ميدانيات مصر: سيناء 2018 تنطلق

العملية العسكرية الشاملة "سيناء 2018" تعدّ الأكبر في تاريخ المواجهات العسكرية والأمنية المصرية مع الإرهاب، يشارك فيها كافة أفرع القوات المسلحة المصرية، بجانب كافة أجهزة وزارة الداخلية، وتتعاون فيها أجهزة الاستخبارات الرئيسية في مصر.

العملية العسكرية الشاملة "سيناء 2018" تعد الأكبر في تاريخ المواجهات العسكرية والأمنية المصرية مع الإرهاب

أمس انطلقت العملية العسكرية الشاملة "سيناء 2018"، والتي تعدّ هي الأكبر في تاريخ المواجهات العسكرية والأمنية المصرية مع الإرهاب. تأتي هذه العملية تتويجاً لسلسلة من العمليات العسكرية واسعة النطاق التي نفذتها القوات العسكرية والأمنية منذ آب/ أغسطس 2011 وحتى اليوم، بداية من عمليتي "نسر" الأولى والثانية، وسلسلة عمليات "حق الشهيد" التي بدأت في أيلول/ سبتمبر 2015. وهي سلسلة نتج عنها حتى الآن مقتل نحو 3700 عنصر إرهابي، والقبض على خمسة آلاف آخرين، وتدمير 500 نفق و4600 ملجأ ومخبأ، وتنفيذ أكثر من ألفي عملية أمنية وعسكرية. لكن تحتفظ العملية الجديدة بعدة مقومات تجعلها متفردة ومختلفة عن بقية العمليات السابقة.

