ميدانيات مصر: فشلٌ مُتكرِّر لعمليات داعش في سيناء
كانت السِمَة الأبرز في الفعاليات الميدانية في سيناء خلال الفترة من الثالث والعشرين من الشهر الماضي وحتى اليوم، هي الإحباط المُتكرّر للمحاولات الهجومية التي شنّتها عناصر مسلّحة محدودة العدد من تنظيم أنصار بيت المقدس المُبايع لتنظيم داعش الإرهابي، والذي يحاول في ظلّ قُرب إحكام السيطرة على الخط الحدودي مع قطاع غزّة أن يجعل له وجوداً ميدانياً بشكل مستمر منعاً لانهيار معنويات عناصره.
خلال هذه الفترة تم إحباط تسعة هجمات على تمركزات القوات الأمنية والعسكرية في نطاق مدن الشيخ زويد والعريش ورفح شمالي سيناء، من هذه الهجمات هجوم تصدّت له القوة العسكرية المُرابطة في كمين العتلاوي وسط مدينة العريش وتمكّنت من قتل ثلاثة من العناصر المُهاجِمة، وهجوم آخر حاولت فيه بعض العناصر الإرهابية استهداف قوّة تأمين قسم شرطة مدينة الشيخ زويد لكن تم التصدّي لهم من دون وقوع أية إصابات، أيضاً حاول عدد كبير نسبياً من العناصر الإرهابية استهداف كمين عسكري في منطقة كرم القواديس جنوبي الشيخ زويد، لكن تم إحباط الهجوم بدعم جوّي وقُتِل عدد كبير من المُهاجمين. ثم تم إحباط هجومين في مدينة العريش استهدف الأول كمين تأمين نادي الشرطة وقُتِل فيه عنصر إرهابي وجُرِح آخر، والثاني استهدف كميناً عسكرياً جنوبي المدينة وفيه تم قتل أربعة عناصر إرهابية وأصابه ثلاثة آخرين. كما تم إحباط ثلاثة هجمات استهدف الأول كميناً عسكرياً قرب قرية بلعا غربي مدينة رفح، والثاني تصدّت فيه القوات لهجوم على كمين في منطقة مربّع نجد جنوبي الشيخ زويد. واستهدف الهجوم الثالث كمين الميدان العسكري غربي العريش، وتصدّت القوات له وقتلت عنصراً إرهابياً واحداً وجرحت آخر.
عمليات الجيشين الثاني والثالث
تستمر في هذا السياق عمليات الجيشين الثاني والثالث الميدانيين في مناطق شمال ووسط سيناء، يُنفِّذ الجيش الثاني سلسلة من عمليات التأمين والبحث في المناطق الجنوبية لمنطقة العمليات "العريش – الشيخ زويد – رفح"، بجانب عملية رئيسية في قرية التومة ومحيطها جنوبي مدينة الشيخ زويد تم على إثرها إغلاق الطريق المؤدّي إلى عدّة قرى منها الظهير وأبو العراج والجورة. أسفرت العمليات خلال هذه الفترة عن قتل عشرة عناصر إرهابية وإصابة ثمانية آخرين بجانب تدمير نقطة تمركز مخزن فيها ذخائر ومتفجّرات. يواكب هذه العمليات دعم جوّي ومدفعي ركّز عملياته جنوبي رفح والشيخ زويد. كذلك يستمر سلاح المهندسين العسكريين في عمليات المرحلة الثالثة من المنطقة العازلة في مدينة رفح على الشريط الحدودي مع غزّة، واقترب من إكمالها بعد الانتهاء من العمل في حيّ الإمام علي وبدأ العمل في حيّ الأحراش.
بالنسبة إلى عمليات الجيش الثالث وسط سيناء، تم خلال هذه الفترة اعتقال ثمانية عناصر إرهابية وفرد واحد مُشتبه به، ومصادرة أربع دراجات نارية وسبع عربات دفع رُباعي ونقل مُحمَّلة بذخائر وقِطَع غيار خاصة بالدراجات النارية بجانب حاويات لغاز "البيوتان" سريع الانفجار.
