منسّقو "مسيرة العودة الكبرى": المسيرة ستقلب الطاولة ولن تُقارن بمسيرة 2011

في غزّة "أينما ولّيت وجهك.. كل شيئ قابل للانفجار"، الترويج لصفقة القرن، تمادي الإدارة الأميركية في محاولاتها تصفية القضية، المصالحة الفلسطينية/الفلسطينية المتزعزعة، الوحشية الإسرائيلية المتزايدة باضطراد، الظروف المعيشية المتردية، وكل الأحداث السياسية والعسكرية في المنطقة خاصة بعد ما سمي بالربيع العربي، كأن كل شيء يقول للفلسطيني المحاصر في القطاع "حاصر حصارك لا مفر".

تعتمد مسيرة العودة الكبرى أسلوب الاعتصام المفتوح والتقدم المتدرج

"قلب الطاولة"، ربما كانت هذه الجملة تختزل في مضمونها كل ما يصبو الفلسطينيون أن ينجزوه من خلال مسيرة كبرى وطنية متجاوزة للاختلافات السياسية، يلتقي فيها الفلسطينيون بمختلف مكوناتهم على القضية الجامعة المتمثلة في عودة اللاجئين.. مسيرة شعبية وطنية تتصدرها العائلات برجالها ونسائها وأطفالها وشيوخها وتشارك فيها بإيجابية كل مكونات المجتمع الفلسطيني والمناصرون الأحرار من كل دول العالم.

الإعلان عن مسيرة العودة الكبرى المرتقبة يوم غد الجمعة، وإدراك إسرائيل أن الوضع في قطاع غزة قابل للانفجار قريباً في ظل كل الظروف التي تحيط بالقطاع والقضية الفلسطينية والمنطقة عموماً، جعل موضوع مسيرة العودة موضوع التباحث الرئيسي في المستويين العسكري والسياسي الإسرائيلي. 

التباحث الإسرائيلي لم يسفر إلا عن مزيد من التخبط، فتارة تدعو الحكومة الإسرائيلية مستوطنيها إلى حمل السلاح تأهباً لأي طارئ، وتارة ينبّه رئيس أركان الجيش الإسرائيلي غادي آيزنكوت من أن القابلية العالية لانفجار في الساحة الفلسطينية "تفرض على الإسرائيليين الحفاظ على يقظة دائمة، والالتزام بالعمل بحزم وبقوة وإثبات التفوق"، وتارة يحذّر أوفير جندلمان الناطق باسم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من اقتراب الفلسطينيين من السياج الفاصل، مهدداً إياهم بأن "الرد سيكون قوياً".

في الأيام السابقة، وعلى خلاف العادة، لم تحمل الطائرات الإسرائيلية لقطاع غزة الصواريخ والقذائف فقط، بل أرفقتها بمنشورات تحذر من المشاركة في المسيرة المرتقبة.

وانطلاقاً من "الخوف من انفجار"، و"هاجس التفوق"، سارعت إسرائيل لاتخاذ إجراءات "وقائية" سياسية عبر اتصالات سرية مع الأردن ومصر والفلسطينيين بهدف "منع التصعيد في مسيرة العودة"، واتخذت تدابير عسكرية، من جملتها وضع عشرات القناصين على حدود القطاع، بمن فيهم قناصون من الوحدات الخاصة، وأكد ضباط كبار أنه "سيتم تعزيز المنطقة بعدة كتائب من الجيش، بالإضافة للشرطة ولحرس الحدود، وسيتم استخدام كافة الوسائل المطلوبة"، بحسب صحيفة إسرائيل هيوم.

الإجراءات الإسرائيلية المكثفة، واجهها ناشطون فلسطينيون وعرب على مواقع التواصل الاجتماعي بالـ"سخرية"، وربما نال الناطق باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي، القسط الأكبر منها، في معرض تعليقات الناشطين على تغريداته في موقع تويتر.

أدرعي الشخصية الإسرائيلية الأكثر استفزازاً على مواقع التواصل الاجتماعي، حاول استعراض قوة مؤسسته العسكرية، متجاهلاً صورتها التي اهتزت باختراق الشبان الفلسطينيين السياج الفاصل قبل أيام، لذا لم يواجهه الناشطون بالشتائم هذه المرة، إنما اكتفوا بالاستهزاء منه ومن محاولاته تسفيه دوافع المسيرة والإدعاء بأنها مسيرة مطلبية معيشية وليست سياسية وطنية، معتبرين أنها تعكس التخوّف الإسرائيلي من تبعات المسيرة المرتقبة يوم غد.

