بول لارودي للميادين نت: تحدّينا العقوبات وحملنا أموال المساعدات إلى سوريا بأيدينا

وفد من الناشطين الأميركيين والغربيين قام بزيارة إلى سوريا مؤخراً، في رسالة دعم وتضامن، وفي تحدٍّ للعقوبات الأميركية والغربية ضدّ دمشق، وقد أجرى موقع الميادين نت مقابلة مع د. بول لارودي، أحد أبرز الشخصيات الأميركية الناشطة في دعم شعوب المنطقة وحقوقها.

  • مقابلة مع بول لارودي (هادي)
    الناشط الحقوقي الأميركي بول لارودي للميادين نت: نريد المساهمة في كسر الحصار المفروض على سوريا

قام وفد من الناشطين الأميركيين والغربيين، في جهد قاده الناشط الحقوقي الأميركي بول لارودي، بزيارة تضامنية إلى سوريا، خلال الأسابيع الأخيرة، تخللها تقديم مساعدات مالية في عدد من المناطق السورية.

ويعرف بول لارودي، وهو متخصص في الألسنيات وأستاذ جامعي سابق، وموسيقي وتقني مجاز عالمياً في صيانة آلة البيانو، بنشاطه السياسي والحقوقي، تضامناً مع الشعوب المضطهدة على مدى عقود، ولا سيما الشعب الفلسطيني والشعوب المحاصرة من قبل الدول الغربية كالعراق وإيران وكوبا وفنزويلا وسوريا واليمن وغيرها.

وقد شارك في تأسيس العديد من الهيئات الدولية الداعمة لحقوق الإنسان في هذه الدول، كان أبرزها "حركة التضامن الدولية"، وحركة "غزة حرة" أو “Free Gaza Movement” و"فلسطين حرة"، ومبادرة "أسطول الحرية" عام 2010 التي هدفت لكسر الحصار البحري الإسرائيلي على قطاع غزة وتعرضت لهجوم من قبل بحرية الاحتلال قبالة شواطئ فلسطين المحتلة.

كما أسس لارودي لفكرة مسيرات العودة الشاملة للشعب الفلسطيني، وأطلق مع آخرين "المسيرة الشاملة إلى القدس"، والتي هدفت إلى الضغط على الاحتلال، عبر مسيرات حاشدة للشعب الفلسطيني من مختلف المدن والمناطق، وتهدف إلى تحدي الاحتلال عبر وضعه بين خياري إطلاق النار على المدنيين أو السماح لهم بالوصول إلى أراضيهم المحتلة.

وبعد اندلاع الحرب في سوريا، نشط لارودي وآخرون في تأسيس منظمة مدنية غير ربحية، مقرها الولايات المتحدة، هدفها دعم الشعب السوري في مواجهته للحصار الأميركي والغربي المفروض عليه، ومحاولة كسر الحصار وحضّ المنظمات الإنسانية العالمية على ذلك، ومواجهة الصعوبات التي أفرزتها الحرب.

وقد أجرت الميادين نت مقابلة مع لارودي خلال قدومه إلى سوريا الأسبوع الفائت، مع ناشطين أميركيين آخرين، تخللها استطلاع لأجواء الزيارة وتفاصيلها، واستشراف لآفاق سياسة الحصار الاقتصادي التي تتبعها الولايات المتحدة ضد الدول التي تعارض سياساتها الخارجية، وتفكيك السرديات الغربية الكاذبة عن قضايا المنطقة، كما تطرقت المقابلة مع لارودي إلى أسباب العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة ونتائجه.

الزيارة إلى سوريا والحراك لكسر الحصار

1- كيف تصف زيارتك التضامنية الأخيرة إلى سوريا قبل أيام، ونشاطك لكسر حصار الولايات المتحدة والعقوبات التي تمنع الآن محاولات مساعدة سوريا على تجاوز الأزمة الاقتصادية؟ وكيف تعتقد أنّ هذا الأمر سيكون مفيداً للشعب السوري؟

لقد قمنا بزيارة ناجحة للغاية في سوريا، وبقدر ما أستطيع أن أقول، لقد أحرزنا تقدماً في هدفنا، الذي لا يزال على نطاق صغير نسبياً لأننا لسنا منظمة كبيرة، وهو أنّنا أظهرنا أنّ منظمة أميركية يمكن أن تتضامن مع الشعب السوري في جميع أنحاء البلاد التي تحررت.

ولكن هذه الأجزاء من البلاد الآن، غادرها العديد من السوريين بسبب افتقارها إلى المزايا الاقتصادية، وبسبب الحرب بالطبع، فلقد كان للحرب تأثير اقتصادي قوي على البلاد.

وقد حصلنا في الولايات المتحدة على الكثير من النداءات لمساعدة السوريين، لكنّ هذه المناشدات جاءت عموماً من المنظمات التي تدعم الأشخاص الذين يعيشون بين الإرهابيين، الذين هم في الغالب من الإرهابيين أنفسهم، أي هيئة تحرير الشام وكل هذه المجموعات الأخرى.

وهكذا عندما يتبرع الناس لهذه المنظمات، فإن أموالهم تذهب أساساً إلى جزء صغير جداً من السوريين، الذين يعارضون الحكومة المركزية، والحكومة المركزية لديها أكثر من 90% من السكان في سوريا الآن، وشعرنا بالحاجة لإظهار ذلك للمانحين، عندما يريدون إرسال أموالهم لمساعدة الشعب السوري، فهناك الكثير من المحتاجين، خاصة بسبب العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة على سوريا، وجميع الدول الأخرى التي انضمت إلى الولايات المتحدة لإحداث هذا الضرر لسوريا. 

لذلك نحن منظمة صغيرة، لكننا نريد أن نظهر أنه حتى منظمة من الولايات المتحدة، بل منظمة في وسط الولايات المتحدة، يمكنها تقديم المساعدة، وأن تتحدى بشكل ما العقوبات المفروضة على سوريا.