فهذه العملية تشارك فيها كافة أفرع القوات المسلحة المصرية، بجانب كافة أجهزة وزارة الداخلية، وتتعاون فيها أجهزة الاستخبارات الرئيسية في مصر وهي جهازا المخابرات العامة والعسكرية وجهاز الأمن الوطني. النطاق الجغرافي لهذه العملية هو الأوسع على الإطلاق، حيث يشمل كافة المناطق التي شهدت خلال السنوات الماضية نشاطاً ولو طفيفاً للمجموعات الإرهابية على اختلافها، وهذه المناطق هي المحور الشمالي والأوسط لسيناء، ومحافظات الدلتا، والمنطقة الصحراوية الغربية المحاذية للحدود المصرية مع ليبيا. وقد بدأت التحركات في كافة المناطق بشكل متزامن، مع تركيز أكبر على شمال سيناء.
تكتيكاً، نستطيع أن نعتبر هذه العملية المرحلة النهائية من تحركات القوات المسلحة في سيناء، عقب التكليف الذي ألزم فيه الرئيس المصري رئيس أركان الجيش في 29 تشرين الأول/ نوفمبر الماضي بالقضاء على أي نشاط إرهابي خلال مدة ثلاثة أشهر. تأخذ هذه العملية شكل "العمليات الاستباقية"، ففي الأسابيع الماضية انصبّ اهتمام قوات الجيش والشرطة شمال ووسط سيناء على عزل العناصر الإرهابية عن بعضها البعض، وقطع طرق الإمداد المتوفرة لديهم، ومحاولة حصرهم في مناطق محددة يسهل استهدافهم فيه، خاصة بعد تمكن مصر من تأمين الحدود مع فلسطين المحتلة بشكل شبه كامل، وقرب بدء المرحلة الخامسة من عمليات إنشاء المنطقة العازلة مع رفح الفلسطينية، كما تكثفت عمليات الاستطلاع الجوي شمالي سيناء، ورأينا للمرة الأولى طائرات المراقبة والاستطلاع BeechCraft 1900 تحلق في طلعات استطلاعية في أجواء رفح المصرية، وتتعدى نطاق الحدود مع فلسطين المحتلة لتحلق في أجواء جنوب غرب قطاع غزة. كذلك شهد مطار المليز العسكري وسط سيناء عمليات تحديث متسارعة منذ أوائل العام الماضي وحتى الآن، بجانب تمركز دائم للطائرات دون طيار وطائرات الهجوم الأرضي الخفيفة من نوع AT-802U.
خلال الأيام الأربعة الماضية، تم إعلان حالة الطوارئ في مستشفيات سيناء، وإغلاق تدريجي لكافة المعابر بين سيناء وبقية الجمهورية، وتعليق العمل في مدارس شمالي سيناء، ثم بدء تدفق غير مسبوق للأرتال البرية والأسراب الجوية الناقلة لعناصر قوات المظلات والرد السريع، في مشهد ذكر البعض بتحليق الطائرات المصرية في اتجاه الضفة الشرقية لقناة السويس في حرب أكتوبر/ تشرين الأول.
التعزيزات التي وصلت إلى سيناء، تمّ نقلها باستخدام عشرات المروحيات من نوع Ch-47D Chinook وطائرات النقل التكتيكي Casa C-295 بجانب دعم قتالي من مقاتلات الأف 16 والرفال الفرنسية ومروحيات الأباتشي، وطائرات الإنذار المبكر والمراقبة E-2C Hawkeye. برياً انتقلت إلى شبه الجزيرة أعداد كبيرة من ناقلات الجند المدرعة المقاومة للألغام Caiman والتي أثبتت نجاحاً كبيراً خلال الفترة الماضية في التصدي للعبوات الأرضية الناسفة. تشارك كذلك القوات البحرية في هذه العمليات، حيث تنشط زوارق الدورية وسفن المراقبة على طول ساحل شمال سيناء، لرصد أي محاولة لإمداد مجموعات تنظيم داعش أو تهريبها.
يتوقع أن تركز القوات شمالي سيناء على تأمين المنطقة العازلة حول مطار العريش، بمسافة تبلغ 5 كم حول المناطق الغربية والجنوبية والشرقية من محيطه، بجانب تطهير المناطقة الواقعة بين مدينتي العريش وبئر العبد، وهي تعد المنطقة الوحيدة في سيناء التي تشهد نشاطاً ملحوظاً لعناصر تنظيم داعش، بالإضافة إلى المناطق الواقعة جنوبي مدينتي العريش والشيخ زويد. في ما يتعلق بالدلتا والصحراء الغربية، سيكون بطبيعة الحال لوزارة الداخلية المصرية الدور الأكبر في سياق الشق الأمني بالخطة العامة للعملية، وقد بدأت بالفعل في سلسلة منسقة من المداهمات، نتج عن يومها الأول مقتل ثلاثة عناصر إرهابية تابعة لحركة "حسم"، واعتقال 14 آخرين بجانب مصادرة ذخائر وعبوات ناسفة ومتفجرات في مناطق بمحافظات القليوبية والفيوم والدقهلية والشرقية والبحيرة.
من الملاحظات المهمة التي من الممكن التوقف عندها حيال هذه العملية، الكم الكبير من القوات والعتاد التي تم نقلها في غضون أيام إلى سيناء، وهو ما يشكل خرقاً لاتفاقية كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل، يضاف إلى خروقات عديدة قامت بها مصر منذ عام 2013 لهذه الاتفاقية سواء في ما يتعلق بإعداد القوات ونوعية الأعتدة العسكرية الموجودة في سيناء، أو حتى في المنشآت العسكرية التي تم إعادة تأهليها وتطويرها مثل مطار المليز. وهذا من الممكن وضعه كرد مصري على سلسلة من الإشاعات تم ضخها في وسائل الإعلام الإسرائيلية والأميركية مؤخراً حول "غارات إسرائيلية" مزعومة في سيناء. الملاحظة الثانية تتعلق بلقطة في بيان مصور للجيش المصري، ظهرت فيها زوارق تابعة للبحرية المصرية تؤمن منصة بحرية للتنقيب عن الغاز، وفي هذا رسالة واضحة لتركيا التي أعلنت مؤخراً عن عدم اعترافها باتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر واليونان وقبرص.

