عودة العلاقات السورية-الأردنية تقاربٌ سياسي وانفتاحٌ اقتصادي
من المرجّح أن يُمثّل التقارب السوري الأردني بأشكاله المختلفة نوعاً من استعادة الدور الإقليمي الذي لعبته سوريا قبل الحرب.
شهدت العلاقات "السورية-الأردنية"، خلال الشهور القليلة الماضية، تطوراً ملحوظاً على مستوياتٍ عديدة، منها السياسية والأمنية والاقتصادية، حيث تصاعدت وتيرةُ التعاون الرسمي بين البلدين، بعد اتصالاتٍ وزياراتٍ رسمية على مستوياتٍ عالية.
سوريا والأردن.. من الجفاء إلى الإخاء
بعد عقدٍ من الجفاء السياسي بين البلدين جاء كنتيجةٍ لمشاركة الأردن في دعم الجماعات المسلحة السورية من خلال غرفة عمليات "الموك" التي تضمّ استخبارات دول عديدة تقودها أميركيا، واتهامات دمشق المتكررة للأردن بالتورط في الحرب السورية، يبرز اليوم التعاون والانفتاح بين البلدين من أجل إعادة سوريا إلى الحضن العربي من باب جامعة الدول العربية.
ورغم كل ما ذكر أعلاه، فإنّ العلاقات السورية – الأردنية لم تنقطع خلال أيام الحرب، لذلك حافظ الأردن على وجود سفارته في دمشق، ونفى مراراً قطع العلاقات الدبلوماسية مع سوريا. العلاقات السياسية الرسمية عادت إلى الواجهة بعد قطيعة لعقدٍ كامل.
تُوّجت العلاقات السورية الأردنية للمرة الأولى منذ اندلاع الحرب، حين أجرى الرئيس السوري، بشار الأسد، في الـ 3 من تشرين الأول/ أكتوبر الحالي، اتصالاً هاتفياً مع ملك الأردن، لبحث سبل تعزيز التعاون بين البلدين.
على المستوى الدبلوماسي، تسعى سوريا إلى استعاده دورها في لمّ شمل الدول العربية واستعادةِ دورها كلاعبٍ إقليمي، وعن ذلك يقول وزير الخارجية السوري، فيصل المقداد، في تصريحاتٍ صحافية، اليوم الجمعة، "نأمل فتح أفق جديد للعلاقات بين سوريا والأردن وأن تنفتح الدول العربية بعضها على بعض، لا على سوريا فحسب".
أفسحت اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة الطريق أمام تمهيد العلاقات مع الدول العربية، حيث اجتمع المقداد مع نظيره الأردني أيمن الصفدي، لزيادة التعاون وضمان أمن الحدود المشتركة.
عودة العلاقات من باب التنسيق الأمني
في المشهد الأمني، حمل اجتماع وزير الدفاع السوري، العماد علي أيوب، ورئيس هيئة الأركان المشتركة الأردني، اللواء الركن يوسف الحنيطي، في عمان، الكثير من الرسائل المشيرة إلى عودة التعاون بين البلدين الجارين. فالمشاورات الأمنية والعسكرية العليا تهدف إلى بلورة تنسيقٍ يُنهي كلّ محاولة لتهديد الوضع الأمني جنوباً، ومكافحة الإرهاب، إضافةً إلى مواجهة عمليات تهريب المخدرات، ولا سيما بعد استعادة الجيش السوري مدينة درعا.
من هنا نجد، أنّ الأردن صاحب مصلحة في استقرار سوريا، وأي حديث خلاف ذلك لا يمتّ إلى الحقيقة بصلة، والانفتاح المتبادل من الجانب السوري والأردني جاء بمباركةٍ أميركية، ولا سيما بعد زيارة الملك الأردني عبد الله الثاني للرئيس الأميركي جو بايدن، في شهر تموز/ يوليو الماضي، حيث تركّزت الزيارة على تغيير السياسة المتّبعة حيال سوريا، وهذا الأمر أصبح جلياً بعد إحياء "خطّ الغاز العربي"، لتتلوه خطوات عديدة، مثل افتتاح معبر "نصيب - جابر" الحدودي.
ولا يمكن أن نهمل الدور الروسي في العلاقات السورية الأردنية، فهذا الانفتاح جاء بعد زيارتين للملك الأردني عبد الله الثاني، والرئيس السوري بشار الأسد، لروسيا، وهو ما قد يشير إلى وجود دور روسي في هذا التقارب؛ فموسكو تسعى لترتيب أوراق الجنوب السوري، ولا سيما عن طريق رعاية ملف التسويات في محافظة درعا.
افتتاح معبر "نصيب-جابر" إنعاشٌ للشريان الاقتصادي
أعاد الأردن فتح حدوده مع سوريا؛ معبر "نصيب-جابر" نهاية أيلول/سبتمبر الماضي، وهذه الخطوة لاقت ترحيب واشنطن. الأردن سعى لفتح منفذٍ للاستثمار في إعادة إعمار سوريا، في حين ترى دمشق أنّ انفتاحها على الأردن سيعيد علاقاتها مع المحيط العربي.
