لماذا لن تتمكن واشنطن من كبح صعود آسيا كمركز قوة عالمي؟
شبكة التلفزيون الصينية العالمية "CGTN" تؤكد في مقال أنّ جلّ ما يمكن لواشنطن فعله حالياً هو الاعتراف بالتقدم متعدد الأقطاب في العالم، ولا سيما في منطقة آسيا.. فما الأسباب؟
أكّد موقع شبكة التلفزيون الصينية العالمية "CGTN" أنّ أفضل ما يمكن للولايات المتحدة أن تقوم بها الآن هو "الاعتراف بالتقدم متعدد الأقطاب في العالم، وفي منطقة آسيا بشكل خاص، وأن تعمل على إيجاد دور عملي لنفسها ضمن هذا النموذج الجديد".
وذكر مقال لأندرو كوريبكو، المحلل السياسي الأميركي المقيم في موسكو، أنّ "العام الماضي اتسم بعدم يقين غير مسبوق في العلاقات الدولية، نتيجة العملية الروسية في أوكرانيا والتصعيد الغربي بقيادة الولايات المتحدة ضدها".
وأكّد المقال أنّ "العولمة، التي تضررت من عواقب جائحة COVID-19، لم تستطع أن تتعافى إلى ما كانت عليه قبل عام 2019 نتيجة لكلّ شيء حدث. ولكنها في الوقت نفسه لم تدمّر بالكامل، ولذلك تغيّر النظام الاقتصادي والعسكري والسياسي في العالم بطرق لم يكن من الممكن التنبؤ بها".
حتّى إنّ صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية أقرّت مؤخراً في مقال، بالدور المتنامي للهند في الشؤون العالمية، وبأنّ "حرب أوكرانيا تسببت في "غضب" مختلف في مكان آخر، صبّ تركيزه على توزيع عالمي منحرف ومنتهي الصلاحية للقوة والنفوذ".
وبحسب الشبكة الصينية، فإنّ "مفاقمة العقوبات الغربية ضدّ روسيا لتكاليف الطاقة والغذاء والأسمدة، التي تسببت في صعوبات اقتصادية حادّة في البلدان الفقيرة، أثارت استياءً عالمياً من دور الولايات المتحدة وأوروبا وتأثير سياساتهما على الوضع في آسيا وأفريقيا".
اقرأ أيضاً: صعود آسيا.. وتأثيره في "قلعة الغرب" المتقدمة
وتضع هذه الخلفية الأساس لاستنتاج أنّ انتقال النظام العالمي نحو التعددية القطبية، والذي سبق الأحداث الأخيرة بكثير ويعتبره الكثيرون قد بدأ بشكل جدي بعد الأزمة المالية لعام 2008، قد تسارع بشكل لا رجعة فيه في عام 2022، يؤكّد المقال.
ويتابع بأنه "نظراً لأنّ منطقة آسيا والمحيط الهادئ هي المركز الاقتصادي العالمي، والمنطقة التي تتقارب فيها هذه العمليات المعقدة المرتبطة بالنظام العالمي الناشئ بسرعة، فمن المناسب مناقشة مستقبلها".
إذ لا تزال الصين، بحسب المقال، هي القائد الإقليمي الذي يطمح إلى مواصلة السعي لإنشاء "مجتمع يؤمن بالمصير المشترك للبشرية"، من خلال مشاريع الاتصال الشاملة التي تشمل مبادرة الحزام والطريق، والتي تطورت بما يتجاوز تركيزها الأصلي على البنية التحتية المادية لتشمل الاتصال الرقمي والصحي وجوانب أخرى.
وكذلك من خلال "الإطار الاقتصادي الإقليمي الشامل" (RCEP)، الذي أنشأ أكبر كتلة تجارية في العالم على مدار عام منذ 1 كانون الثاني/يناير 2022.
التدخّل الأميركي لمحاولة وقف مسار تقدّم آسيا
وفي غياب أيّ تدخل أجنبي، ستكون منطقة آسيا والمحيط الهادئ في طريقها للمضي قدماً في مسار إيجابي يعود بالنفع المتبادل على جميع الدول الإقليمية، ولكن لهذا السبب بالتحديد قامت الولايات المتحدة بتوسيع تدخلها في المنطقة خلال العام الماضي.
واتخذ هذا التدخل عدة أشكال، من إنشاء "الإطار الاقتصادي الهندي والمحيط الهادئ" (IPEF) للتنافس بشكل غير رسمي مع BRI و RCEP الصينيَيْن، إلى التدخل في منطقة تايوان من خلال الزيارات السياسية الاستفزازية ومبيعات الأسلحة والتجييش وإلى السعي بشكل غير رسمي لتوسيع تكتلها العسكري جنوبي المحيط الهادئ "أوكوس"، بالتعاون مع أستراليا واليابان.
ويوضح المقال أنّ شكل التدخل الأميركي الأول يتداخل إلى حدّ كبير مع مشروع الإطار الاقتصادي الشامل، لكنه مصمم لـ "فصل" الاقتصاد الصيني تدريجياً عن شركائه الإقليميين.
اقرأ أيضاً: عكس التوقعات 2022: كيف تعاملت الصين مع "الفخ الأميركي" في تايوان؟
سياسة ’’فرق تسد‘‘ محتومة بالفشل
ويتابع بأنه "على الرغم من أنّ أجندة ’’فرق تسد‘‘ هذه قد تكون طموحة، فمن المحتّم أن تفشل، لأنّ الولايات المتحدة لا تستطيع التنافس مع الصين على أرض متكافئة من دون التلاعب بالقواعد من خلال العقوبات.
