روعة المونديال في عيون الفقراء
صوَر الشعوب الفقيرة في العالم وهي تتابع المونديال تبدو أكثر صدقاً والتصاقاً بالكرة وتحديداً بزمنها الجميل وبساطتها بعد أن تحوّلت في جانب كبير منها في يومنا هذا إلى سلعة.
الكرة فرحة الفقراء. أولئك الذين يعيشون قسوة الحياة. أولئك الذين يجدون في الكرة متنفّسهم وسلواهم وبلسماً لمعاناتهم. أولئك الذين يكدحون لكسب قوت يومهم ينسون تعبهم مع الكرة. الكرة ترسم ضحكاتهم. ينسون معها واقعهم ويسبحون في فضائها حيث كل شيء جميل. الكرة في الأصل لهم. من تلك الأحياء الفقيرة في البرازيل والأرجنتين وجوارهما ومن أفريقيا خرج عظماء الساحرة المستديرة.
المونديال تحديداً فرحة هؤلاء. هو موعدهم الأحبّ. تنهال علينا الصوَر يومياً من أنحاء العالم لأناس يتابعون المباريات، لكن تبقى تلك التي يظهر فيها الفقراء الأروع والأكثر تعبيراً. هؤلاء ليسوا كغيرهم. لا يستطيعون طبعاً أن يتابعوا المونديال في أرض الحدث، ولا حتى يمتلكون المال ليجتمعوا في مقهى. يكفيهم تلفاز في الشارع ليتحلّقوا حوله. هذا كل ما يمتلكون، وهذا يكفيهم ليشعروا، كغيرهم، بفرح المونديال. المونديال للجميع، لا بل هو لهؤلاء أكثر من غيرهم.
أول من أمس كانت الصوَر قادمة من أحد الأحياء الفقيرة في كولومبيا لأشخاص يتابعون سوية على التلفاز مباراة منتخب بلادهم أمام إنكلترا. كانت الصوَر معبّرة للغاية وتعكس ازدواجية المشهد في العالم بين البذخ الذي بات يغلّف عالم الكرة وبين هؤلاء الفقراء. هنا الصورة أجمل طبعاً. هي، هنا، أصدق، وأكثر التصاقاً بالكرة وتحديداً بزمنها الجميل وبساطتها بعد أن تحوّلت في جانب كبير منها في يومنا هذا إلى سلعة يطغى عليها العنصر المادي ويتحكّم، للأسف، بمفاصلها.
لكن هؤلاء لم تكتمل فرحتهم في النهاية. خسرت كولومبيا. خسرت بركلات الحظ. في إنكلترا لم يجتمع طبعاً عدد من الأشخاص ليتابعوا المباراة على طريقة هؤلاء الكولومبيين. هناك، في لندن، وباقي المدن الإنكليزية كل شيء متاح وقد عمّت الاحتفالات في المقاهي والحانات.
في الحقيقة كان يستحق هؤلاء الشبان في ذلك الحيّ الفقير في كولومبيا أن يتحلّقوا مجدّداً حول ذلك التلفاز ويشاهدوا مباراة جديدة لمنتخبهم... ويفرحوا. كانت الصوَر التي ستأتينا مجدّداً أكثر تعبيراً وأجمل، إذ في عيون هؤلاء تكمن روعة المونديال.