ولاية سيناء "في النازل"

اتسمت الفترة الماضية، منذ يوم 20 من الشهر الماضي، باستمرار الانخفاض الملحوظ في عمليات تنظيم داعش شمال ووسط سيناء كماً وكيفاً، حيث انحصرت عمليات التنظيم في عملية هجومية بسيارة مفخخة على رتل عسكري جنوبي مدينة العريش، لكن لم يسفر الهجوم عن أي شهداء وألحق فقط أضراراً متوسطة بجرافة عسكرية. كما نفذ التنظيم عدة عمليات لتفجير العبوات الناسفة منها ثلاثة عمليات متفرقة جنوبي العريش استهدفت ثلاث مدرعات تابعة للشرطة على الطريق الدائري وقرب حي العبور، أدت إلى استشهاد فردين وإصابة 12 فرداً، وعملية رابعة غربي العريش لم تسفر عن أي ضحايا أو إصابات.
أيضاً قتل التنظيم مواطناً مدنياً بعد اختطافه من مدينة الشيخ زويد، وهاجم عدة سيارات تابعة لعناصر من قبيلة الترابين في منطقة البرث جنوبي رفح، ما أسفر عن إصابة ثلاثة أفراد.
مأزق التنظيم في سيناء بات أكثر وضوحاً، بعد أن نشر تنظيم "جند الإسلام" الموالي لتنظيم القاعدة، تسجيلاً لاعترافات أحد عناصر داعش، والذي أفاد أن التنظيم خسر في هجوم واحد 22 عنصراً من عناصره في تشرين الثاني/ أكتوبر الماضي، وأن نسبة المنشقين عن التنظيم متزايدة بإطراد، وأنها تصاعدت عقب تفجير مسجد الروضة في تشرين الأول/ نوفمبر الماضي، وأن هذا الوضع دفع التنظيم كي يعلن عن نجاح عمليات لم تتم أساساً أو تمت دون أن تحقق أهدافها. مختتما اعترافاته بجملة "التنظيم في النازل".

الجيشان الثاني والثالث

خلال الفترة التي سبقت إطلاق عملية "سيناء 201"، تمكنت قوات الجيش الثالث في نطاق عملياتها وسط سيناء، خلال فترة 20 يوم، من تصفية عنصر إرهابي، وضبط عشرة آخرين، بجانب تدمير أربعة سيارات دفع رباعي، وعشرة دراجات نارية، وأكثر من 50 مخبأ، بجانب مخزن تحت أرضي للمتفجرات، ومصادرة سيارتي نقل محملتين بقطع غيار الدراجات النارية.

في ما يتعلق بعمليات الجيش الثاني، تمكن خلال هذه الفترة شمالي سيناء من قتل ثلاثة عناصر إرهابية، والقبض على عشرة آخرين، وتدمير تسع عربات دفع رباعي، وعشرين دراجة نارية، وخمسة مخازن متفجرات وقطع غيار، ونفق حدودي، وأكثر من 80 عبوة ناسفة، وسبع عربات نقل محملة بالذخائر وقطع الغيار. كذلك استمرت القوات في الإشراف على عمليات إنشاء المرحلة الرابعة من المنطقة الحدودية العازلة، والتي لم يتبق فيها سوى حي الصفا بمدينة رفح، ومن ثم تبدأ المرحلة الخامسة التي ستشمل عدة قرى جنوب غرب رفح. شنت قوات الجيش حملة مكبرة جنوبي العريش وغربي رفح، مدعومة بالمدفعية وطائرات الاستطلاع، وأنشأت عدة تمركزات عسكرية جديدة في المنطقة الواقعة على طريق العريش – بئر العبد، لزيادة تأمين هذه المنطقة التي تشهد نشاطاً ملحوظاً لعناصر داعش. قوات وزارة الداخلية نفذت بدورها حملة مداهمات في مدينتي العريش وبئر العبد، وتمكنت من قتل ستة عناصر إرهابية في مداهمة جنوبي العريش، وفككت ثلاثة عبوات ناسفة على الطريق الساحلي غربي العريش.

اخترنا لك