ونحن نقوم بذلك من خلال الالتزام الفعلي بقوانين العقوبات، ولكن بإيجاد سبل من خلال قوانين العقوبات، وهذا مهمّ على الأقل لإظهار هذا المبدأ ولتثقيف الشعب الأميركي بشأن قدرته على القيام بذلك، ولكي نبيّن للشعب السوري أننا معه وأننا نريد العمل معه.

’’نريد أن نظهر أنه حتى منظمة من الولايات المتحدة، بل منظمة في وسط الولايات المتحدة، يمكنها تقديم المساعدة، وأن تتحدى بشكل ما العقوبات المفروضة على سوريا‘‘

2- هل استفدتم من قرار الولايات المتحدة تعليق العمل ببعض العقوبات بعد الزلزال؟

لم يحدث فرق كبير بالمجمل، لكنه أحدث فرقاً في حالتنا نحن، لأنّ أحد مبادئ العقوبات هو أنه لا يجوز لنا، على سبيل المثال، توزيع المساعدات من خلال منظمات مثل الهلال الأحمر العربي السوري ومنظمات خيرية أخرى في سوريا، ولأنها منظمات سورية، فإنّ الولايات المتحدة تطلب منا تسليمها المساعدات شخصياً. 

وساعد تعليق بعض مبادئ العقوبات على إعطاء أموال فعلية لمنظمات سورية، وقد جمعنا الأموال للمنظمات السورية وتمكّنا من توزيعها، وهذا هو تفسيرنا للعقوبات. ولكن بشكل عام، على سبيل المثال، فإذا أردنا أن نحرّك الأموال لسوريا، لا توجد طريقة للقيام بذلك بشكل رقمي، لأنه لا توجد علاقات بين البنوك السورية والمصارف خارج سوريا، ومن الصعب جداً إيجاد طرق للحصول على الإمدادات والمساعدات إلى سوريا حتى لو كان لديك الحق في القيام بذلك.

ولم يحصل كذلك فرق تقريباً في مقدار المساعدات التي تذهب لسوريا، إلا تلك الآتية من دول أخرى، فهناك دول أخرى أرسلت إلى سوريا (واستفادت من القرار).

  • مقابلة مع الناشط الأميركي بول لارودي عن سوريا وفلسطين والاحتلال والسياسات الخارجية الأميركية - 1

 

3- كيف تمكنتم من إيصال الأموال إلى سوريا؟ أم أنّ الأمر تم بطريقة سرية؟ 

لا، ليس سرياً على الإطلاق، لقد أحضرت المال معي في يدي، وهذه في الحقيقة، الطريقة التي يقدّم بها معظم المتطوعين خارج سوريا الأموال إلى سوريا، إذ لا يمكنك نقلها إلكترونياً بسهولة، لذلك هذا ما نقوم به نحن، وهي الطريقة الوحيدة.

4- يقودنا الكلام إلى الحديث عن مجمل النشاط الدولي لدعم سوريا ومساعدة الشعب السوري. من الذي يعمل على الأرض الآن ضمن هذا الإطار وكيف؟

حسناً، هناك جزء كبير من الجالية السورية المغتربة التي تحاول مساعدة إخوانها وأخواتها في سوريا، ولكن إضافة إلى ذلك، هناك المزيد والمزيد من السكان الغربيين الذين يعملون لنقل الأخبار عن الأحداث الرهيبة حول ما حدث ويحدث في سوريا. 

رأينا الكثير من الأكاذيب التي تبثّ عن سوريا، ويمكننا إثبات ذلك، ولدينا أدلة على خداع المنظمات الدولية للحماية، مثل قضية حظر الأسلحة الكيمائية على سبيل المثال، فهذه كانت احتيالاً. وأستطيع القول إن الكثير من الأخبار في وسائل الإعلام الغربية هي احتيال، إنها احتيالية بشكل كامل، وتأتي من المعارضة، والمعارضة العنفية والإرهابيين، وكثيرون منهم ليسوا سوريين حتى.

’’قضية حظر الأسلحة الكيماوية على سبيل المثال، هذه كانت احتيالاً، وأستطيع القول إن الكثير من الأخبار في وسائل الإعلام الغربية هي احتيال، إنها احتيالية بشكل كامل، وتأتي من المعارضة، والمعارضة العنفية والإرهابيين ، وكثير منهم ليسوا سوريين حتى‘‘

5- كيف تفاعل الجمهور الغربي مع قضية الاتهامات باستخدام الأسلحة الكيمائية في سوريا، وهل كان الإعلام الغربي قادراً على جعل هؤلاء يعتقدون أن الحكومة السورية استخدمت أسلحة كيمائية؟ 

بالتأكيد تمكّنوا من ذلك، للأسف. ولكن في المقابل، أوضح باحثون مثل آرون ماتي وآخرون أنه لا يوجد دليل على استخدام الحكومة السورية للأسلحة الكيميائية، لكن لا يهم ما هي الحقيقة، لأنّ الولايات المتحدة ضغطت على منظمة حظر الأسلحة الكيميائية للتوصل إلى استنتاج كان ضد اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية، وبتوجيه من المفتشين المحليين، للقول إنّ هناك أدلة على أن الحكومة السورية استخدمت أسلحة كيمائية.

حسنًا، ليس هناك أي شيء من هذا القبيل في الواقع، لكن يكفيهم أن يقولوا ذلك وأن تصل الأخبار إلى الغرب بهذه الطريقة، ويتمّ تجاهل الأدلة. وهذا مخالف للواقع، فلقد أدلى آرون ماتي بشهادته في الأمم المتحدة عدة مرات، ليبيّن أن هذا هو الحال، لكنك لا ترى ذلك في الأخبار الأميركية أو الأخبار الغربية.

المنظمات غير الحكومية التي تعمل في سوريا، مثل الخوذ البيضاء والمنظمات غير الحكومية الأخرى، كان لها أيضاً تأثير فيما يتعلق بكيفية تعامل الجمهور مع هذه الأخبار. في الواقع كانوا هم مصدر الأخبار، الخوذ البيضاء والمنظمات المتحالفة معهم أنفسهم. في الواقع، كانوا المراسلين على الأرض، وأنا أعرف ذلك، وحتى إنني سأخبرك باسم (صحافية متورطة)، وهي صالحة إحسان من شبكة "بي بي سي" البريطانية.

