"التواصل الاجتماعي" يُقلق الحكومة الفرنسية.. دوره في الشارع ومحاولات التقييد
التفاعل في منصات التواصل الاجتماعي بعد حادثة مقتل الشاب نائل يقلق الحكومة الفرنسية، فهل تستجيب كبرى شركات ومواقع التواصل لطلب الرحمة الفرنسي ؟
بدا واضحاً قلق المسؤولين الفرنسيين بشأن ما يحدث في منصات التواصل الاجتماعي، من نشر لمقاطع الفيديو، والبث المباشر المتواصل، من الشوارع ومختلف الأحياء، على نحو يُبرز أعمال الشغب والاحتجاجات المستمرة والاشتباكات بين المحتجين والأمن الفرنسي، بعد مقتل الشاب نائل على أيدي قوات الشرطة الفرنسية.
زحمة أخبار ومشاهدُ تصدَّرت مختلف منصات التواصل الاجتماعي، ولا سيما في تويتر وسناب شات وإنستغرام وتيك توك. مئات مساحات البث المباشر تجتاح الصفحات لتنقل أعمال الشغب من مختلف شوارع البلاد ومدنها. لا تهدأ تلك المنصات لنقل واقع ميداني يبدو أنه الأعنف منذ إضرابات عام 2005، يوم شهدت البلاد أياماً متواصلة من الشغب والاحتجاج عقب مقتل شابَّين، هما بونا تراورى، البالغ من العمر 15 عاماً، وزياد بنة، ابن الأعوام الـ17، في إثر حادث صعق بالكهرباء بعد دخولهما محطة فرعية للكهرباء في منطقة كليشي سو بوا في أثناء فرارهما من الشرطة.
يتباين مشهد الشغب الميداني بين عام 2005 واليوم. آنذاك، كان محصوراً في رقعة جغرافية تمثل الفقراء والمهاجرين عموماً. أمّا اليوم فتجاوز تلك المناطق، ليصل إلى مختلف الشوارع والأحياء بما فيها تلك الشوارع الهادئة، والتي لا تستقطب صخباً. حتى قلب العاصمة لم يسلم!
لا يقتصر التباين على المشهد الميداني، بل يتعدى ذلك ليشمل أيضاً حضور منصات التواصل الاجتماعي، التي لم تكن موجودة عام 2005، بينما تمثل اليوم أكبر التحديات التي ترافق أعمال الشغب، والتي تواجه الدولة الفرنسية.
اقرأ أيضاً: الرئيس الفرنسي يؤجّل زيارته ألمانيا.. ووزير العدل يتوعّد رواد مواقع التواصل
لم تنتشر عام 2005 صور الحادثة، ولم توثَّق الحادثة التي وقعت، وهذا ما جعل الأمر محط اختلاف وتجاذب كبيرين بشأن تصديق الروايات التي انتشرت أنذاك. أما اليوم فعدسة الكاميرا وثقت المشهد من زوايا متعددة، وجعلت موقف الدولة الفرنسية أكثر تعقيداً وسوءاً. فالحادثة الموثَّقة بالصورة والفيديو لا يمكن مجابهتها. وما يزيد في الأمر سوءاً بالنسبة إلى الأمن، هو منصات التواصل الاجتماعي.
مشهد الحادثة انتشر كالنار في الهشيم. بات يتصدر مختلف المنصات، ويتم تداوله على نطاق واسع، ليس فقط في الجغرافيا الفرنسية، وإنما انتشر عالمياً، ويسستثير فئة كبيرة من الشبان المهاجرين، ويستدعيهم من أجل النزول والغضب والاحتجاج أينما كانوا، وهذا ما ساهم في توسع رقعة الغضب في مختلف المدن الفرنسية، حتى تلك التي عُرفت بهدوئها.
إلى جانب الانتشار السريع الذي أمَّنته منصات التواصل الاجتماعي، ساهمت تلك المنصات في جذب شرائح جماهيرية صغيرة في السن، بحيث شاركت في الاحتجاجات فئات عمرية يصل عمر بعضها إلى 13 عاماً، كما أكد وزير الداخلية الفرنسي، جيرالد دارمانان، في مقابلته عبر قناة tf1 الفرنسية، لافتاً إلى أن معدل أعمال الذين أُلقِي القبض عليهم، ليل الخميس الجمعة، وعددهم 917 شخصاً، هو 17 عاماً.