تمثّل الحدود السورية الأردنية شريان حياة مشترك للبلدين، بل للجار لبنان أيضاً؛ فمعبر "نصيب – جابر" الذي افتتح عام 1997، هو رئة الأردن الشمالية، التي تتنفس منها الصادرات الأردنية، سواء غرباً باتجاه لبنان، أم شمالاً نحو تركيا ودول أوروبا الشرقية وصولاً إلى روسيا، ويُعدّ المعبر أحد أهم المعابر الحدودية في الشرق الأوسط.
خسائر اقتصادية تطال 3 دول عربية
إغلاق المعبر خلال سنوات الحرب على سوريا، وبالتحديد في نيسان/أبريل 2015 مثّل ضربةً موجعة لاقتصاد الأردن الذي سجّل التبادل التجاري بينه وبين جارته الشمالية عام 2010 نحو 615 مليون دولار، قبل أن يتراجع تدريجياً بسبب الحرب.
خبراء اقتصاديون يقدرّون قيمة الخسائر التي لحقت بالقطاعات الاقتصادية الأردنية المتنوعة، بسبب إغلاق الحدود نهائياً مع سوريا، خلال الـ 10 سنوات الماضية، بنحو 20 مليار دولار.
ويُعدّ المزارعون الأردنيون الفئة الأكثر تضرراً من هذا الانقطاع، نظراً إلى أن المنتجين والتجار اضطروا للجوء إلى النقل الجوي والبحري، الأكثر كلفة والأطول زمناً.
بلغةِ الأرقام الأردنية الرسمية، خلال النصف الأول من عام 2021، بلغ حجم التبادل التجاري بين الأردن وسوريا 66 مليون دولار، بينما سجّل عام 2020 الماضي ما يزيد على 100 مليون دولار. ومقارنة بعام 2011، فقد سجّل حجم التبادل التجاري بين البلدين نحو 634 مليون دولار.
ومن خلال الأرقام أعلاه، وإذا ما قارنا بين عامي 2021 و2011، نجد أنّ حجم التبادل التجاري بين الأردن وسوريا، خلال النصف الأول من السنة، قد انخفض بنسبة كبيرة جداً قد تصل إلى 60%.
من الناحية السورية، فإن إغلاق معبر نصيب – جابر البري أثّر بشكلٍ كبير على تصدير المنتج السوري إلى الأردن ودول الخليج، فأصبح محصوراً بالبحر والجو، وهذا الأمر رتّب تكاليف أكبر من حيث الوقت والجهد والمال.
لبنان أيضاً تضرر من إغلاق نصيب، حيث يمثّل ممراً لمنتجات زراعية وصناعية تقدر قيمتها بأكثر من 800 مليون دولار، أي ما يوازي 30% من مجمل الصادرات اللبنانية.
أزمة لبنان تعيد تفعيل خطّ الغاز العربي
يهدف الأردن، كما جاء على لسان وزيرة الطاقة، إلى تطوير منظومته من أجل جعل المملكة مركزاً إقليمياً لتبادل الطاقة بأشكالها كافة، بحلول العام 2030. ولتعزيز هذا الملف المهم، استضاف الأردن، في الـ 6 من تشرين الأول/أكتوبر، اجتماعاً وزارياً ضم الوزراء المعنيين بشؤون الكهرباء في كل من الأردن وسوريا ولبنان، تم خلاله الاتفاق على تزويد لبنان بجزءٍ من احتياجاته من الطاقة الكهربائية من الأردن، عبر الشبكة الكهربائية السورية، وهذا الخط ستستفيد منه سوريا بالحصول على كمياتٍ من الغاز.
إلى ذلك، أتى الاجتماع الرباعي في الـ 6 من أيلول/سبتمبر الماضي، الذي استضافته عمان بحضور وزراء الطاقة في سوريا ولبنان ومصر، من أجل بحث وصول الكهرباء والغاز إلى لبنان عبر سوريا، في خطوةٍ لم تخل من الدلالات السياسية على صعيد العقوبات المفروضة على دمشق.
الاجتماع سبقته زيارة وفدٍ لبناني رسمي لدمشق. تعتبر هذه الزيارة الأولى منذ اندلاع الحرب على سوريا، بعدما منحت واشنطن لبنان الضوء الأخضر لاستجرار الطاقة الكهربائية، ما يعني استثناءه من عقوبات قيصر المفروضه على سوريا ودول الجوار، ولا سيما بعد أن قام حزب الله باستيراد النفظ من إيران، ما دفع أميركا إلى تسريع عملية إحياء خط الغاز العربي.
وفي الـ 27 من أيلول/سبتمبر، زار وفدٌ وزاري سوري يضم وزراء الموارد المائية والزراعة والكهرباء والاقتصاد الأردن، بهدف تشبيك العلاقات وتفعيل التبادل التجاري، ومناقشة ملفات الطاقة والمياه والنقل بين البلدين.