لقد ذهبت (صالحة إحسان) في وقت مبكر من الحرب قبل عشر سنوات، وبقدر ما أستطيع أن أقول، هناك علاقة غريبة بين صنعها فيلماً بطريقة ما، وقيامها برسم جروح وهمية لأغراض تعليم المسعفين كيفية الاستجابة للطوارئ، وبين ذهابها بعد فترة وجيزة إلى تركيا ثم إلى سوريا بشكل غير قانوني، وبعد ذلك بقليل بدأت منظمة الخوذ البيضاء في إنتاج مقاطع فيديو لأشخاص مصابين بجروح وهمية لكسب الاستعطاف، وهذا هو الشيء الذي قاموا به.

وبالطبع، قتل صحافيون في بداية الحرب، وهو الأمر الذي منع الصحافيين الحقيقيين من الذهاب إلى هناك. ونتيجة لذلك، بدأت وسائل الإعلام تعتمد ليس على الصحافيين أو حتى الصحافيين المشهورين، ولكن بالأحرى على المقاتلين أنفسهم، وهؤلاء المقاتلون هم بالطبع مثل الخوذ البيضاء والجماعات الأخرى التابعة للقاعدة.

  • مقابلة مع الناشط الأميركي بول لارودي عن سوريا وفلسطين والاحتلال والسياسات الخارجية الأميركية - 2

سياسة العقوبات الأميركية في العالم

6- كشخص كان ناشطاً لعقود في مجال حقوق الإنسان، ولا سيما في الشرق الأوسط وفي فلسطين وفي سوريا وأماكن أخرى، كيف ترى أن سياسة العقوبات هذه، المتمثلة في استخدام العقوبات ضد الدول والشعوب، ستتطور في السنوات المقبلة أو في المستقبل؟

بخصوص النوايا التي يتمّ التعبير عنها تبريراً للعقوبات، وهي إسقاط الحكومة، لا يمكنني تذكّر أيّ حكومة تم إسقاطها من قبل بسبب العقوبات، فكلّ ما تفعله العقوبات هو المساعدة في تدمير اقتصاد البلد وحياة الناس، وبشكل أساسي الفقراء، كما أنها تؤثر بشكل أكبر على الفقراء في الطب والتعليم والاقتصاد الغذائي، وكل شيء.

وبقدر ما أستطيع أن أقول، فإنّ الغرض من العقوبات هو تدمير بلد ما كدرس مهمّ للبلدان الأخرى، لتقول (الولايات المتحدة) للبلد الآخر "لا تفعل هذا (وإلا أصابك مثلما أصابه)"، ولكن هناك نتيجة مثيرة للاهتمام بدأت بالظهور، فعندما تفرض دولة كبيرة عقوبات على دولة صغيرة، يكون لها بطبيعة الحال الأثر المنشود في تدمير البلد وتحويله إلى عبرة في مثل هذه الحالات.

 ’’لا يمكنني تذكر أيّ حكومة تم إسقاطها من قبل بسبب العقوبات، فكلّ ما تفعله العقوبات هو المساعدة في تدمير اقتصاد البلد وحياة الناس، وبشكل أساسي الفقراء‘‘

ولكن إذا قمت بذلك كثيراً، فستبدأ كل الأشياء الغريبة المفاجئة في الحدوث، وقد كتبت عن ذلك قبل أكثر من ثلاث سنوات، لأن العقوبات سيف ذو حدين، وإذا فرضت الولايات المتحدة عقوبات على سوريا، فهذا الشيء نفسه، في المبدأ، كما لو فرضت سوريا عقوبات على الولايات المتحدة، أي أنه لن تكون هناك تجارة بين البلدين.

حسناً، الآن من الواضح أن تأثير عقوبات سوريا على الولايات المتحدة هو ضئيل جداً على واشنطن، لأنها دولة صغيرة والولايات المتحدة ضخمة، ولن تنضم دول أخرى إلى سوريا في القيام بذلك، لكن الأمر يعمل بطريقة أخرى. 

فإذا استخدمته بكثرة، ماذا يحدث؟ ما يحدث هو أنّ إيران، وهي دولة خاضعة للعقوبات، تبدأ في تصدير النفط إلى فنزويلا، وهي دولة أخرى خاضعة للعقوبات، وتبدأ جميع الدول الخاضعة للعقوبات في تطوير اقتصاد جديد فيما بينها. 

وبالطبع سوريا في وضع خاص، لأنه ليس لديها فقط العقوبات المفروضة عليها، بل لديها أيضاً الجيش الأميركي الذي يستوطن مصدر دخلها الأساسي من حقول النفط في شمال غربي وشمال شرقي البلاد، وهي أيضاً مناطق زراعية، حيث يقوم بتصدير الحبوب والقمح ذهاباً وإياباً من منطقة الفرات.

وبالعودة إلى العقوبات، فإن العقوبات سيف ذو حدين، لأننا الآن نرى كيف بدأت دول أخرى تسأل نفسها "هل أريد الاعتماد أكثر من اللازم على الولايات المتحدة؟".

وحتى الحكومة السعودية، باتت تقبل الآن الدفع من الصين باليوان، وليس بالدولار. وعندما قررت الولايات المتحدة معاقبة روسيا، دمّرت الاقتصادات الأوروبية، لكنها لم تدمّر الاقتصاد الروسي، مع أنّ روسيا في خضم حرب كبرى، وهي تنتصر، والولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي يخسران. 

إذاً هذه هي الطريقة التي يعود بها السيف ذو الحدين أخيراً ليرتد على صاحبه، عندما لم تعد العقوبات فعالة، لأنك تستخدمها كثيراً. 

