انتقادات تطال الجيش الروسي بعد الانسحاب من ليمان

روسيا تتخلى عن مواقعها في كراسني ليمان، والرئيس الشيشاني رمضان قاديروف يحمّل قائد المنطقة العسكرية المركزية العقيد الكسندر لابين المسؤولية.

  • موسكو
    تسعى القوات المسلحة الأوكرانية إلى توسيع مساحة إنجازها وتثبيت مواقعها 

تخلت القوات الروسية بعد منتصف يوم الأول من تشرين الأول/أوكتوبر عن كراسني ليمان بعد مواجهات غير متكافئة وصفت بالأعنف منذ خرق بالاكلايا إيزيوم، فقد أقر المتحدث بإسم الدفاع الروسية اللواء إيغور كونوشينكوف خسارة ليمان العملية.

القوات الروسية والشعبية الحليفة صمدت رغم قلة عديدها ولم تتخل عن مواقعها خلال يوم توقيع انضمام الأقاليم الأربعة للإتحاد الروسي التاريخي، لكنّ مجريات المواجهة كانت تؤشر إلى خسارة القوات الروسية في ليمان والانتقال إلى خط تموضع بديل يضمن طريق الحياة الذي كان قائماً بين سفاتوفا (شمال شرق) وليمان، ويضمن الربط بين جبهات الوسط وجنوب الدونباس والجبهات الجنوبية.

وبحسب المراقبين الميدانيين، ستسعى القوات المسلحة الأوكرانية في المقابل إلى توسيع مساحة إنجازها وتثبيت مواقعها في هذا الاتجاه قبل وصول وحدات التعبئة الروسية. وتشير المعطيات إلى أنّ الأركان الأوكرانية بدأت بإرسال تعزيزات كبيرة إلى هذا المحور للإسراع في المبادرة لتحويل إتجاه الهجوم الى الشمال الشرقي بإتجاه سفاتوفا بهدف قطع طريق الإمدادات الروسية القادمة.

الهجوم الأوكراني التالي يتركز على 3 محاور، الأساسي منها يأتي من بوروفايا وريدكودوب يدعمه تقدم أوكراني من دفوريتشي  وكوبينسك للسيطرة على سفاتوفا من 3 إتجاهات. والأركان الأوكرانية تهدف إلى تحقيق خرق لحدود جمهورية لوغانسك الشعبية المحررة، و تهديد العاصمة لوغانسك من إتجاه كريمينوي، الأمر الذي إن تم سيشكل خطراً على لوغانسك، و يعرقل خط امدادات الجبهات الروسية والربط ما بين القطاع الأوسط ومحاور الإتجاهات الجنوبية.

في المقابل، خيار هجوم القوات الأوكرانية على ليمان حصل بعد فشل تلك القوّات في تطوير تقدّمها باتّجاه أراضي جمهوريتي الدونباس المحررة إنطلاقاً من إيزيوم التي حققت فيها خرقاً إلا أنّها تكبدت خسائر فادحة منعتها من التقدم، فكان الخيار البديل السيطرة على ليمان ومحاولة خرق حدود لوغانسك من هذا الاتجاه.  إلاّ أنّ القوات الأوكرانية خسرت 3 أسابيع ثمينة من المناورة، فعامل الوقت لم يعد في مصلحتها وقبل وصول قوات التعبئة الروسية الجديدة يمكنها تنفيذ عملية أخيرة و هي السيطرة على سفاتوفا. 

في الوقت الراهن تستمرّ محاولات القوات الأوكرانية في تحقيق تقدم على محاور جبهة خيرسون و زاباروجيا، أو بحسب بعض المراقبين إنّ التحرك الأوكراني بإتجاه زاباروجيا وخيرسون يهدف لمنع القوات الروسية من إرسال الدعم باتجاه الشمال حيث تدور المواجهات العنيفة في محيط ليمان التي باتت بالأمس بيد القوات الاوكرانية.

فقد شنت القوات المسلحة الأوكرانية هجوماً بالدبابات في منطقة خيرسون – إلاّ أنه على الفور توجهت إحتياطيات تشكيلات القوات الروسية إلى نقطة الهجوم ووفقاً للمعلومات الميدانية، تقدّمت كتيبة الدبابات الأوكرانية الأولى تدعمها كتيبة المشاة الأولى من نوفوفورونتسوفكا بإتجاه خريشينوفكا وليوبيموفكا الأمر الذي تم كشفه بسرعة من قبل طائرات الإستطلاع الروسية، و سرعان ما تعاملت المدفعية والقوات الصاروخية الروسية مع هذا التقدم ما أدى لضعضعة وتشتت القوات المهاجمة وإحتمائها في مواقع متباعدة. 

ولا بد من قراءة موضوعية ودراسة الأخطاء التي أدت لسقوط ليمان وقبلها بأسابع ثلاثة إيزيوم –بالاكليا، فمناشدات مجموعة كبيرة من القيادات العسكرية والشعبية طالت منذ بداية العلمية العسكرية بإعلان التعبئة في الوقت الذي كان الغرب مجتمعاً يعمل على تدريب وتسليح مئات آلاف الجنود الأوكرانيين، ما أسفر عن تفوق عددي فضلاً عن الدعم اللوجستي و إمدادات السلاح الغربي الهائلة.

كان من المنطقي أنّ الحل الوحيد لمواجهة هذا الحشد الغربي المتصاعد هو إعلان التعبئة وتوفير كل مستلزمات الجبهات لتحقيق الأهداف المعلنة للعملية العسكرية. قد تكون القيادة الروسية قد تأخرت في إعلانها لأسباب منها عدم التورط المسبوق والانجرار إلى عملية إستنزاف يريدها الغرب قبل الخريف والشتاء، وهو توقيت ترى فيه القيادة العسكرية والسياسية الروسية إمكانية لإمتلاك تفوق تفرضه العوامل الطبيعية،  إلاّ أنه بحسب المثال الروسي الشهير "أن تأتي متأخراً خير من أن لا تأتي!". 

