في اليابسة والمحيطات والقلوب.. علم فلسطين يتخطى حدودها
المعركة، التي يشنّها وزير الأمن القومي الإسرائيلي، إيتمار بن غفير، على العلم الفلسطيني، لم تأخذ في الاعتبار أنّ هذا الرمز الوطني لم يعد محصوراً داخل حدود فلسطين، وهو ما يعني هزيمة إضافية للاحتلال.
معركة، تمتد عقوداً، يشنّها الاحتلال الإسرائيلي ضدّ العلم الفلسطيني، بدأت منذ اليوم الأول لاحتلال فلسطين، وصولاً وليس انتهاءً بقرار وزير الأمن القومي الإسرائيلي، إيتمار بن غفير، والقاضي بإزالة الأعلام الفلسطينية، ومنع رفعها في الأماكن العامة. لكن، يبدو أنّ بن غفير لا يجيد قراءة التاريخ جيداً، فحركات التحرر، التي شهدتها عدة دول، كانت الأعلام الفلسطينية أحد أهم رموزها، ناهيك بحضورها في معظم المحافل الدولية، والمناسبات السياسية والثقافية والرياضية، الأمر الذي يعني أنّ القضية باتت أبعد مما يرى بن غفير والمسؤولون في حكومة الاحتلال.
كيف أُجهض قرار بن غفير؟
على عكس ما يشتهي بن غفير، جاءت ردة الفعل الشعبية الفلسطينية. وبعد أنّ ظن أنّه يستطيع إرهاب الشارع الفلسطيني، خرج الأخير للرد عليه عبر رفع الأعلام الفلسطينية في شوارع القدس المحتلّة، وأزقتها، وعلى أعمدة الكهرباء ومآذن المساجد، في الأحياء والبلدات المقدسية.
"إيتمار بن جبير" بمنع رفع العلم. لكنه لن ينتصر على شباب فلسطين وعلى رأسهم شباب القدس، والذين سيواجهونه بكل الوسائل، اليوم برفع العلم وغدا بطرد هذا الاحتلال من كل فلسطين
— Mo Shoukry | محمد شكري (@mo_shkry) January 10, 2023
في الفيديو شبان يرفعون الأعلام الفلسطينية في شوارع #القدس.#ارفع_علمك 🇵🇸 pic.twitter.com/T7SIG7XHUO
بالتوازي، مع التحرك الميداني، حصلت انتفاضة افتراضية شهدتها مواقع التواصل الاجتماعي خلال الأيام الماضية، تضامناً مع فلسطين ورفضاً لقرار بن غفير، بحيث أطلق ناشطون حملةً للتغريد في مواقع التواصل الاجتماعي، تحت وسم "ارفَعْ_علمك".
محاولات #بن_غفير منع رفع العلم الفلسطيني 🇵🇸 في الداخل المحتل ومدينة القدس لن تفلح في تغيير الحقائق و أهمها أن الداخل الفلسطيني المحتل ومدينة القدس أرض فلسطينية، و تلفظ سارقها و الذي يمثل بن غفير أحد المستوزرين في هذا الكيان السارق.#ارفع_علمك
— سامي الشاعر (@jsami1981) January 9, 2023
ارفع علمك وافخر بوطنك .. عاشت فلسطين حرة أبية🇵🇸#النقب_فلسطيني#ارفع_علمك #فريق_مجاهدون pic.twitter.com/ybkvGEUlX8
— يحيى عياش (@twrghwt80902986) January 10, 2023
ولأنّها السّبّاقة في دعم القضية الفلسطينية، أطلقت الميادين حملة #علمي_هويتي"، تضامناً مع الشعب الفلسطيني، الذي يخوض اليوم "معركة العلم"، نظراً إلى ما يمثّله من رمز للهوية والتحرر والنضال.
رفرف يا علم #فلسطين وارعبهم بالهوية.. ذكّر جيش المحتلين إحنا أصحاب القضية.#علمي_هويتي #الميادين #فلسطين_قضيتي pic.twitter.com/ThxToJXJ3y
— قناة الميادين (@AlMayadeenNews) January 11, 2023
العلَم الفلسطيني تخطّى حدود فلسطين
الحديث عن العلم الفلسطيني، بالنسبة إلى الفلسطينيين، يعني مقاومة الاحتلال، والانتماء إلى الوطن، والتضحية في سبيله، الأمر الذي يجعل منه ذا قيمة سياسية، وليس مجرد شعار للدولة.
رمزية العلم، فيما يتعلق بمقاومة الاحتلال والعنصرية، تجاوزت حدود فلسطين، لتشمل معظم حركات التحرر الوطني، التي شهدتها دول العالم.
فعند كل محفل دولي مقاوم للإمبريالية الأميركية، يُرفع العلم الفلسطيني، مجسّداً مسيرة نضال ممتدة منذ أعوام ضدّ المحتل، باعثاً نموذجاً حيّاً، موجَّهاً إلى الشعوب الأخرى، عن المقاومة والدفاع عن الأرض والحق والعِرض والمقدسات.
ويُسجّّل لعدد من دول أميركا اللاتينية كثيرٌ من المحطات الداعمة لفلسطين، على رأسها فنزويلا، وكذلك البرازيل، التي أقالت أمس سفيرها لدى "إسرائيل"، ورفضت ظهور علَم الاحتلال خلال الشغب .
