أوروبا تراجعت عن بناء دفاعها الخاص.. لماذا ازداد اعتمادها على واشنطن؟
قالت المحللة الألمانية في مجلس العلاقات الخارجية في واشنطن، ليانا فيكس، إنّ "القيادة الأميركية كانت ناجحة للغاية تقريباً في خدمة مصلحتها، تاركة الأوروبيين من دون حافز على تطوير القيادة بأنفسهم".
نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية تقريراً عن ازدياد الاعتماد الأوروبي على الولايات المتحدة الأميركية، ولا سيما في مجال الدفاع والحرب، في مقابل مخططات أوروبية سابقة لبناء قوة دفاعية خاصة بها.
وعلى الرغم من توقعات سابقة، مفادها أنّ العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا ستجبر أوروبا على تعزيز قوتها العسكرية، فإنّ ما حدث فعلاً كان معاكساً، إذ تعزّز اعتمادها على القيادة والاستخبارات والقوة الأميركية.
وقال دبلوماسيون وخبراء للصحيفة إنّ "الحرب في أوكرانيا هي أكبر تحدٍّ يشهده الأمن الأوروبي منذ نهاية الحرب الباردة، لكنّ الأوروبيين أضاعوا فرصة تكثيف دفاعهم. وبدلاً من ذلك، عزّزت الحرب اعتماد أوروبا، عسكرياً، على الولايات المتحدة".
وأشار التقرير إلى أنّ واشنطن "تولّت الردّ على الحرب، وحشدت الحلفاء، ونظمت المساعدة العسكرية لأوكرانيا، وساهمت، إلى حدّ بعيد، في أكبر قدر من المعدات العسكرية والاستخبارات لأوكرانيا. وقررت، في كل خطوة، نوع الأسلحة التي ستتلقاها كييف، وما الذي لن تحصل عليه".
دور واشنطن تجلّى في صفقة الدبابات الغربية
وتجلّى دور واشنطن المحوري في القرار الأخير، القاضي بتقديم دبابات ليوبارد إلى أوكرانيا، وهي خطوة رفض المستشار الألماني، أولاف شولتس، اتخاذها ما لم تقدّم الولايات المتحدة بعضاً من دباباتها الخاصة (آبرامز) قبل الخطوة الألمانية، على الرغم من الضغط القوي، الممارَس عليه، من بولندا وبريطانيا.
وفي هذ السياق، قالت المحللة الألمانية في مجلس العلاقات الخارجية في واشنطن، ليانا فيكس، إنّ "القيادة الأميركية كانت ناجحة للغاية تقريباً في خدمة مصلحتها، تاركة الأوروبيين من دون حافز على تطوير القيادة بأنفسهم".
وأشارت إلى أنّ "التصوّر القائم، مفاده أنه لا يوجد زعيم حقيقي في الاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة تستغل هذا الوضع في بروكسل"، لافتة إلى أنّ "هذه مشكلة يمكن أن تعود لتطارد الولايات المتحدة" والأوروبيين أيضاً.
اقرأ أيضاً: "وول ستريت جورنال": دعم أوكرانيا.. أوروبا ترزح في ظل الولايات المتحدة
وزار زعماء الاتحاد الأوروبي العاصمة الأوكرانية، كييف، يوم أمس الجمعة، لكنهم "اكتفوا بتقديم وعود إلى الرئيس فولوديمير زيلينسكي بأنّ بلاده المحاصَرة قد تنضمّ إلى الكتلة الأوروبية يوماً ما".
ويقدَّر إجمالي المساهمات العسكرية لأوكرانيا من الدول الغربية الأعضاء في الاتحاد بـ 12 مليار يورو حتى الآن، بينما تقدر المساعدات الإجمالية بنحو 50 مليار يورو.
اقرأ أيضاً: "بوليتيكو": أوروبا تعاني الحرب في أوكرانيا وأميركا تجني الثروات
هدف ماكرون الأجوف في "الحكم الذاتي الاستراتيجي"
لكنّ ما حدث، بحسب الصحيفة، أثبت أنّ هدف الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، الذي لطالما عبّر عنه، والمتمثل بـ"الحكم الذاتي الاستراتيجي"، وأن يصبح الاتحاد الأوروبي قوة عسكرية يمكن أن تعمل بصورة مستقلة عن الولايات المتحدة، ثبت أنه أجوف.
