لماذا يرفض السوريون مسودة الدستور الروسية؟
قلّما يتفق الموالون والمعارضون في سوريا على أمر، مثلما اتفقوا على معارضة مسودة الدستور الذي وضعته روسيا كمشروع دستور يكون أرضية لتسوية سياسية بين النظام والمعارضة...وإن كانت المعارضة السورية بمختلف تشكيلاتها قد أعلنت رفض هذا الدستور من حيث المبدأ بغض النظر عن مضمونه، فإن صمت الحكومة السورية ليس علامة رضا، بل ربما صمت المحرج من مقترح الحليف.
كانت وكالة "سبوتنيك" الروسية قد نشرت أجزاء من المسودة الروسية التي وزعها الوفد الروسي إلى مفاوضات أستانا حول سوريا على المفاوضين من الحكومة والمعارضة. الناطقة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا أوضحت "أن موسكو لا تحاول فرض أفكار ما على أحد، إنما يكمن الهدف من مبادرتها في تحفيز السوريين، لكي يبدؤوا مناقشة هذا الموضوع، فلن يطرح أي من الطرفين أبداً مشروعاً يمكن اعتماده كأساس، إنه أمر مستحيل".
وإن كانت المعارضة السورية بمختلف تشكيلاتها قد أعلنت رفض هذا الدستور من حيث المبدأ بغض النظر عن مضمونه، فإن صمت الحكومة السورية ليس علامة رضا، بل ربما صمت المحرج من مقترح الحليف.
وليس مبالغة القول إن السوريين المعروفين بوطنيتهم الشديدة وإيمانهم بالقومية العروبة، بغض النظر عن تلويناتهم السياسية والطائفية والمذهبية، لن يهضموا فكرة أن تضع دولة أجنبية، ولو كانت حليفة للحكومة، دستوراً لهم يعيد تذكيرهم بفترة الاستعمار الفرنسي أو الاحتلال العثماني.
من هنا يمكن القول إن المسودة الروسية للدستور قد جانبها التوفيق، وإن كانت خلفيتها نية حسنة تهدف إلى إيجاد أرضية للتلاقي والاتفاق على تسوية سياسية تنهي الحرب الدموية بعد نحو ست سنوات من اندلاعها.
لكن الأمر لم يقتصر على شكل المبادرة الروسية التي لم تراعِ مسائل السيادة والكرامة الوطنية والعزة القومية، إنما أثارت بعض بنود الدستور المقترح استياء معظم السوريين، وخصوصاً ما اقترحته المسودة الروسية من إزالة تعابير تشير إلى عربية الجمهورية السورية وإحلال اسم "الجمهورية السورية" للتشديد على ضمان التنوع في المجتمع السوري، أو إشاراتها إلى اللامركزية أو الفدرالية المقنعة والمحاصصة الطائفية، وإمكانية تغيير الحدود، وتقليص صلاحيات رئيس الجمهورية، وتغيير دور القوات المسلحة.
لماذا يتحفظ السوريون على مسودة الدستور؟
عضو مجلس الشعب السوري، الدكتور محمد خير العكًام قال في حوار مع وكالة سبوتنيك الروسية إن موضوع الدستور أمر سيادي يجب أن توافق عليه الحكومة والشعب السوريان.
ووصف العكام، وهو أستاذ القانون في جامعة دمشق، وعضو الوفد الحكومي السوري إلى محادثات جنيف، المسودة الروسية للدستور بأن فيها إيجابيات وأبدى بعض التحفظات على بعض البنود مثل حذف كلمة العربية من الدستور السوري. وإذ أقر العكام بوجود حقوق ثقافية لبعض المكونات بما فيها اللغة، لكنه اعتبر أن شطب كلمة عربية يعني شطب تاريخ سوريا والضمير الوجداني لكل السوريين.
وأشار العكام إلى أن الوثيقة قد تأثرت بالدستور الروسي وبالنظام الاتحادي الروسي الذي يضم أعراقاً ومقاطعات وشعوباً. وقال إن "من استخدم هذه العبارات لم يعد الى الدساستير السورية السابقة".