 

إذاً اتخذ الفلسطينيون قرارهم باستعادة حقهم بالعودة، مستندين إلى الفقرة رقم 11 من القرار الأممي 194، هذا القرار الذي أعيد التأكيد عليه في أروقة الأمم المتحدة أكثر من 130 مرة، والذي ينص على "وجوب عودة اللاجئين إلى أرضهم وديارهم التي هجروا منها".

"مسيرة العودة الكبرى هي انقلاب حقيقي في القضية الفلسطينية.. وأنا أعي ما أقول"، بهذه الجملة استهل نائب رئيس لجنة التنسيق الدولية لمسيرة العودة المهندس عصام حمّاد حديثه للميادين نت، مضيفاً أنها "انقلاب في طريقة تناول القضية الفلسطينية، هي قلب الطاولة في وجه الجميع".

وتابع حمّاد بالقول إن "الفلسطيني الآن قرر أن يستعمل المقاومة الناعمة، السلمية واللاعنفية، لإجبار الجميع واختبار نواياهم، ما إذا كانوا يعبثون بالقضية الفلسطينية، أم أنهم حقيقة يملكون حلول".

واستذكر مسيرة العودة عام 2011 التي انطلق خلالها عشرات الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين في سوريا ولبنان والأردن، وقطعوا الحدود نحو الأراضي المحتلة مشياً على الأقدام، ومؤكداً أن "ما حدث في 2011 سوف لن يقارن بما سيحدث في 2018".

وأشار نائب رئيس لجنة التنسيق الدولية إلى أن "مسيرة العودة في عام 2011 علّمت الفلسطيني الكثير، حيث أن الفلسطينيين يومها اخترقوا الحدود لكنهم لم يكملوا الحلقة بلجنة تنسيق دولية، تقوم بإحداث حالة تضامن شعبي ومؤسساتي وقانوني ودبلوماسي وإعلامي، تماماً كما هو في حالة حركة المقاطعة الدولية BDS".

وشدد على أهمية أن يكون هذا الحراك سلمياً بحيث يكسب التعاطف الدبلوماسي والشعبي، ولا يمكن لإسرائيل الترويج له كأحداث تمرد أو شغب، لذا قامت اللجنة المنظمة للمسيرة بإنشاء دورات لتدريب المعتصمين على "أساليب المقاومة السلمية"، لافتاً إلى إصرار الفلسطيني اليوم على هزيمة الإسرائيلي بالورقة والقلم والكاميرا.

ويؤكد حمّاد أن التحشيد المقرر استمراره 45 يوماً لن يقتصر فقط على فلسطينيي غزة، بل إن كافة اللاجئين في الضفة الغربية والداخل الفلسطيني ولبنان وسوريا والأردن سينضمون للحراك، ويكشف أنه تم التواصل مع عدد من الفصائل الفلسطينية في سوريا ولبنان، والتي أكدت بدورها مشاركتها على شكل تجمع حاشد ومهرجان على الحدود اللبنانية الفلسطينية في مارون الراس في لبنان، ومهرجان آخر في مخيم خان الشيح قرب القنيطرة في سوريا، على أن يوضع برنامج متواصل يتناسب مع التخييم في قطاع غزة.

سلمية الحراك يحرج الإسرائيلي الذي اعتاد أن يحل مشاكله بالعنف

أمثلة كثيرة لاحتجاجات سلمية حول العالم حققت نتائج مبهرة، ربما أشهرها حملة العدالة والحرية التي قام بها المهاتما غاندي في الهند. هذا ما يعوّل عليه المنظمون لمسيرة العودة الكبرى، الذين أنشأوا لجنة خاصة للتدريب على أساليب المقاومة السلمية، ودورها الأساسي تعريف الناس بمفهوم المقاومة السلمية اللاعنفية، فالاصرار على سلمية الاعتصام يحرج الإسرائيلي الذي اعتاد أن يحل مشاكله بالعنف، ويقلص خياراته.