7- إذاً هل تعتقد أن العقوبات الاقتصادية الأميركية ضد روسيا قد أثرت سلباً بشكل كبير على الاتحاد الأوروبي؟ 

لقد فعلت أكثر من ذلك، أعني أنهم فعلوا ذلك بأوروبا مع كونهم لم يفرضوا عقوبات، لأنّ الولايات المتحدة لم تفرض عقوبات على أوروبا، لكنهم فعلوا بأوروبا شيئاً مشابهاً لما فعلوه بسوريا، عبر قطع إمدادات الغاز عن روسيا، من خلال تدمير إمدادات الغاز من روسيا (نورد ستريم)، مما جعل الحرب الأوكرانية أكثر جدارة بالاهتمام من وجهة نظر الولايات المتحدة، لأنها دمّرت منافساً رئيسياً للولايات المتحدة، وهو الاتحاد الأوروبي.

لذا فإنّ الولايات المتحدة تستفيد بالفعل من الخسارة، إذا أردت القول، لأنني متأكد من أنهم سيخسرون الحرب الأوكرانية في الواقع، لكن من وجهة نظرهم، فهم فازوا، لأنهم دمّروا أوروبا كمنافس، وستستفيد الولايات المتحدة من ذلك، ولا أرى كيف ستتعافى أوروبا ما لم تعلن استقلالها عن الولايات المتحدة، وتقوم بحلّ الناتو، وتطوير سياسة مستقلة تجاه الدول المستقلة الأخرى مثل روسيا وإيران وما إلى ذلك، ولا أرى فائدة لهم في البقاء مع الناتو والحفاظ على هذا التحالف المزعوم مع الولايات المتحدة. 

8- كيف تصف طبيعة عمل المنظمات الإنسانية في ضوء العقوبات الأميركية والدولية ونزعات إشعال الحروب؟ لا سيما مع البلدان المحاصرة مثل كوبا وفنزويلا وسوريا وغيرها؟

لديك عدد معين من المنظمات غير الحكومية التي عملت مع هذه البلدان الخاضعة للعقوبات لسنوات عديدة، مثل كوبا على سبيل المثال، هناك (...) من أجل السلام وآخرون، وهناك عدد قليل جداً من الأطراف المهتمة في الولايات المتحدة، التي لديها علاقات مع فنزويلا وبوليفيا والسلفادور وما إلى ذلك.

بطبيعة الحال ستنظم الولايات المتحدة بالطبع حملة ضد هذه البلدان، لكن هذه المنظمات غير الحكومية تعرف كيف تعمل وأفضل من الولايات المتحدة ومن الحكومة أو من وسائل الإعلام الرئيسية، وسوف تستمر في السعي وراء ما تعتقد أنه في مصلحة العلاقات الجيدة مع هذه البلدان، وفي إفادة مواطني هذه البلدان الخاضعة للعقوبات.

كما أنّ الولايات المتحدة تطور المنظمات غير الحكومية التي أعتبرها "منظمات غير حكومية مزيفة"، أي المنظمات غير الحكومية التي تعيش على الإعانات الحكومية، والتي تقوم بالعمل الذي تريده الحكومة، وتدعم أولئك الذين يسببون المشاكل في هذه البلدان.

ومن الواضح أنّ هذا أيضاً سيستمر على هذا النحو في الحرب مع سوريا، وقد نجحت بالفعل، وفي الحقيقية فإنّ هذا النوع من الأشياء يمكن أن يحدث دائماً وفي كل مكان.

’’الولايات المتحدة تطور المنظمات غير الحكومية التي أعتبرها "منظمات غير حكومية مزيفة"، أي المنظمات غير الحكومية التي تعيش على الإعانات الحكومية، والتي تقوم بالعمل الذي تريده الحكومة.‘‘

لكن من كانت الأجزاء الرئيسية في هذه الحملة ولماذا؟

كانت أبرز المنظمات الناشطة هي تحالف الإستجابة، والتحالف الوطني المتّحد المناهض للحرب التابع للجنة الأمم المتحدة لمكافحة الحرب، وآخرون.. وهؤلاء هم بعض من أكبر الناشطين، ولكن نطاقاً واسعاً شارك معهم ونجح، وذلك لأنهم اعتمدوا أسلوب الضغط على أعضاء الكونغرس بشكل فردي.

وكان هناك أعضاء في الكونغرس من الجمهوريين المحافظين، أفادوا لاحقاً بأنهم كانوا يقولون: "ماذا يمكنني أن أفعل.. المكالمات التليفونية تصلني بنسبة 100 لواحد ضدّ الحرب".. ما جعل (الرئيس الأميركي آنذاك باراك) أوباما أكثر حذراً من قضية التورط المباشر في سوريا.

9- هل تعتقد أن العقوبات أيضا ستؤثر على الانفتاح الآن من سوريا تجاه الدول العربية والدول الأخرى؟

في الواقع الأمر يجري في الاتجاهين، وأعتقد أنّ انفتاح الدول الأخرى على إعادة العلاقات سيساعد سوريا في ممارسة الضغط لتخفيف العقوبات أيضاً، خاصة إذا قررت الولايات المتحدة، كما أعتقد شخصياً، سحب قواتها من سوريا، وخاصة في ظلّ الحرب الأوكرانية.

وعلى ما أعتقد، فإنّ الولايات المتحدة، عندما تجد أنه من الواضح أنها وحلف شمال الأطلسي لن يفوزا بالحرب الأوكرانية، عندها سيتحول الضغط نحو نقل القوات من كامل المسرح الأوروبي وغرب آسيا إلى مسرح الشرق الأقصى، وفي تلك المرحلة، إذا اختفت القوات من سوريا، واستخدمت سوريا حقولها النفطية مرة أخرى وصدرت القمح والحبوب إلى أماكن أخرى، فإنّ لدغة العقوبات ستكون أقل تأثيراً بكثير مما هي عليه الآن، إن وُجدت على الإطلاق.

وسيكون أمام واشنطن إما التخلي عن هذه العقوبات في هذه الحالة، أو جعلها بلا معنى نسبياً، وهذا أملنا على كلّ حال، لكن أعتقد أنه احتمال جديد تنفتح أبوابه الآن.