Warning marks on #Butane gas cylinders seized by 3rd army heroes in central #Sinai today : Environmentally Hazardous Substance & Toxic Gas. pic.twitter.com/qKYTEn7bWO
— ߇갟笍ohamed Mansour (@Mansourtalk) ١٢ نوفمبر، ٢٠١٧
#المتحدث_العسكرى :مواصلة قوات إنفاذ القانون بالجيش الثالث الميدانى جهودها فى ملاحقة العناصر الإرهابية والإجرامية بوسط سيناء pic.twitter.com/CB3ORdoEn7
— المتحدث العسكري (@EgyArmySpox) ١٢ نوفمبر، ٢٠١٧
عمليات داعش
في ما يتعلق بالعمليات التي نفذّها تنظيم داعش شمال ووسط سيناء خلال هذه الفترة، كان واضحاً انخفاض وتيرة العمليات الناجحة لتفجير العبوات الناسِفة لاستهداف الدوريات المُدرَّعة الأمنية والعسكرية، حيث لم يتم تسجيل سوى ثلاث عمليات ناجحة مقابل إحباط وإبطال مفعول عشر عبوات في نطاق جنوبي مدينتي الشيخ زويد والعريش، العمليات الناجحة الثلاث كانت تحقيق أصابات في صفوف عناصر من الشرطة بعد استهداف مُدرَّعتهم بعبوة ناسفة في شارع البحر في مدينة العريش، العملية الثانية أدَّت إلى إصابة أمين شرطة في انفجار عبوة ناسفة برتلٍ أمني قرب منطقة سبيكة غربي العريش. العملية الثالثة أدَّت إلى استشهاد فردين وإصابة عشرة آخرين بعد استهداف مُدرَّعة للشرطة قرب المدخل الغربي لمدينة العريش.
نفَّذ التنظيم خلال هذه الفترة مجموعة من العمليات التي استهدفت بشكل شبه كامل المدنيين، العملية الأبرز في هذا الصَدَد كانت استهداف تسع سيارات نقل مُحمَّلة بالفحم تابعة لمصنع العريش للإسمنت أثناء تنقّلها على طريق الحسنة – بغداد وسط سيناء، تم إحراق السيارات واستشهاد تسعة سائقين بعد إعدامهم من قِبَل عناصر التنظيم لرفضهم التوقّف، كما استشهد في نفس الحادث مُجنَّد جيش والمُقدَّم إبراهيم حسين رئيس عمليات الكتيبة 351 مُشاة بعد أن تصادف مرورهما بسيارة في منطقة الحادث، وينضمّ هذا الشهيد إلى ضابط آخر وهو المُقدَّم أركان حرب أحمد شعبان قائد الكتيبة 224 والذى استشهد أثناء العمليات المستمرة للجيش الثاني الميداني في قرية التومة جنوبي الشيخ زويد. كذلك استمر التنظيم في عمليات الخطف والقتل للعناصر المدنية، فاختطف عدداً من الأهالي من مسجد النقيزات جنوبي رفح عقب صلاة الجمعة، ومن قرية الريان وسط سيناء، واختطف أيضاً مواطناً واحداً في حيّ الزهور في مدينة العريش. وقتل أربعة مواطنين في نطاق جنوبي الشيخ زويد وحيّ الأحراش ودوّار سليم في رفح. نفَّذ التنظيم أيضاً عمليات للقنص استهدفت التمرّكزات العسكرية جنوبي العريش، وحاول اغتيال فرد شرطة في حيّ المساعيد غربي العريش لكن فشل في ذلك. كان لافتاً اقتحام عناصر التنظيم لمقرّ شركة مياه الشرب في العريش وسرقتهم لأحدى السيارات من داخله.