من جهته رأى الباحث السوري الدكتور عقيل سعيد محفوض في حديث للميادين نت "أن مقترح الدستور الروسي قد تم تلقيه أو فهمه من قبل كثيرين بوصفه شرطاً أو مطلباً روسياً، ورأى في ذلك "بعض التسرع في التعاطي معه، وخاصة أن العديد من الملاحظات جاء سلبياً ومتوتراً أكثر من اللازم". وأضاف: "من الطبيعي لشريك في الحرب ولفاعل رئيس فيها ومدافع نشط عن البلد أن يقوم بمبادرات من هذا النوع، وقد قال الروس إن ما قدموه هو مجرد إطار أولي للمناقشة".
وأوضح محفوض أن الاستجابة السورية المفترضة هي بأن يكون ثمة مستوى من النقاش والإعداد الجاد والمعمق لتحديات المرحلة القادمة، فيما يخص الدستور وغيره". ورأى أن "من الطبيعي إعادة النظر ليس بالدستور الحالي فحسب، وإنما في طبيعة العلاقة بين المجتمع والدولة بما يحقق استجابة فعالة لتحديات المرحلة الراهنة وما يليها". وأضاف "أن ثمة ملاحظات كثيرة على المسودة الروسية، وذلك يتطلب التعاطي الجاد معها ومحاولة توصيل وجهة نظر السوريين الى الروس وللعالم أيضاً، وأن يكونوا مستعدين لمراجعة الصيغ الدستورية القائمة بما في ذلك التسميات والبنى الإدارية وغيرها، لأن هذه الامور تتطلب توافقاً وطنياً عاماً ويجب أن تصدر بإجماع وطني".
من جانبه، قال الدكتور أحمد أديب أحمد، الأستاذ في جامعة تشرين السورية، للميادين نت: "طالعنا مسودة الدستور السوري وفق المقترح الروسي فوجدناه كمثقفين سوريين مقترحاً مخيباً للآمال ومرفوضاً لأنه بعيدٌ عن المفاهيم التي تربينا عليها، فإلغاء اسم العربية من اسم "الجمهورية العربية السورية" كان أول ما أساء لتاريخ طويل من فكر مدرسة القائد حافظ الأسد، لأنه انتصار للدول العربية التي حاربتنا وحافظت على التسمية، بينما- ونحن الأحق- يقترحون علينا إزالته وهذا مرفوض بالنسبة لنا."
أما بالنسبة لفكرة لا مركزية السلطات فاعتبرها أحمد "كأنها ترسيخ لفكرة مراكز الحكم الذاتي لمقاطعات مستقلة، أي تثبيت لفكرة التقسيم بشكل غير معلن، أو بشكل مهذب، وهذا يضعف بنيان الدولة بشكل كبير، خاصةً أن كل المقترحات الغريبة كانت خلاصة فترة حرب وضعف وضغوط دولية، لا خلاصة فترة سلم وقوة وانفراج دولي".
في المقابل، قال باحث سوري طلب عدم كشف اسمه للميادين نت إن "موضوع الفدرالية هو مشروع أميركي الهدف منه تفتيت سوريا، وإضعاف موقع الرئيس يصب في هذا الاتجاه. فجعل سورية تحت المحاصصة ونزع تسمية العروبة تصب في نفس المشروع الغربي في نسخة "لايت"". وأشار إلى "أن طرح المسودة بهذه الصيغة ما هو الا بالون اختيار، إذ يعرف الروس جيداً أنه لا يمكن لدستور بهذا الشكل أن يمر". وأضاف: "بكل الأحوال يبدو أن التسوية لم تنضج بعد في سوريا. فالكل يلعب لتحقيق بعض المكاسب في الزمن الضائع ريثما تستقر التوازنات في المنطقة والعالم". وأكد أن الحكومة السورية لا يمكن أن توافق على هكذا دستور وأن الدستور سيكون سورياً في نهاية المطاف.
والسؤال المطروح: هل تصر موسكو على مشروع دستور ترفضه غالبية الشعب السوري لإرضاء فئة صغيرة منه وربما أطراف خارجية؟