أوروبا والولايات المتحدة: وطأة الحرب والعقوبات والتبعية السياسية

10- هل تعتقد أن الدول الأوروبية قد تكون قادرة على الخروج من وطأة التبعية للولايات المتحدة، لا سيما بعد الحرب وآثارها؟

نعم أعتقد ذلك، لأنني لا أرى أن الولايات المتحدة لديها الكثير من القوة العسكرية الكافية لإخضاعها، وخاصة عندما نتكلم عن أوروبا كلها.

وواشنطن لا يمكنها حتى تصنيع ما يكفي من قذائف المدفعية للأوكرانيين لمواصلة جهودهم العسكرية ضد روسيا، ولا يمكنها الاحتفاظ بما يكفي من الصواريخ أو أيّ من الأسلحة الأساسية، لدرجة أنه كان من المدهش أن تكون الآلة الحربية في الولايات المتحدة، وجراء حرب واحدة مع روسيا، وهي حرب بالوكالة إذا كان بإمكانك القول، باستخدام الجيش الأوكراني كوكيل لمحاربة روسيا، وهم لم يكونوا قادرين على الصمود أمام قضية تصنيع الأسلحة لمواكبة آلة الحرب الجارية، وهم يستعيرون الأسلحة الآن.

وفي الواقع، هم لا يمكنهم حتى العثور على أسلحة لاستعارتها بعد الآن، فالولايات المتحدة بقدر ما لديها آلة حرب كبيرة، فهي موجهة نحو القوة الجوية والقوة البحرية، وهذه الحرب في أوكرانيا حرب برية، لا تعطي الكثير من الأفضلية للقوة البحرية الأميركية أو للقوة الجوية.

صحيح أنّ لديهم أسلحة عالية الجودة، ولكن ليس الكمية التي تمتلكها الدول الأخرى، وفي حالة الحرب البرية الحقيقية، فوضعهم ميؤوس منه، وليس لديهم الدبابات الكافية، ليس لديهم المدفعية الكافية، وهم غير مستعدين تماماً لحرب برية، لذلك هذه الحرب ستبهت وتختفي شيئاً فشيئاً.

’’يحاول الغرب التأكد من أن جمهور بلاده لا يرون ما يحدث بالفعل، وفي الحقيقة فإنّ الأخبار التي أراها في وسائل الإعلام السائدة في الولايات المتحدة هي بشكل كبير عبارة عن خيال.‘‘

وعلى كل حال، هم يبذلون الآن جهداً يائساً في اللحظة الأخيرة للحصول على نوع من القوات المشتركة، على الأرجح في رومانيا أو في مكان ما من هذا القبيل، ولإرسال بعض الأسلحة، ولكن روسيا منعت ذلك الآن من خلال هجومها الأخير على حدود مولدوفا واستمرار استهداف مراكز الذخيرة والأسلحة الغربية.

يحاول الغرب التأكد من أن جمهور بلاده لا يرون ما يحدث بالفعل، وفي الحقيقة فإنّ الأخبار التي أراها في وسائل الإعلام السائدة في الولايات المتحدة هي بشكل كبير عبارة عن خيال، والنتيجة هي أن الحرب الأوكرانية، على ما أعتقد، ستنتهي بسرعة كبيرة الآن، وستخرج الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي بعيداً عن الطريق الذي كان مرسوماً لهذه الحرب.

والنتيجة باعتقادي ستكون مثل أفغانستان، فعندما سحبت الولايات المتحدة قواتها من أفغانستان، بعد 20 عاماً، لم يكن هناك جدال حول سحب القوات، ولكن حول كيفية سحب القوات. لذلك أعتقد أنه في حالة أوكرانيا، قد يكون هناك نقاش من هذا النوع، ومن المرجح أنّ واشنطن ستقوم بتوجيه وسائل الإعلام بشكل أساسي لتهميش الخبر الأوكراني وعدم الإبلاغ عن أوضاع أوكرانيا بعد ذلك، والتحرك إلى اعتبارات أكثر أهمية مثل تايوان والصين. 

11- كأميركي وكشخص يشارك بشكل كبير في مراقبة ما تفعله الحكومة بهذه الأجزاء من العالم ، كيف تعتقد أن العقوبات مع الحروب الجارية الآن ستؤثر في الداخل على شعب الولايات المتحدة وعلى الاقتصاد الداخلي والنزاعات السياسية بين الأميركيين؟ 

أحد المبادئ في فهم العقوبات، كما ذكرت سابقاً، أنها سيف ذو حدين، فالولايات المتحدة ستعاني في أي علاقة فيها عقوبات، وحين يعلقون العلاقات الاقتصادية مع دول أخرى، لن يمتلكوا القدرة على الوصول إلى السلع والخدمات مع تلك البلدان الآخر، ولن يكونوا قادرين على بيع أي شيء لأسواقها.

وقد كان الاقتصاد المنافس لها هو الاتحاد الأوروبي -هذا على فرض أنه سيبقى اتحاد أوروبي-، وقد كان سجيناً لحلف شمال الأطلسي، واستثمروا بشكل كبير في الناتو من وجهة نظر استراتيجية، ولكن ما وظيفة حلف الناتو؟ كان هدفه هو تهديد الاتحاد الروسي، وقد فعلوا ذلك، والنتيجة ليست في مصلحتهم الآن.

  • مقابلة مع الناشط الأميركي بول لارودي عن سوريا وفلسطين والاحتلال والسياسات الخارجية الأميركية -3

12- ما الذي ستخرج به الولايات المتحدة من الحرب؟

إذا كان الناتو قد عفا عليه الزمن، إذن سيختفي، لكن حلف الناتو أصبح قام بفعل واحد في هذه الحرب جدير بالأهمية عند واشنطن، وهو تدمير خط أنابيب الغاز  نورث ستريم، من روسيا إلى ألمانيا.