إرهاصات عملية الواحات
تمكّنت قوات وزارة الداخلية المصرية خلال هذه الفترة من التصفية الكاملة للمجموعات التي نفَّذت الهجوم على الرتل الأمني في طريق الواحات الشهر الماضي، فبعد إعلان جماعة "أنصار الإسلام" التي ترتبط تنظيمياً بجماعة "المرابطون" المتمركزة في ليبيا، نفّذت القوات الجوية المصرية ضربة غربي الفيوم قرب طريق الواحات دمَّرت فيها ثلاث عربات دَفْع رباعي كان فيها عدد من عناصر هذا التنظيم، ثم تم قتل بقيّة أفراد المجموعة بعملية موسّعة استمرت عدّة ساعات في منطقة الكيلو 175 بطريق الواحات قرب الواحات الخارجة بدعم جوّي، وأسفرت العملية عن قتل حوالى 13 عنصراً إرهابياً منهم قائد تنظيم أنصار الإسلام المُنفِّذ لعملية الواحات.
استمرت كذلك خلال هذه الفترة عمليات الداخلية في أحياء مدينة العريش، حيث نفّذت قواتها عمليات مُداهمة وتفتيش لعدد من الأحياء داخل المدينة، كما نفّذت عملية خاصة استهدفت بها عناصر تنظيم حسم الإرهابي في محافظة الفيوم أدَّت إلى قتل 12 عنصراً ومصادرة كميات من الذخائر. بالتزامن مع هذا النشاط في المنطقة الغربية، أحبطت القوات الجوية ثلاث محاولات لاختراق الحدود الغربية، ودمَّرت ما مجموعه 24 سيارة دفع رباعي محمَّلة بالذخائر والعناصر الإرهابية.
الصفقات التسليحية والمُناورات العسكرية
انضمّت في هذه الفترة بشكل رسمي إلى البحرية المصرية، الفرقاطة "شباب مصر" من فئة "بوهانج" الكورية الجنوبية، والتي تم إهداؤها لمصر. كما بدأت زيارة هامة لوزير الدفاع المصري إلى الهند يتوقّع أن تشمل التفاوض والتشاور حول ملفات تسليحية عديدة بين البلدين، سبقت هذه الزيارة زيارة للرئيس المصري إلى فرنسا، تم فيها بحث تزوّد سلاح الجو المصري بعدد إضافي من المُقاتلات مُتعدّدة المهام "رافال" بعدد 12 مقاتلة، وجدير بالذكر أن مصر مُتعاقِدة بالفعل على 24 مقاتلة من هذا النوع، ستتسلَّم خلال الأيام المقبلة الدفعة الخامسة منها ليصبح في حوزتها بنهاية هذا العام 14 مقاتلة.
حظيَ الجيش المصري بمناورتين مهمّتين خلال هذه الفترة، الأولى هي التدرّيب البحري المشترك مع اليونان "ميدوزا 5"، وفيه شاركت وحدات بحرية يونانية مع فرقاطة وغواصة وسفينة الهجوم البرمائي من الفئة "ميسترال" تابعة للبحرية المصرية في تدريبات على الاعتراض البحري وتفتيش السفن والبحث والإنقاذ والإبحار المشترك، بجانب تنفيذ وحدات جوية من البلدين لتدريبات مشتركة. هذه المناورة سبّبت إزعاجاً واضحاً لتركيا التي قامت بمحاولتين للاستطلاع الجوّي لمنطقة المناورات التي تقع ما بين جنوبي جزيرة رودس وشمال شرق جزيرة كريت.
المناورة الثانية مستمرة حتى الآن ما بين الجيشين المصري والأردني على الأراضي المصرية تحت إسم "العقبة 3"، وتشارك فيها من الجانب المصري وحدات من القوات الخاصة البحرية وقوات المنطقة الجنوبية العسكرية ووحدات من الصاعقة والمظلّات وقطع من الأسطول الجنوبي، بجانب وحدات برية وجوّية من الجانب الأردني.