ومن اليابان، انطلقت الناشطة اليسارية والزعيمة السابقة والمؤسِّسة للجماعة، التي حُلَّت لاحقاً، والمعروفة بالجيش الأحمر الياباني، فوساكو شيغينوبو، ثم أمضت 20 عاماً في السجن بسبب شنّها هجمات حول العالم مناصِرةً للقضية الفلسطينية، ورفعت العلم الفلسطيني في أكثر من محطة، كما أبت أن تغادر السجن من دون ارتداء الكوفية الفلسطيينة.
كذلك، شهدت عدة دول فعاليات متنوعة تضامناً مع فلسطين، وتنديداً بجرائم الاحتلال في غزّة والضفة، وكانت الأعلام الفلسطينية الحاضرة الأبرز فيها.
ومثلاً، شهدت مدينة شيكاغو الأميركية، العام الماضي، فعالية نوعية تُقام للمرة الأولى، تمثَّلت برفع العلم الفلسطيني وسط المدينة التابعة لولاية إلينوي.
AMP holds the first ever flag raising event of the Palestinian flag in Downtown Chicago. @AMP_Chicago @omarsuleiman504 pic.twitter.com/5FrA65WG4O
— American Muslims for Palestine (@AMPalestine) June 3, 2022
كما رفع ناشطون أيرلنديون، علَماً عملاقاً لفلسطين عام 2018، كُتبت إلى جانبه عبارة "الحرية لفلسطين"، على قمة جبل بلاك الشهير "Black Mountain"، في بلفاست، شمالي أيرلندا، وذلك اعتراضاً على إقامة مباراة كرة قدم بين فريقين إسرائيلي وإيرلندي.
العلم الفلسطيني في ملاعب الرياضة
كثيرة هي الأحداث الرياضية العالمية التي شهدت رفع العلم الفلسطيني في مدرّجات الملاعب. على سبيل المثال لا الحصر، قامت جماهير منتخب سيلتيك الإسكتلندي، المعروفة بدعمها فلسطين، برفع الأعلام الفلسطينية في عدد من المباريات، جنباً إلى جنب لافتات أخرى تَدِين |لاحتــلال الإسرائيلي. هذه الأحداث جرت على رغم تهديدات الاتحاد الأوروبي لكرة القدم (يويفا) المستمرة بشأن منع إدخال الشعارات السياسية لكرة القدم، والتي آلت، في أكثر من مرة، إلى توقيع عقوبات مالية على النادي.
كما شهدت مباراة باريس سان جيرمان مع "مكابي حيفا" الإسرائيلي، في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، ضمن الجولة الـ5 من دور المجموعات في دوري أبطال أوروبا، رفع مشجعي الفريق الباريسي لافتات داعمة للقضية الفلسطينية.
جمهور باريس سان جيرمان واكشن تاريخي عن فلسطين امام مكابي حيفا الكيان الصهيونى جمهور باريس عمل ملحمه عظيمه في حب القضية الفلسطينية 👏🇵🇸✌️❤️
— ORTEGA كريم (@OLd_schoolll) October 25, 2022
pic.twitter.com/tfaX13bBJX
ومؤخراً، على رغم أنّ الفلسطينيين لم يشاركوا في منافسات مونديال قطر 2022، فإنّ ألوان العلم الفلسطيني الأحمر والأخضر والأبيض والأسود أصبحت مشهداً مألوفاً في شوارع العاصمة القطرية، كما في الملاعب. هناك، قرّر المشجعون من مختلف البلدان، الذين يدعمون مختلف المنتخبات المشاركة، التعبير عن دعمهم الشعب الفلسطيني من خلال ارتداء العلم الفلسطيني كعباءة فوق قمصان فِرَقهم، وهو ما شكّل ضربة قاضية لإسرائيل باعتراف الإعلام العبري، الذي علّق على الأمر قائلاً إن "العلم الفلسطينيّ سَحَقَنا في مونديال قطر ".
رفعُ العلم الفلسطيني في المحافل الرياضية لم يقتصر على الجماهير، فلقد سُجّلت لعدد من اللاعبين العالميين مواقف تضامنية مع فلسطين، من الأسطورة الأرجنتينية الراحل دييغو أرماندو مارادونا، وصولاً إلى النجم البرتغالي، كريستيانو رونالدو.
حمزة شودري لاعب وسط ليستر سيتي لم يترك علم فلسطين خلال الاحتفالات ومراسم التتويج🇵🇸👏🏾👏🏾👏🏾 pic.twitter.com/ptT2oiMRjV
— Karim Rizk (@KarimRizk8) May 15, 2021
العلم الفلسطيني في ميادين الفن
لم يقتصر التضامن مع فلسطين على الفعاليات السياسية، بل امتد أيضاً إلى الفن. فعدد من الحفلات الفنية في روما ولندن ومدن أخرى شهدت رفعاً للأعلام الفلسطينية، وأغاني مناصرة وتضامنية مع الشعب الفلسطيني.
العلم الفلسطيني يرفرف في عمق المحيطات
وفي البحر أيضاً، حضر العلم الفلسطيني، حيث قام ناشطون من مختلف دول العالم، بغرسه في أعماق المحيطات، تعبيراً عن حبهم لفلسطين.
بعد هذا العرض الموجز، على بن غفير أن يقلق فعلاً. فالعلَم الفلسطيني لم يعد مرتبطاً بحدود فلسطين، بل أضحى حالةً منتشرة في عدد من الدول، وهويةً للنضال والمقاومة وثقافة المواجهة وعدم الرضوخ والاستسلام، وهو ما يخشاه العدو الذي يعيش أزمة بقاء، بدأت تلاحقه في الفترة الأخيرة، وخصوصاً عندما يتخطى علم فلسطين حدودها الجغرافية، ويصل إلى أقاصي المحيطات.. والأهم عندما يسكن القلوب.