وهذا دمر بشكل أساسي الاقتصاد الأوروبي، وكان الأمر مثمراً للغاية من وجهة نظر الولايات المتحدة، لأنه حتى الآن يتم إغلاق المصانع الألمانية وهي معروضة للبيع، والطريقة التي ستعرض بها للبيع هي لإعادة الاستثمار في بلد آخر، أي الولايات المتحدة، التي توفر البنية التحتية اللازمة والوقود اللازم لعمل المصانع، لذلك سيكون هناك الكثير من الألمان العاطلين عن العمل، لكن المصانع الألمانية ستقيم أعمالاً في الولايات المتحدة وتستعيد الأرباح.

أعتقد أن هذه كانت المشكلة الرئيسية التي واجهها ماكرون مع خطة بايدن الاقتصادية الخضراء، فقد كانوا يخشون أن ينقل كل الصناعات من أوروبا إلى أميركا للاستفادة مما أطلقه بايدن من التسهيلات الجديدة للصناعة. 
بالضبط، ولكن الولايات المتحدة عادت ووجدت طريقة لفرض القضية على أوروبا وإجبارها على القبول بها.

"إسرائيل" تنفجر من الداخل

13- إلى أين تتجه العدوانية الإسرائيلية تجاه العرب والفلسطينيين؟ وما أفقها في ظل تأثيراتها على هوية كيان الاحتلال؟

للأسف، أعتقد أنّ عداء "إسرائيل" تجاه العرب بشكل عام والفلسطينيين بشكل خاص يتزايد، وسوف يزداد أكثر لأن "إسرائيل" تعتمد الآن أكثر من أي وقت مضى على مكوناتها الأكثر عنصرية، وهو ما بات يتزايد بسرعة بين مستوطنيها، في حين أن عدد سكان ما يسميه بعض الناس العناصر الأكثر اعتدالًا لا يتزايد بسرعة، أو ربما يتناقص.

ولقد ترك ذلك أثراً على قسم من المستوطنين في "إسرائيل" بالفعل، لأنهم لا يريدون أن يعيشوا في مثل هذه الظروف، وبالتالي فإن النتيجة هي أن "إسرائيل" ستعتمد أكثر فأكثر على هذه المكونات العنصرية، وستصبح نوعاً من قلعة لليمين المتطرف العنصري، وإذا حدث ذلك، فسوف يتسببون بالطبع في ضرر كبير للفلسطينيين، وربما لجيرانهم العرب أيضاً، وهم يستهدفون الآن كل أسبوع مرة أو مرتين سوريا لتدمير هدف ما فيها.

’’"إسرائيل" ستعتمد أكثر فأكثر على هذه المكونات العنصرية، وستصبح نوعاً من قلعة لليمين المتطرف العنصري، وإذا حدث ذلك، فسوف يتسببون في ضرر كبير ليس للفلسطينيين فقط، بل لجيرانهم العرب أيضاً.‘‘

ولكن في نفس الوقت، سوف يؤدي الأمر إلى خسارة، أو دعنا نقول إنّ العناصر الليبرالية من الجالية اليهودية، وحتى من المجتمع الصهيوني والناس الذين يطلقون على أنفسهم الصهيونيين، هؤلاء كذلك سيشعرون بالاشمئزاز من الأمر ولن يدعموا التوجهات اليمينية المتطرفة، لذلك أعتقد أنه ربما ستدمر "إسرائيل" نفسها حقاً.

وفي الواقع، من وجهة النظر الفلسطينية، فإن وجود حلفاء من جميع أنحاء العالم والحصول على تأييد الرأي العام أمر جيد بالطبع، لكنه ليس بالضرورة ما سيحرر فلسطين.

يمكن للفلسطينيين إما أن يحرروا أنفسهم من خلال تضحيات كبيرة، أكبر مما قدموه بالفعل حتى الآن، أو عليهم فقط انتظار أن تنفجر "إسرائيل" من الداخل، وأعتقد أن المشروع الصهيوني في طريقه بالفعل نحو الانهيار والاختفاء.

السياسة الداخلية الأميركية وتداعياتها الخارجية

14- هل تتشارك الولايات المتحدة الأميركية سمات الانقسام الداخلي والتفتت مع كيان الاحتلال، لا سيما أنّ كليهما بلدان قائمان على إحلال شعوب مكان شعوب أخرى واحتلال أراضيها؟ أم أنّ الأمر مختلف؟

نصف القارة الأميركية أرض محتلة، إنها ملك خاص وقد سُرقت كلها من السكان الأصليين لأميركا الشمالية والجنوبية، لذلك نحن مدينون بدين كبير للسكان الأصليين، وأعتقد أن الطريقة الوحيدة لإزالة ذلك الدين هو أن نقول لهم إنّ هذه الأرض لكم، وإذا سمحتم لنا بالبقاء هنا، فسوف نعيش وفقاً لقواعدكم.

الآن، وبطبيعة الحال لن يحدث هذا أبداً، لن يحدث. ولكن لسوء الحظ، قامت الولايات المتحدة وكندا ودول أخرى بالقضاء على السكان الأصليين بشكل فعال، و ما تبقى منهم بطريقة أو بأخرى عبارة عن شعوب غير متجانسة، وهم جميعاً تخلوا عن وطنهم، وطنهم السابق، ولديهم وطن جديد الآن، لذلك من الصعب القول إنّ هناك احتلالاً وشعباً أصلياً رافضاً له في الولايات المتحدة.

ولكن هناك أشياء أخرى أعتقد أنها تفرق المجتمع الأميركي بشكل جدي اليوم، وهذه الأشياء اقتصادية بشكل أساسي. اليوم يوجد تزايد في معدلات البطالة، والتشرد، والمجتمع الأميركية غير ودي للغاية، ولا يهتم في كثير من الأحيان ببعضه البعض. بالفعل لا يوجد لديه إحساس بالعمل معاً، ولن أبالغ أو أعمم، فهناك مجتمعات أميركية حاول أن تفعل ما هو أفضل من ذلك، لكنها ليست جزءاً أساسياً من البلد بأكمله، وهذا يقلقني كثيراً، لأنني كنت أعتقد أننا نسير في اتجاه جيد، خاصة عندما كنت في الستينيات.