وحتى في السيناريو الذي تمّ إصداره، أثبتت الدول الإقليمية بالفعل أنّها تتمتع بالسيادة الكافية لعدم التنازل عن مصالحها الوطنية الموضوعية تحت الضغط.
أما بالنسبة للجانب الثاني من خطة الاحتواء الأميركية المناهضة للصين في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، فقد أوضحت بكين تماماً أنها لن تقبل أيّ انتهاكات لخطوطها الحمر فيما يتعلق بمنطقة تايوان.
ومن الناحية العملية، هذا يعني أنّ البرّ الرئيسي الصيني سيتفاعل بالتأكيد إذا أعلن الراديكاليون السياسيون في الجزيرة ما يسمى بالاستقلال، أو إذا حصلوا على أنظمة أسلحة معينة يمكن أن تغيّر بشكل حاسم ميزان القوى عبر مضيق تايوان.
تعرف الولايات المتحدة ذلك، وبالتالي ليس لديها أيّ مصلحة في تجاوز الخطوط الحمر مع بكين، يؤكد الكاتب الأميركي.
تحالف "أوكوس" لتوريط دول المنطقة ضدّ الصين
وفيما يتعلق بالجزء الأخير، تريد الولايات المتحدة البناء على تحالف الغواصات النووية "أوكوس" في أيلول/سبتمبر 2021، ليشمل بشكل غير رسمي حليفها الدفاعي المشترك الياباني، إلى جانب دول أخرى مثل نيوزيلندا وجمهورية كوريا والفلبين، وتوجيهه ضد الصين.
للأسف، تبدو اليابان أكثر حرصاً على سنّ سيوفها والتلويح بصراع ضد الصين، بعد إعلانها عن أكبر عملية تحشيد عسكري لها منذ الحرب العالمية الثانية، بينما يبدو الثلاثة الآخرون أكثر تردداً بسبب علاقاتهم ذات المنفعة المتبادلة مع الصين.
ومع أخذ هذا الوضع الإقليمي الراهن في الاعتبار، فمن المنطقي بالتالي أن تتوقع الولايات المتحدة أن تواجه مؤامراتها المناهضة للصين بعض الانتكاسات في المستقبل القريب.
وهذا بدوره يفسر سبب استئناف ممثليها للمناقشات مع نظرائهم الصينيين، بعد أن التقى الرئيس الصيني شي جين بينغ بالرئيس الأميركي جو بايدن في قمة مجموعة العشرين في بالي في أندونيسيا، في تشرين الثاني/نوفمبر الفائت.
وبالرغم من أنه من السابق لأوانه قول ذلك، لكن يبدو أنّ الولايات المتحدة قد تكون صادقة بشأن خفض التوترات، يشير الكاتب الأميركي.
اقرأ أيضاً: "غلوبال تايمز": وسط الاضطرابات العالمية.. الصين ستؤدي دوراً أكثر أهمية في 2023
زيارة بلينكن المرتقبة ستكون مؤشراً
ويؤكد المقال أنّ زيارة وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكين المقبلة إلى الصين، والتي تم التخطيط لها في وقت مبكر من هذا العام الجديد، ستكشف ما إذا كان قد تمّ إحراز أيّ تقدم ملموس في هذه الملفات.
ولكن بطبيعة الحال، فإنّ علامة إيجابية ظهرت بإجراء وزير الخارجية الصيني الجديد تشين جانغ مكالمة مع نظيره الأميركي اليوم، ناقشا فيها العلاقات الثنائية و"الحفاظ على خطوط اتصال مفتوحة".
وتابع: "نأمل أن يتّضح للولايات المتحدة أنّ مؤامرة تقسيم وحكم منطقة آسيا والمحيط الهادئ لن تفشل فقط، بل ستؤدي إلى نتائج عكسية".
الاقتصاد الأميركي مرتبط بشكل وثيق باستقرار الصين وآسيا
وبعد كل شيء، يرتبط الازدهار الاقتصادي للولايات المتحدة ارتباطاً وثيقاً بالاستقرار في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، وبالتالي سيكون من المضرّ بمصالح واشنطن الخاصة الاستمرار في تأجيج نيران التوترات الإقليمية، سواء في الأبعاد الاقتصادية أو العسكرية أو السياسية.
ويعدّ الاعتماد الاقتصادي المعقد الذي أسّسته الصين والولايات المتحدة على مدى عقود بسبب العلاقات التجارية والاستثمارية ذات المنفعة المتبادلة، جزءاً لا يتجزأ من تعافي العولمة، حتى لو اتخذ في النهاية شكلاً مختلفاً إلى حد كبير عمّا كان مخططاً له في بداياته.
وكان النموذج السابق للعولمة المتمحورة حول الغرب قد عفا عليه الزمن بالفعل، كما ثبت من صعود منطقة آسيا والمحيط الهادئ كمركز للعمليات الاقتصادية العالمية.
لذلك، فإنّه من غير المنطقي أن تحاول الولايات المتحدة استعادة الوضع السابق، لأنّ العالم كله قد تحرك بالفعل نحو مسار آخر، ومع أخذ ذلك في الاعتبار، فإن أفضل طريقة للولايات المتحدة للمضي قدماً هي أن تعترف بالتقدم متعدد الأقطاب في منطقة آسيا، وأن تعمل على إيجاد دور عملي لنفسها ضمن هذا النموذج الجديد.