تطوّرات ميدانية لافِتة
في مُجمل تقييم الوضع الميداني الحالي، تبرز عدّة تطوّرات مهمة، أولها التعديل الذي طرأ على القيادة العسكرية العُليا في مصر بترقية اللواء أركان حرب محمّد زيد حجازي إلى رتبة الفريق وتعيينه رئيساً لأركان الجيش المصري خلفاً للفريق محمود حجازي الذي تم تعيينه مستشاراً لرئيس الجمهورية للتخطيط الاستراتيجي وإدارة الأزمات، هذا التعديل يعكس الرؤية المصرية المستقبلية لتطوّرات الصراع في ليبيا نظراً لأن خبرة الفريق حجازي في إدارة الشأن الليبي تجعل من الحيوي تفرّغه لهذا الملف الذي يتوقّع أن يشهد تطوّرات كبيرة في الفترة القادمة.
التطوّر الثاني كان عودة جماعة "جيش الإسلام" الموالية لتنظيم القاعدة إلى الظهور مرة أخرى عبر ثلاثة بيانات تم تداولها على الإنترنت، الأول كانت تدين فيه تصرّفات عناصر داعش في سيناء، والثاني أدانت فيه عملية قتل السائقين وسط سيناء، والثالث أعلنت فيه عن عملية ضد عناصر داعش أسفرت حسب البيان عن قتل أربعة منهم. هذه الجماعة كان آخر ظهور علني لها عام 2013 بعمليتين استهدفت إحداهما مقرّ المخابرات الحربية في مدينة رفح، ثم توقّفت تماماً عن الظهور سواء إعلامياً أو ميدانياً. هذا التطوّر ربما يُشير إلى بدء تصدّع تنظيم داعش الذي بات حالياً مهدّداً من مجموعات مسلّحة أخرى بجانب قوات الجيش والشرطة وعناصر القبائل.
التطوّر الثالث كان على مستوى عمليات القبائل السيناوية، حيث لوحِظ عودة عناصر القبائل للعمليات ضد عناصر داعش بعد فترة توقّف، تم تنفيذ عمليتين خلال الفترة الماضية، الأولى استهدفت عناصر من داعش كانوا يحاولون إقامة نقطة تفتيش على طريق قرب منطقة البرث جنوبي رفح، العملية الثانية تم فيها الاشتباك مع مجموعة لداعش في منطقة القصيمة، وأدَّى الاشتباك إلى مقتل أربعة عناصر إرهابية.
التطوّر الرابع يتعلّق بالتكتيكات التي يتّبعها تنظيم داعش في سيناء، حيث بدأ يركِّز على المدنيين في عملياته سواء بالخطف أو الاغتيال، وكذلك الصوَر التي ينشرها على الإنترنت والتي يحاول فيها الإيحاء بأن الجيش المصري يستهدف منازل المدنيين والمساجد. كذلك لوحظ محاولاته المستميتة منذ شهرين وحتى الآن لاستهداف مصنع إسمنت العريش الذي تُديره القوات المُسلّحة، وفشل في تدميره سواء بسيارة مُفخَّخة أو بضربه بصواريخ الغراد كما حدث منذ أيام، فاستهدف سيارات النقل المُتّجهة إليه، وهذا بغرض وقف نشاط المصنع الذي يُعدّ شرياناً صناعياً حيوياً في سيناء. اتّضح أيضاً من خلال مجريات العمليات أن التنظيم بات يعاني من قلّة ما يتوافر له من وسائط للنقل خاصة بعد السيطرة على معظم الأنفاق الرابِطة بين سيناء وفلسطين المحتلة، وأصبح يعتمد بصفة أساسية على الدراجات النارية بجانب سيارات التاكسي والنقل التي يقوم بسرقتها. كانت الضربة الأكبر التي تلقّاها التنظيم هي في كميات قطع غيار الدراجات النارية التي صادرها الجيش الثالث الميداني، وكذلك مُصادرة الجيش لعبوات تحتوي على غاز البيوتان الذي له خصائص سميّة ومُهِّيجة للجِلد وقابلية سريعة للاشتعال، وربما كانت هذه الحاويات هي الذخيرة التي سيستخدمها التنظيم لشنّ هجمات انتحارية، أو حتى هجمات تحمل صبغة كيماوية وإلصاقها بالقوات العسكرية في سيناريو مماثلة لما حدث في سوريا.