اليوم في الولايات المتحدة بشكل خاص، بدأ شحن الوظائف إلى الخارج من أجل زيادة أرباح الرأسماليين الشخصية، وهذا النوع من الأشياء، وصحيح أنه كانت هناك أوليغارشية في الماضي استغلت العمل والأرض، لكنها شعرت أيضاً بالفخر في البلاد، وبالالتزام تجاه المجتمع، وكانوا فخورين بأن الناس يعيشون بشكل جيد، لكنهم لم يعودوا موجودين إلى حد كبير اليوم.

  • مقابلة مع الناشط الأميركي بول لارودي عن سوريا وفلسطين والاحتلال والسياسات الخارجية الأميركية -4

15- ما هي المعالم الأساسية للاقتصاد الأميركي اليوم؟

الآن يدور اقتصاد الدول حول كل هذه الحروب والعقوبات وتدهور العولمة أيضاً، والحرب ضد الصين التي تتطور الآن. تحتاج الولايات المتحدة إلى هدف جديد لأنهم يخسرون في أوكرانيا، ولذا عليهم الانتقال إلى مسرح آخر، إذا صح التعبير.

وهم ليس لديهم الصناعات والقدرة على مواصلة هذه الحرب في أوكرانيا، ولا أعرف ما الذي يفكرون به حول كيفية فوزهم في حرب مع الصين، لكن الحرب هي ما يجعل الاقتصاد الأميركي يدور، ويوحّد البلاد إلى حد معين، للأسف طبعاً.

والحرب تسمح للولايات المتحدة باقتراض المزيد من الأموال، وإلى حدّ ما بفرض ضرائب على الشعب الأميركي، وهذا يعطي سبباً ويصوّر الأمر على أنّ هناك قضية ما. إنها طريقة لإظهار الشعب الأميركي على أنه يدافع عن البلاد عبر إنفاقه على هذه الصناعات والشركات، إذا صح التعبير.

’’الحرب تسمح للولايات المتحدة باقتراض المزيد من الأموال، وإلى حدّ ما بفرض ضرائب على الشعب الأميركي، وهذا يعطي سبباً ويصوّر الأمر على أنّ هناك قضية ما.‘‘

ولكن لا يوجد قدر كافٍ من أسلحة الولايات المتحدة لتحقيق طموحاتها، كما قلت من قبل، فإمّا أنها غير موجودة إلى الحد الذي كانت عليه في السابق ضمن مستويات لازمة من الأسلحة والقدرة، أو أنها باتت أكثر تخصصاً وباهظة الثمن، وتحتاج إلى ضخ الأموال في المجمع الصناعي العسكري.

ويؤسفني أن أقول إن الأميركيين لا يعتقدون أنّ الحكومة تعمل بطريقة ما نيابة عنهم، وعلى الأقل ما يكفي منهم، فعلى سبيل المثال، لم تشهد الولايات المتحدة إضراباً عاماً في جميع أنحاء البلاد في تاريخها، كما شهدت مثلاً إيطاليا واليونان وفرنسا وحتى هولندا إضرابات عامة شاملة.

لكن الولايات المتحدة لم تفعل ذلك أبداً، فالشعب غير موحد، وهذا أحد أسباب تقسيمهم إلى 50 دولة أو ولاية، وهو ما منع توحيدهم، وهم منقسمون سياسياً أيضاً، ولست متأكداً من أنّ الانقسامات العرقية ما تزال عاملاً أساسياً، لكنها عامل لا شك في أنه مؤثر كذلك.

ولكن في بعض الحالات، لا يزال الانقسام على أساس العرق والاختلاف العرقي، وخاصة بين الأميركيين من أصل أفريقي وبقية الأميركيين، عميقاً للغاية، وهذه ما يقسم الأميركيين، وأنا أجد صعوبة في تخيل أنهم سيتحدون ضد حكومتهم في يوم من الأيام. 

  • مقابلة مع الناشط الأميركي بول لارودي عن سوريا وفلسطين والاحتلال والسياسات الخارجية الأميركية - 5

16 - هل لديكم نقابات عمالية أميركية نشطة؟ 

نعم لدينا نقابات عمالية، وبعضها معرض للخطر، وقد انخفض عدد النقابات، وعضوية الاتحاد في انخفاض مستمر، وقد تكون أقل من 10٪ الآن. ولست أدري بالتحديد الأسباب ولكن العمال ليسوا عاملاً مؤثراً في الاقتصاد الأميركي. 

17- هل تعتقد أن لدينا سيناريو محتمل بأن تصبح الولايات المتحدة أقل اهتماماً بـ"إسرائيل"، وأنّ هذا قد يساعد في حل القضية الفلسطينية، وقد يكون هذا في صالح للفلسطينيين ومقاومة الفلسطينيين؟

بالطبع لن أعول على ذلك، لأن قوة اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة كبيرة جداً.

إنهم عنصر في كل جزء تقريباً من هيكل السلطة، سواءً بشكل متعمد أم لا، ونتيجة لذلك، أود أن أقول إنّ الإسرائيليين هم إحدى جماعات الضغط الرئيسية في الولايات المتحدة.

نائبة رئيسنا (كامالا هاريس)، على سبيل المثال، التقيت بها عندما كانت محامية مقاطعة سان فرانسيسكو، كانت قد عادت لتوها من أسبوع في "إسرائيل" حيث تمت دعوتها واستضافتها، ومن الواضح أنهم اختاروها لتكون شخصية سياسية مرموقة، لذا انتقلت مباشرة من منصب المدعي العام لمقاطعة سان فرانسيسكو لتصبح مدعية عامة لولاية كاليفورنيا، وفي كلّ مرّة تمّ انتخابها مرة واحدة فقط في كلّ من هذه المناصب، ومن ولاية كاليفورنيا ثم نائب الرئيس، وكلّ ذلك في هامش وقت قصير جداً.

الصهاينة جزء مهم من ذلك، ولديهم الوسائل ويملكون المال وما إلى ذلك، ولكن اللوبي الصهيوني ليس "كلي القدرة"، ويمكن هزيمتهم، لكنهم أقوياء جداً، ولذا فأنا لست واثقاً تماماً من أن الولايات المتحدة ستتخذ قراراً بالتخلي عن "إسرائيل"، لأن "إسرائيل" لها جذورها في هيكل القوة الأميركي.

