زيارة الوزير الغريب لدمشق تفتح صفحة جديدة في مقاربة أزمة النزوح السوري في لبنان
يُجدِّد الرئيس اللبناني العماد ميشال عون رفضه انتظار الحل السياسي في سوريا لعودة النازحين إليها ، عدا أنه يستغرب مواقف بعض الدول الكبرى التي لا تقوم بأيّ جهد لإعادة النازحين ، وتريد أن تمنع علينا العمل لتحقيق هذه العودة. كلام عون عن النازحين يأتي بعد التبايُنات التي ظهرت بشأن زيارة وزير الدولة لشؤون النازحين في لبنان صالح الغريب إلى دمشق وبحثه ملف النزوح السوري.
حسم الرئيس اللبناني ميشال عون مجدداً الموقف الرسمي بشأن عودة النازحين السوريين إلى ديارهم، الموقف اللبناني جاء بعد اللغط الذي أثارته زيارة وزير شؤون النازحين إلى سوريا ، والأخير دعا بعد لقائه عون إلى إخراج قضية النازحين السوريين من التجاذبات السياسية.
كلام الوزير جاء بعد زيارته دمشق واللغط الذي أثير بشأنها. فما المقاربة التي ستعمدها الحكومة اللبنانية لمعالجة تلك الازمة لا سيما بعد المواقف السورية الواضحة وآخرها كانت للرئيس بشار الأسد الذي جدد الدعوة لكل سوري للعودة الى وطنه .
إلى ذلك، تصرّ بعض القوى السياسية اللبنانية على مقاربة مغايرة للموقف الرسمي بشأن أزمة النزوح السوري، على الرغم من تأكيد البيان الوزاري لحكومة الرئيس سعد الحريري على العودة الآمنة للنازحين .
عدا أن زيارة الوزير صالح الغريب لدمشق تركت تباينات بين الاطراف السياسية اللبنانية بين مرحب ومتحفظ وذلك استمراراً للانقسام بشأن العلاقة مع دمشق.
إلا أن هناك إجماعاً لبنانياً على ضرورة عودة النازحين السوريين إلى ديارهم وإن إختلفت المقاربات بشأن طريقة عودتهم.
"البيان الوزاري: العودة الآمنة للنازحين والحريري ... للعودة الطوعية"
نصّ البيان الوزاري لحكومة الحريري على أن "الحكومة ستواصل العمل مع المجتمع الدولي للوفاء بالتزاماته التي أعلن عنها في مواجهة أعباء النزوح السوري واحترام المواثيق الدولية، بالتأكيد على كل ما عبر عنه فخامة رئيس الجمهورية بوجوب اخراج هذا الموضوع من التجاذب السياسي لما فيه مصلحة لبنان التي يجب ان تكون فوق كل اعتبار مع الاصرار على أن الحل الوحيد هو بعودة النازحين الآمنة إلى بلدهم ورفض أي شكل من أشكال اندماجهم أو إدماجهم او توطينهم في المجتمعات المضيفة. وتجدد الحكومة ترحيبها بالمبادرة الروسية لإعادة النازحين السوريين إلى بلادهم، وتعمل على اقرار ورقة سياسة الحكومة في اتجاه النازحين."
من هنا جاء التأكيد على العودة الآمنة ، إلا أن الحريري عاد وأعلن لاحقاً أنه مع العودة الطوعية للنازحين ما يعني تناقضاً مع الفقرة التي جاءت في البيان الوزاري ما أعاد الامور إلى مربع التباين.
بيد أن زيارة الغريب إلى سوريا فور نيل الحكومة ثقة البرلمان وضعت ملف النازحين على نار حامية لا سيما ان الوزير السابق لشؤون النازحين والقيادي في تيار المستقبل معين المرعبي كان معارضاً لعودة النازحين حتى أنه رفض حضور حفل التسلم والتسليم مع الوزير الجديد إضافة غلى مواقف سابقة له عارض فيها توجهات الرئيس الحريري بشأن عودة النازحين وخصوصاً خلال القمة العربية التنموية التي إستضافها لبنان الشهر الفائت.
ووفق ما تقدم يبدو أن عودة النازحين السوريين باتت ملفاً أساسياً في لبنان لا سيما أن الرئيس عون ومعه طيف واسع من القوى السياسية يرفضون ربط عودة النازحين بالحل السياسي في سوريا ، ما يعني الدفع في إتحاه تخطي الفيتو الغربي وكذلك من بعض الدول العربية الذي يحول دون عودة النازحين السوريين إلى ديارهم.