ويؤكد ذلك الصحفي الإسرائيلي أليكس فيشمان في مقال نشرته صحيفة يديعوت أحرونوت في 8 آذار/مارس، ويقول إن "المشاركة الواسعة هذه لكافة أطياف الشعب الفلسطيني خاصة من نسوة وأطفال، هي إحدى مشاكل الجيش الإسرائيلي الأساسية"، مضيفاً أن "كل محاولة لكبح السائرين في المسيرات بالقوة ستُلحق ضرراً قاسياً بصورة إسرائيل". كاشفاً عن خوف الجيش الإسرائيلي أن "يتدهور الصراع في منطقة السياج الفاصل إلى مواجهة مسلحة".

تقول منسقة لجنة التدريب على المقاومة السلمية في اللجنة التنسيقية الدولية لمسيرة العودة الكبرى، منى جاد الله للميادين نت: "اخترنا أسلوب المقاومة السلمية الشعبية، لأنه نموذج المقاومة المناسب في هذه المرحلة، بالنظر إلى كافة المعطيات الداخلية والخارجية المحيطة بالقضية الفلسطينية"، وتستطرد بالقول إن "تفاعل السيدات والفتيات والشباب مع الموضوع عال جداً ومبشر".

وتشير جاد الله إلى أن "الشعب الفلسطيني ليس معتاداً على هذا الشكل من المقاومة، وإن كان قد مارسه سابقاً في مواقف معينة"، مضيفة أن "اللجنة قامت بتدريب مجموعة كبيرة من الشباب والشابات الذين سيقومون بدورهم بتدريب الباقيين على أساليب المقاومة السلمية"، وتعتبر أن ذلك سيكون له تأثير كبير لأن "الإنسان إذا اقتنع بفكرة ما، وبجدواها، سيكون أهم شخص يتكلم بها".

وتؤكد أن "التدريب على المقاومة السلمية سيستمر خلال فترة الاعتصام في الخيام، حيث تم إعداد 900 مدرِّب يغطون كافة أنحاء القطاع"، لافتةً إلى أن "اللجنة قامت بإعداد جدول تدريب مكثف لمؤسسات مجتمع مدني ونشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي الذين يتواصلون معها ويطالبون بتدريبهم على أساليب المقاومة السلمية".

وتصرح جاد الله للميادين نت أن "اللجان المنظمة لمسيرة العودة عملت جاهدةً أن يكون الاعتصام في الخيام "أسلوب حياة"، باعتبرها أسلوباً نضالياً مستداماً ومتراكماً، وليست فعالية موسمية أو حدثاً ليوم واحد فقط.

ولأنه لا يمكن بحال من الأحوال تعطيل الحياة للناس لـ45 يوماً على الأقل، فإن الفلسطينيين قرروا نقل حياتهم المهنية والاجتماعية إلى الخيام، كالمدرسين الذين سيقومون بإكمال دورهم وواجبهم بتدريس الطلاب، كما سيقام في اليوم الأول عرسان تراثيان، بالإضافة لمعارض الكتب والرسم، وهناك لجنة ثقافية تشرف على أن يكون وجود الناس في الخيام يمثّل الحياة الاجتماعية الفلسطينية. 

 

وأصدرت اللجنة المنسقة لمسيرة العودة الكبرى بياناً حددت فيه المبادئ العامة للمسيرة، وأهمها أنها "مسيرة شعبية ذات طابع سلمي من بدايتها  إلى منتهاها بشكل كامل، ويجب أن تخلو من أي مظاهر للسلاح، لتعميق مأزق الاحتلال وهو يواجه الشعب مباشرةً، وحرمانه من تسويق دعاية دولية لتبرير العنف ضده".

وتعتمد المسيرة أسلوب الاعتصام المفتوح والتقدم المتدرج، ونصب الخيام وإقامة حياة اللجوء بالقرب من السلك الفاصل، واستجلاب وسائل الإعلام الدولية لإيصال رسالتها إلى كل العالم.

وسيستخدم الطابع الشعبي والسلمي للمسيرة لضمان عدم حرفها عن رسالتها وستبدأ باعتصام قبل السلك العازل بـ700 متراً على الأقل، ثم يكون التقدم تدريجياً على مراحل، لإطالة أمد التحشيد الداخلي والخارجي. 

اخترنا لك