وهذا أمر طبيعي، ولا سيما أن منصّات التواصل الاجتماعي الأكثر استخداماً في نقل في هذا الحدث تُعَدّ منصات مخصصة للفئة العمرية المتراوحة أعمارها بين 15 و30 عاماً، ولا سيما عندما نتحدث عن سناب شات وإنستغرام وتيك توك، بحيث يُفتح الهواء مباشرةً، وتنقل عدسات المحتجين لحظات الغضب والشغب عند حدوثها، بالإضافة إلى مئات حسابات تويتر التي تنشر موادَّ لحظة بلحظة، وتواكب المتغيرات الميدانية بسرعة تفوق ما تنقله وسائل الإعلام الفرنسية.
اقرأ أيضاً: الاضطرابات في فرنسا تتصاعد.. واعتقال نحو ألف شخص في ليلة واحدة
واضحاً يبدو القلق في وجه وزير الداخلية الفرنسي عند سؤاله عما يحدث في منصات التواصل الاجتماعي، كأنها سبب أساسي في كل ما يجري، الأمر الذي استدعى إعلانه جملة من الإجراءات التي اتخذتها الحكومة الفرنسية لمحاولة ضبط الأمور وتقليص إمكان الإتاحة والانتشار في المنصات لكل "ما يساهم في نشر العنف ويخالف قوانين الجمهورية"، على حد تعبيره.
يؤكد جيرالد أنه تواصل مع الوزير المنتدب لمتابعة الشؤون الرقمية، جان نويل بارو، بغية توليه متابعة التنسيق والتواصل مع إدارة المنصات، من أجل "ضبط ما يحدث، وفتح الباب أمام التعاون لكشف وملاحقة كل من يسيء إلى الجمهورية الفرنسية، أو ينشر محتوى عنف". والتقى هذا اليوم جيرالد وبارو ممثلين عن سناب شات وميتا وتيك توك وتويتر، وطالبوهم بحذف ما وصفوه بـ"المحتوى العنفي".
View this post on Instagram
ملامح الاستياء بدت واضحة في تصريح لوزير العدل الفرنسي، إريك دوبوند موريتي، اليوم السبت، بحيث توجه إلى رواد مواقع التواصل الاجتماعي والناشطين، الذين يعمدون إلى نشر المحتوى، ولا سيما في سناب شات، قائلاً: "سنلاحق الحسابات المحرضة، وسنعرف أصحابها ومواقعهم، وسنصل إليهم".
قرارات تفتح الباب أمام جملة من التساؤلات المتعلقة بمحاولات التعتيم وفرض رقابة إعلامية على المحتوى، ولا سيما بعد أن تداول ناشطون في منصات التواصل الاجتماعي فيما بينهم في تويتر اخباراً متعلقة بحجب البث المباشر عن تويتر في بعض التظاهرات، كان آخرها ما جرى في تظاهرة يوم الجمعة في ساحة كونكورد وسط باريس.
اقرأ أيضاً: اضطرابات في باريس بعد مقتل شاب برصاص الشرطة
هو التحدي الأضخم من نوعه، والذي يعيشه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بعد احتجاجات السترات الصفراء عام 2019. تحدٍّ يؤرّق الحكومة الفرنسية، ويضعها في مأزق كبير لا يعرف كيف يمكن تداركه وسط حديث عن إمكان إعلان حالة الطوارئ وفرض جملة من إجراءات منع التجول الليلي، ولا سيما للفئات العمرية الصغيرة.
يأتي هذا في وقت تنتقّل التظاهرات والاحتجاجات من رقعة إلى أخرى، بينما لا حدود لحجم التعبير عن الاستياء نتيجة مقتل الشاب نائل. وإلى جانب التحدي الميداني، ثمّة تحديات تفرضها إتاحة المحتوى والانتشار في منصات التواصل الاجتماعي، فهل تستجيب كبرى شركات التواصل الاجتماعي ومواقعه لـ"طلب الرحمة" الفرنسي؟