في هذا السياق أتت تصريحات الرئيس الشيشاني رمضان قاديروف دلالةً على وجود خلل لا بد من تداركه في استراتيجيّة خوض المعركة، مع استبعاد الخبراء المطلعين مع عدم نفيهم إمكانية التدحرج لخوض حرب تستخدم فيها الأسلحة النووية التكتيكية. 

وبحسب تغريدات الرئيس الشيشاني، فإنّ سقوط ليمان يقف خلفه قائد المنطقة العسكرية المركزية العقيد الكسندر لابين الذي قُلد ميدالية بطل روسيا لـ"نجاحه" في السيطرة على ليسيتشانسك، على الرغم من أنه لم يكن موجوداً في أرض المعركة حين سيطرت القوات الروسية على ليسيتشانسك. لابين تسلم قيادة المنطقة العسكرية الغربية بعدها. 

العقيد لابين نشر في محيط خطوط دفاع ليمان مقاتليه من تعبئة جمهورية لوغانسك الشعبية ووحدات أخرى، إلاّ أنه لم يزودهم بوسائل الإتصال اللازمة، ولم يؤمن لهم إمكانية التفاعل، وتلقي الإمداد بالذخيرة من القطاعات المجاورة. وتوقع قاديروف حصول هذا الخرق بعد تلقيه معلومات منذ اسبوعين من اللواء قائد القوات الخاصة الشيشانية "أحمد" أبتي علائدينوف. قاديروف أبلغ بدوره رئيس الأركان العامة المسلحة للقوات الروسية فاليري غيراسيموف، الذي لم يشكك في مهارة وموهبة العقيد لابين القتالية، نافياً إمكانية حصول إنسحاب من كراسني ليمان!

وبعد أسبوع من إبلاغ قاديروف الأركان العامة المسلحة بالخطر المحدق بليمان، نقل العقيد لابين مقر قيادته إلى ستاروبيلسك في لوغانسك على بعد 150 كلم من مكان تموضع قواته في محيط ليمان! و اتخذ مقراً له في مدينة لوغانسك. يقول قاديروف:" كيف يمكن للعقيد لابين إدارة قواته بشكل عملي فعال من على بعد 150 كلم؟! في ظروف انعدام توفر الدعم اللوجستي العسكري فقدنا عدداً من المناطق السكنية والبلدات ومساحة كبيرة من الأرض".

المؤسف بحسب الرئيس الشيشاني، ليس افتقار العقيد لابين للمهارة والخبرة، بل المشكلة تكمن في تغطيته من قبل قيادة الأركان العامة. ولو عاد الأمر لقديروف، بحسب ما ورد في تغريداته، لجرد هذا العقيد من رتبه وميدالياته العسكرية وأعطاه بندقية آلية وأرسله إلى خطوط الجبهات الأمامية ليغسل عاره بالدم. 

وأضاف قاديروف: "المحسوبيات في الجيش لن تؤدي إلى ما يحمد عقباه، من الضروري تعيين قادة في الجيش ذوي شخصية قوية ومتمسكين بالمبادىء، ويتمتّعون بصفات الشجاعة، يقلقون على مقاتليهم ومستعدون للذود عنهم بأسنانهم، يدركون أنه لا يمكن ترك الجندي المقاتل من دون دعم أو مساعدة، فلا مكان للمجاملة في الجيش خصوصاً في الأوقات العصيبة."

ويستمر قاديروف في تغريداته قائلاً: "ألم يكفينا ما حصل في إيزيوم؟ حينها قلت أطلقوا النار على تجمعات العدو في المناطق التي إحتلها الفاشيون في إيزيوم، خصوصاً وأن مدفعيتنا في ذلك الوقت كانت لديها مثل هذه الفرصة، كان بالإمكان التخلص من أتباع الشياطين والفاششيين، علينا تصفية القوات المسلحة الأوكرانية بما تعنيه الكلمة من معنى لا أن نغازلهم و نلعب معهم. علينا استخدام كافة الفرص و كافة الأسلحة للدفاع عن أراضينا، فلا تزال دونيتسك تتعرض للقصف وسكان الأقاليم الأربعة المنضمة لروسيا يطلبون الحماية".

وأضاف: "لا علم لي بما تقدمه الدفاع الروسية من تقارير للقائد العام للقوات المسلحة، إلا أنه برأيي الشخصي لا بد من اتخاذ مزيد من الإجراءات الصارمة، حتى لو تطلب الأمر تطبيق أحكام حالة الحرب في المناطق الحدودية واستخدام أسلحة نووية محدودة القوة (أسلحة نووية تكتيكية). يجب أن لا تتّخذ القرارات مع التركيز على حسابات المجتمع الغربي - الأميركي فهم قد أعلنوا الكثير من العدائية ضدنا".

 وختم قائلاً: "بالأمس عرض عسكري في إيزيوم، واليوم يرفعون العلم فوق ليمان، فغداً ماذا سيحصل؟".

حلف الناتو يحاول التمدد باتجاه الشرق قرب حدود روسيا، عن طريق ضم أوكرانيا، وروسيا الاتحادية ترفض ذلك وتطالب بضمانات أمنية، فتعترف بجمهوريتي لوغانسك ودونيتسك، وتطلق عملية عسكرية في إقليم دونباس، بسبب قصف القوات الأوكرانية المتكرر على الإقليم.

اخترنا لك