وأنا في نفس الوقت واثق من أن هذا سيختفي بسهولة، لأنّني أعتقد أن الصهاينة قد يدمرون أنفسهم، وهذا سيعني أن قاعدتهم في الولايات المتحدة والصهاينة الموجودين في الولايات المتحدة سينبذونهم. سيبدأ هيكل السلطة في القول "لا نريد أن نرتبط بهذه المجموعة بعد الآن"، وسيكونون قبيحين للغاية وسيئين للغاية كجماعة، مثل النازيين أو شيء من هذا القبيل، لذلك هذا شيء يمكن أن يقطع سلطتهم.

الفلسطينيون لديهم القدرة على تحرير أنفسهم

والشيء الآخر هو أن الفلسطينيين هم لديهم القدرة على تحرير أنفسهم. ولا أحد لديه هذه القوة سوى الفلسطينيين أنفسهم، لكنها تتطلب تضحيات هائلة من الفلسطينيين، وأنا لا أقصد التضحية من حيث الرغبة في القتل، ولكن من حيث الرغبة في الموت من أجل الهدف، وآمل ألا يكون موت، وفي الواقع أنا أميل إلى الاعتقاد بأن هذا لن يتطلب ذلك.

ولكن يجب أن يكونوا مستعدين للتحمل، فهناك الكثير من الفرص الكبيرة، وعليهم أن يأخذوها كمجموعة موحدة بأعداد هائلة، فقد ذهب الفلسطينيون في الماضي إلى القدس وأماكن أخرى مجتمعين عبر حشود كبيرة وسلمية، وعندما يفعلون ذلك، كما حصل في جنازة فيصل الحسيني، تتنحى السلطات الإسرائيلية جانباً.

’’لقد ذهب الفلسطينيون في الماضي إلى القدس وأماكن أخرى مجتمعين عبر حشود كبيرة وسلمية، وعندما يفعلون ذلك، كما حصل في جنازة فيصل الحسيني، تتنحى السلطات الإسرائيلية جانباً.‘‘

وإذا تم القيام بذلك بما يكفي مع عدد كافٍ من الناس في غزة مثل مسيرة العودة الكبرى، على سبيل المثال فهي كانت جيدة، باستثناء أنني أعتقد أنه ربما لو حاولوا نقل 20 ألفاً أو 50 ألفاً أو 100 ألف شخص إلى القدس. كان بإمكانهم فعل ذلك، على ما أعتقد، لأنهم لا يعطون أي سبب لأيّ شخص لإيقافهم.

  • مقابلة مع الناشط الأميركي بول لارودي عن سوريا وفلسطين والاحتلال والسياسات الخارجية الأميركية - 6

18- قد يتفق معك كثيرون على العناوين العريضة لهذه الأفكار، ولكن ما هي شروط نجاحها؟

هذه بعض الأفكار، لا أعرف ما إذا كانت مفيدة، لكن الأمر يتطلب الوحدة، وبالطبع سيحاول الصهاينة الحفاظ على تفكك الفلسطينيين وتقسيمهم قدر الإمكان، وهذا أمر متروك للفلسطينيين لفعل ذلك، وأعتقد أن مصيرهم بأيديهم، لكنه أكثر صعوبة من نتخيل.

فأنا أتذكر، على سبيل المثال، في الولايات المتحدة، أن السكان الأصليين في الولايات المتحدة حاولوا التوحد مرة أو أخرى، ولكنهم فشلوا، والنتيجة هي أن الولايات المتحدة قد تمّ تطهيرها عرقياً من سكانها الأصليين، وأرى أن ذلك هو ما تسعى "إسرائيل" لفعله بالفلسطينيين.

وبالطبع، لا يحق لأحد غير فلسطيني أن يستاء من أي شيء يفعله الفلسطينيون لتحرير أرضهم. أنا أدعم الفلسطينيين في كل ما يفعلونه لتخليص أنفسهم من الاحتلال، ولكن من الواضح أن كل ما فعلوه لم يكن كافياً، لأنهم لم يتحرروا بعد.

وهذه رسالة، وهي تعني أنه لا بد من بذل جهد أكبر، والاستراتيجيات الجديدة ضرورية، ويمكننا دائماً أن نقدم أفكاراً ودعماً، وهذا كل ما يمكن لأي منّا، غير الفلسطينيون، القيام به، وإذا طلب منا المساعدة، فسنقدم أي شيء يمكننا تقديمه، لكن أعتقد في النهاية أن الأمر متروك للفلسطينيين.

19- هل أنت متفائل بشأن التضامن مع فلسطين، في جميع أنحاء العالم، وخاصة في الولايات المتحدة؟

 نعم، أعتقد أن التضامن مع فلسطين يتزايد في كل مكان، وهذا كله جيد جداً، وأعتقد أنه مفيد وضروري، ولكنه غير كافٍ، فالتضامن سيساعد الفلسطينيين في جهودهم لتحرير أنفسهم، وأعتقد أن جهودهم ستزيد من الدعم لفلسطين كذلك.

لا أحد يقول إنّ الأمر سهل، إنه صعب للغاية، لكنّ النجاح ممكن. 

السيد لارودي، كانت هذه مقابلة غنية جداً، وأنا سعيد جداً لأننا أتيحت لنا الفرصة للقيام بذلك، شكراً جزيلاً على وقتك، وأقدر ذلك، وبالنيابة عن الميادين نت، شكراً لكم على وقتكم ونأمل أن نراكم أكثر في لبنان وفي سوريا وفي منطقتنا، داعمين دائماً لأهل هذه المنطقة.

أشكرك على دعوتك، لقد عملت مع المجتمع اللبناني لسنوات عديدة وفي هذا الجزء من العالم، وتزوجت من لبنان، وأشعر أنّ هذه المنطقة جزء مني الآن، وعلي أن أفعل ما بوسعي للعمل لصالح الجميع في هذا الجزء من العالم وما وراءه.

اخترنا لك