السوق المتوحّشة وأذرعتها ممثّلة بالبنك وصندوق النهب الدوليّين، إلى تحطيم الطبقة الوسطى، القاعدة الاجتماعية للدولة، إضافة إلى القوانين المقيّدة للحريات مثل قانون الجرائم الإلكترونية، وقبل ذلك مشروع الأقاليم عام 2000 الذي تراجعت الحكومة عنه بعد ضغط شعبي واسع، وربما يستعاد من جديد تحت ضغط أميركي في ضوء الفوضى الهدّامة التي تجتاح المنطقة برمّتها وتفكّك دولها ومجتمعاتها وتعيد تركيبها على شكل كونفدراليات أو فدراليات جهوية أو طائفية. 

كما يشار أيضاً فيما يخصّ الرياح الطائفية والجهوية المذكورة، إلى تغلغل الثقافة الوهّابية في الأردن علماً بأنه كان من السبّاقين إلى مواجهة الغزوات الوهّابية على بلاد الشام خلال العقد الثالث من القرن العشرين، وكانت الثقافة الشعبية للإسلام المعتدل حصناً منيعاً ضدّ التوهيب قبل أن تتراجع هذه الثقافة في العقود الأخيرة ويختفي مفكّرو التنوير مثل ابن رشد والفارابي والكندي من المناهج، ويشكّل هذا التراجع بيئة مساعدة لأيّ سيناريوهات معادية تستهدف البلد ونشر الفوضى فيه، ناهيك عن هشاشة البنية الاجتماعية التابعة للدولة القطرية العربية عموماً والتحوّلات البطيئة للانتقال من المجاميع الطائفية والجهوية إلى المجتمعات المدنية. 

في مواجهة ذلك، ومقابل من يراهن على تحالفاته وصداقاته مع الإمبرياليّين وعلى معاهدة وادي عربة لردع العدو ووقف أحلامه المريضة في الأردن وعموم المنطقة، لا بدّ من التأكيد أنّ التحالفات المذكورة لم تمنع العدو من احتلال نصف المملكة عام 1967 (الضفة الغربية)، واعتبار الأردن الجيد إسرائيلياً هو الأردن الرديء أردنياً وفلسطينياً وعربياً، ومن ثمّ لا بديل عن مغادرة هذه الأوهام والثقة بالشعب والقوى الحيّة في الأمة والمقاربات الوطنية الاستراتيجية في تشخيص المشهد الراهن واستجلاء أخطاره، وما ينبغي أن نعمل عليه، خاصة وأنّ ما يعرف بالقواعد الحاكمة للصراع ولعبة الأمم من حولنا قد سقطت وسقطت معها الحسابات والاعتبارات التي تتعلّق بقوى أو خرائط أصبحت في مهبّ الريح. 

كما ثبت بالملموس أنّ العدو الصهيوني بقدر ما يبدو كقوة تكنولوجيّة تمتلك كلّ وسائل الإبادة والدمار الوحشيّة، فهو غارق بكليته في خطابات خرافيّة عنصريّة، بل أنّ هذا الاستحضار التلمودي الوحشي لهذه الخطابات بات نموذجاً لتأويلات مشابهة في كلّ مكان، من أفغانستان إلى اليمين العنصري في العالم الرأسمالي. 

وبينما يقدّم العدو نفسه كامتداد للسرديات الغربية الليبرالية التي سقطت معه في رمال غزّة، يتسلّح بالخرافات التلمودية العنصرية ويرتكب الجرائم الجماعية في سبيلها، ومن ذلك خرافاته المذكورة فيما يخصّ الأردن التي جرى ترجمتها من خلال صندوق اكتشاف فلسطين 1865 الذي أطلقته الصهيونية بدعم العهد الفكتوري للإمبريالية البريطانية والحكومات التي شكّلها الروائي اليهودي المتخفّي، ديزرائيلي، وهو الصندوق الذي كان مموّلاً من عائلة روتشيلد، ومثله الجمعية الأميركية وصندوقها 1870، حيث موّل الصندوقان عشرات الكتب والبعثات والدراسات لاستعمار فلسطين وتحويلها إلى ثكنة يهودية. 

وقد كان نصيب الأردن من الاهتمامات السابقة كبيراً وخطيراً، سواء في الكتب أو عبر البعثات ذات الصلة: 

- كتاب (أرض مؤاب) لـ "تريسترام" 1973. 

- كتاب (أرض جلعاد) لـ "لورنس أوليفانت" 1879.

- كتاب (أرض مدين) لـ "بول فريدمان" 1878. 

- دراسات "آرثر روبين". 

- دراسات الحاخام ايزاكس. 

- دراسة جابوتنسكي بعنوان (الجدار الحديدي) 1923. 

- كتاب بن غوريون (بعث دولة إسرائيل ومصيرها) 1954. 

- كتاب إلياهو إيلات (إسرائيل وجاراتها) 1957. 

ومن المشاريع الأخرى: 

- ما أوردته الدكتورة سهيلة الشلبي (المجلة الأردنية للتاريخ والآثار، الجامعة الأردنية 2011) حول اللجان والبعثات التي موّلها صندوق اكتشاف فلسطين في الأردن والتي حاولت تأصيل تاريخ يهودي في أكثر من منطقة في الأردن.

- مشاريع يوسف ميلر في معان وإسحاق بلوم وبونتين جنوب الأردن 1903 ـــــ 1904، ونجيب الأصفر (رجل أعمال لبناني متصهين كان مهتماً مع الأتراك لإقامة استثمارات في غور الأردن) 1910. 

- المشاريع التي تدعو للسيطرة على مصادر المياه الأردنية، مثل ما ورد في رواية هرتزل (الأرض الجديدة القديمة)، وعند "فريش رعنان" (حدود أمّة) وفي مذكّرة بلفور إلى وزير الخارجية، كارازون، وفي المذكّرة الصهيونية إلى مؤتمر الصلح 1919. 

أما عن التأصيلات الخرافية التلمودية حول الأردن، فيمكن الرجوع إلى: سفر التكوين ـــــ الإصحاح 15، وسفر نحميا ـــــ الإصحاح 13، والملوك الأول ـــــ الإصحاح 4 و9، والملوك الثاني ـــــ الإصحاح الثالث، وسفر العدد – الإصحاح 34، وسفر أخبار الأيام الثاني ـــــ الإصحاح 8 و9، وغير ذلك.