وفي السياق لفت رئيس الحزب الديمقراطي اللبناني النائب طلال ارسلان إلى أن "زيارة الوزير الغريب إلى سوريا إنجاز مهم في مقاربة ملف النزوح بشكل عملي وجدّي وواقعي بعيداً عن الغوغائية والارتجال، فحل مشكلة النزوح هي من صلب الاهتمام المشترك اللبناني السوري لما فيه مصلحة البلدين الشقيقين".
وأكد ارسلان أنه "لا بد من التنويه والدعم من الرئيسين الكريمين بشار الأسد وميشال عون بمقاربتهما الموضوعية لهكذا ملف"، داعياً الجميع إلى "التعالي عن الصغائر والنظر الى هذا الموضوع من منظار المصلحة اللبنانية العليا".
بدوره، يؤكد مسؤول ملف النازحين في حزب الله نوار الساحلي للميادين نت أن " الوزير الغريب سلك الطريق الاقصر والافعل لتحريك ملف شائك المتمثل بعودة النازحين، وأن زيارة الغريب الى دمشق هي ضرورية وطبيعية للبحث مع الاشقاء السوريين في قضية النزوح، وأنها تأتي ضمن السياق الطبيعي بضرورة التنسيق بين الحكومتين اللبنانية والسورية من أجل حل أزمة النزوح السوري لا سيما أن دولاً عدة تضع العراقيل أمام حل تلك الازمة .
وينوّه الساحلي بجهود المدير العام للأمن العام اللبناني اللواء عباس ابراهيم لجهة تأمين العودة لالاف النازحين خلال الفترات السابقة ويؤكد أن المسألة تحتاج إلى غطاء سياسي كامل من الحكومة اللبنانية ، وأن "استمرار بعض القوى في موقفها الرافض للتنسيق مع دمشق يجعل من الجهود التي تبذل أمراً ناقصاً"، ويأمل أن تكون " الزيارة التمهيدية والواجبة للغريب إلى دمشق بداية لمرحلة جديدة لحل ازمة النزوح نظراً للتداعيات الجمة التي يتحملها لبنان سواء على الصعيد الاقتصادي او المالي جراء إستضافته نحو مليون ونصف المليون نازح سوري".
من جهته يرفض عضو تيار المستقبل راشد فايد تفرّد بعض الوزراء بقراراتهم لا سيما في المسائل الحساسة كمسألة النزوح السوري، ويوضح للميادين نت " سواء كان الوزير الغريب قد أطلع المسؤولين على زيارته ألى دمشق أو لم يطلعهم فإن اللافت فيها أنها جاءت فور نيل الحكومة الثقة وكأن هناك رسالة سورية للحكومة اللبنانية تشي بفرض الشروط ليس على الحكومة وحسب وانما على لبنان". ويشدد فايد على ربط عودة النازحين بالحل السياسي في سوريا وكذلك توجهات الجامعة العربية التي لم تبدأ بعد حواراً مع دمشق ما يعني إستمرار مواقف المجموعة العربية على حالها من النظام السوري".
ويلفت راشد إلى أنها ليست المرة الأولى التي يزور فيها وزراء من قوى 8 أذار دمشق مبرراً ذلك بـ"هوامش التسوية السياسية الكبرى في لبنان والتي تتيح بالخروج عن بعض الثوابت عبر تلك الزيارات ، ولك أين مصلحة لبنان في ذلك".
ويشير إلى أن حميع القوى السياسية اللبنانية مصممة على إنهاء ملف النزوح السوري ولك " يجب تقديم ضمانات للعائدين ، وحفظ كراماتهم كي لا يسجل التاريخ على لبنان أنه رماهم في المجهول".
أما عضو تكتل لبنان القوي النائب سليم عون فيؤكد للميادين نت أن ما جرى في الفترة الاخيرة قد وضع قضية معالجة أزمة النزوح على السكة الصحيحة وأن " الحكومة ستولى ذلك الملف الاهمية القصوى وأنه لا يمكن حل المسألة بالمراسلة ، وإنما بالتواصل مع الدولة السورية ، وهذا أمر منطقي ولا يمكن لأحد تجاهله".
إذاً موقفان من عودة النازحين لا يبدو أنهما سيتغيران في المدى المنظور ، فبين فريق يدعو إلى عدم ربط عودة النازحين بالحل السياسي، وفريق آخر يصر على ذلك الربط ، تبقى قضية النزوح السوري محط خلاف في لبنان وإن كان الحريري أبدى سابقاً بعض المرونة في التعاطي معها.