ويؤكد دبلوماسيون وخبراء للصحيفة أنّ هذا "يرجع، إلى حدّ كبير، إلى أنّ الدول الأوروبية تختلف بشدة فيما بينها بشأن كيفية إنهاء الحرب، وحتى بشأن علاقتها بروسيا ورئيسها فلاديمير بوتين، الآن وفي المستقبل".
واقترح تشارلز أ. كوبشان، المسؤول السابق في إدارة أوباما، وأستاذ الدراسات الدولية في جامعة جورج تاون، أنّ "من المستحيل أن يكون لديك دفاع أوروبي حقيقي من دون سياسة خارجية أوروبية متماسكة".
وقال إنّ "حرب أوكرانيا عملت في كِلا الاتجاهين. لقد أدّت إلى وحدة جديدة بين الأوروبيين، لكنها أدّت أيضاً إلى حدوث تصدعات جديدة، فهناك رغبة ضئيلة للغاية في الاستقلال الذاتي".
الدول الأوروبية لا تثق بقدرات بعضها البعض
ولطالما شعرت دول أوروبا الوسطى والشرقية، إلى جانب دول البلطيق وبريطانيا، بعدم الثقة بالوعود الخاصة بالدفاع الأوروبي المستقلّ، وعملت على إبقاء الولايات المتحدة منخرطة في الأمن الأوروبي وفي حلف "الناتو".
وأضاف كوبشان أنّ "هذه الحرب ستطيل العمر الافتراضي للوجود العسكري الأميركي في أوروبا فترة طويلة مقبلة".
اقرأ أيضاً: "فورين بوليسي": أوروبا لا تحتاج إلى الولايات المتحدة بعد الآن
وقال أندرس فوغ راسموسن، الأمين العام السابق لحلف "الناتو"، والذي اقترح خطة لتعزيز أمن أوكرانيا، إنّ ماكرون "قوّض فكرته الخاصة عن الحكم الذاتي الأوروبي" من خلال "تصريحاته وسلوكه عندما يتعلق الأمر ببوتين"، بحجة أنّ "النظام الأمني الأوروبي الجديد يجب أن يشمل روسيا" .
وقال راسموسن إنّ هذا "خلق شكوكاً في أوروبا الشرقية، وجعل من المستحيل تقريباً على ماكرون خلق زخم يدعم فكرته بشأن الحكم الذاتي الأوروبي".
وأضاف أنه "ما دامت القوى الكبرى في أوروبا لا تستطيع الاتفاق على نهج مشترك تجاه روسيا، فإن سائر المشاركين في الحشد سوف ينظرون عبر المحيط الأطلسي، ويبحثون عن ضمانات أمنية من الولايات المتحدة".
وعلى الرغم من وعد شولتس بنقطة تحول في السياسة الأمنية الألمانية، فإن التفاصيل كانت مفقودة.
واتضح مؤخراً أن مبلغ 100 مليار يورو، الذي تمّ تخصيصه لإعادة بناء الجيش الألماني، سيتمّ توزيعه على مدى حياة البرلمان، في خطوة وصفتها الصحيفة بأنها "تافهة"، إذ "جعلت البيروقراطية من الصعب البدء في إنفاق الأموال، وفشلت الحكومة في تحريك صناعة الدفاع الألمانية.
وقال بارت زيفتشيك، المسؤول السابق في إدارة أوباما، والذي يعمل الآن في صندوق "مارشال" الألماني، إنّ "فرنسا فوّتت فرصة في إظهار ما هو الحكم الذاتي الاستراتيجي، وما يمكن أن يكون"، مؤكداً أنه "لم يكن هناك الكثير، من حيث المواردـ، أو الانتشار، أو حتى في القيادة الفكرية".
اقرأ أيضاً: الولايات المتحدة تدفع أوروبا نحو الانتحار!