رغم الحرب.. على طريقتنا نحتفل
بالرغم من ظهور جروح الحرب والدمار التي لا تُنسى، بهجة العيد تُستحضر كل عام في الصلوات وتعلو كلمة الله في المساجد رغماً عن أنف كل من يذبحون باسمه.
في أواخر شهر رمضان المُبارك يبدأ المسلمون بالتحضير لاستقبال عيد الفطر الذي لن يكون سعيداً في غالبية دولهم. السلام ما زال مُهاجراً عن فلسطين الحبيبة واليمن تحت مرمى النيران وقع، العراق طالته يد الإرهاب وبغداده يأنّ، أما سوريا فحدّث مع الكثير من الحرج.
ولأن عيد الفطر ليس عيداً شخصياً لصائم دون غيره، تتقاسم الكثير من الدول التقاليد والواجبات نفسها التي ينصّ عليها الدين الإسلامي بدءاً بصلاة العيد مروراً بالعمل على تمتين صلة الرحم بين العائلات على وجه الخصوص، عدا عن تبادل التمنّيات بعامٍ سعيدٍ عسانا وإيّاكم من عوّاده.
إلى فلسطين اتّجه القلب والسؤال كما تفعل بوصلتنا دوماً، كيف يقضي المسلمون هناك أيام عيد الفطر وما هي أعظم أمنياتهم بعد قضائهم شهراً كاملاً في ضيافة الله؟ يجيبنا محمّد ذو الـ ٥٥ ربيعاً والذي يسكن في غزّة وما فارق أراضيها يوماً: "منذ ٦٨ عاماً يتمنّى الفلسطينيون أن يحلّ عيدهم الأكبر وهو اليوم الذي تُدحر فيه إسرائيل عن أراضينا، ونصلّي حينها جمعاً في القدس الشريف." ويُضيف بأن" الطفل في فلسطين يُزيّن الحجارة ويُرتّبها ويضع خطة كيف يرشق المحتل بها، حينها يبدأ عيده الحقيقي." وبانتظار تحقيق الأمنية الأعظم لديهم يستيقظ الفلسطينيون صبيحة يوم العيد لأداء الصلاّة في المساجد ويذهبون بعدها إلى الصلّاة في المقابر على أراوح الشهداء والأموات. أما النساء هناك فيتابدلن التهاني ويفترشن الموائد التي تعج بالأكلات الفلسطينية وعلى رأسها "الفسيخ" وهو السمك المُملّح الذي يُعدّ الطبق الأكثر شهرة وشهيّة في فلسطين.
في اليمن، حيث انتُزعت قبل ما يقارب السنة ونصف السنة البسمة من أفواه اليمنيين غصباً، من صنعاء إلى تعز مروراً بعدن ولحج وجميع المناطق، يحتفل اليمنيون بعيد الفطر السعيد. في العشر الأواخر من شهر رمضان ينشغل الصغار والكبار في اليمن بجمع الحطب ووضعه على هيئة أكوام عالية ليتم حرقها ليلة العيد تعبيراً عن فرحتهم بقدوم عيد الفطر وحزناً على وداعه. "جعالة العيد" و"بنت الصحن" من أشهر الحلويات التي تُقدّم في اليمن صبيحة يوم العيد. "عواده" أو "عسب" هو الاسم الذي يُطلق على العيدية، وهو عبارة عن مبلغ من المال تتقاضاه النساء على وجه الخصوص. زيارة الأهل والأقارب واجب يمني في عيد الفطر ويُطلق على هذه الزيارات اسم " يروح يعود".
"حمّام السوق" في سوريا يُعتبر من أشهر العادات التي تقترن بعيد الفطر حيث يذهب أهلها للاستحمام صبيحة يوم العيد. تنتشر مثل هذه الحمّامات في حلب والشام على وجه الخصوص. وبعد أدائهم صلاة العيد يذهبون إلى الأسواق القديمة، يُعدّ سوق حلب الكبير - مع ما تبقّى منه - أبرزها. حلويات العيد في سوريا كثيرة وأهمها الكرابيج والعجوة وكذلك المعمول.
"العيدية" في لبنان كما في الكثير من الدول تُعتبر هدف الأطفال الأول. حيث يقوم الكبار بتقديم مبلغ من المال للأطفال لبثّ الفرحة في قلوبهم. وبعد أداء صلاة العيد في لبنان يجتمع الأهل والأقارب في بيت واحد وهذا قلّ ما يحدث في الأيام الأخرى، يتبادلون التهاني والتبريكات ولا بدّ من حضور البقلاوة والمعمول على سُفر الضيافة، ليتوجهوا بعدها إلى مراكز الملاهي والأسواق بالتزامن مع اشتعال المفرقعات في السماء لرسم أجواء مشوّقة للعيد.
أما في العراق، فيتوجّه العراقيون بعد أدائهم صلاة العيد إلى القبور كنوع من التواصل مع من فقدوا من أحبّاء، ويباشرون بعدها بزيارة الأهل في بيت العائلة وكذلك زيارة الأصدقاء. مؤخراً بات العراقيون ينظّمون سفرات إلى منتزه الزوراء في بغداد لأنه المنتزه الآمن الوحيد في ظلّ ما يعانونه من حروب بسبب الإرهاب. وتبقى "الكليجة" أشهر أنواع الحلويات التي تُقدّم في عيد الفطر حيث يتفاخر العراقيون بصنعها في المنازل وحشوها بالتمر والجوز وبنكهات مي الورد.
في مصر وكذلك السعودية تصدح المساجد صبيحة يوم العيد بالتكبيرات والموشّحات الدينية، وتتزيّن جميع المحافظات احتفاء بقدوم العيد. بعد أداء الصلاة تقوم الأسر بزيارة القبور وبعدها الزيارات العائلية، الكلاّج والمعمول والتمور على أنواعها صديقة العيد، حيث تُقدّم جميع الحلويات مع التهاني والتبريكات.
من أولويات الأسرة التركية في عيد الفطر(عيد السكّر) تنظيف البيت التركي وأداء الصلاة وكذلك زيارة القبور والقيام بالواجبات العائلية. تتشارك معها البحرين في ذلك لكنها تتميّز بـ"القدوع" وهو صحن كبير يضم أنواعاً كثيرة من الفواكه والحلويات يتصدر مجلس الضيوف.
رغم كل ما سبق يعمل المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها على التحضير لمراسم عيد الفطر كلٌّ على طريقته. حتى مع ظهور جروح الحرب والدمار التي لا تُنسى بهجة العيد تُستحضر كل عام في الصلوات وتعلو كلمة الله في المساجد رغماً عن أنف كل من يذبحون باسمه، وتبرهن أمّتنا أنها فعلاً أمة تستحق الحياة والفرح.