حيّ "تل أبيب" الذي التهم مدينة "يافا" الجميلة
في كل مرة تتصدر فلسطين واجهة الأحداث، تكثر الدعوات لاستخدام الأسماء العربية للمدن الفلسطينية التي تحتلها "إسرائيل" وليس العبرية. آخرها دعوات إلى استخدام "تل الربيع" بدلاً من "تل أبيب"، فهل هذا صحيح؟
"تل أبيب" - "يافا"
"تل أبيب" أم "تل الربيع"؟
طالب بعض الناشطين على وسائل التواصل الإجتماعي مؤخراً باستخدام تسمية "تل الربيع" بدلاً من "تل أبيب" العبرية، باعتباره الاسم العربي للمدينة الفلسطينية.
ولكن، استخدام اسم "تل الربيع" بدلاً من "تل أبيب" خطأ شائع. فلم يكن يوجد قبل نكبة العام 1948 قرية أو مدينة فلسطينية اسمها "تل الربيع".
"تل الربيع" هو الترجمة الحرفية من العبرية إلى العربية لتسمية "تل أبيب" وليست الاسم الأصلي للمدينة.
أمّا "تل أبيب" فكان اسم الحي الذي كان يسكنه مواطنو "يافا" اليهود، والذي أسس بين عامي 1909 – 1910، إبّان الخلافة العثمانية.
ومنذ الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين في العام 1948، تضخم هذا الحي تدريجيا، ليتحول إلى مدينة "تل أبيب" التي التهمت مدينة "يافا"، وحولتها إلى جزء صغير مهمش في قلب "تل أبيب"، وما زالت تحاول تهجير من تبقى من أهلها الفلسطينيين.
"تل أبيب" وضواحيها اليوم، مقامة على أراضي 7 قرى فلسطينية هُجّرَ أهلها في العام 1948 ودُمرت بعد ذلك.
إذاً، "تل أبيب" هي يافا وقراها، وليست "تل الرّبيع".
"يافا" و"تل أبيب" في كتاب عباس محمود العقاد
عن محاولات إقصاء "تل أبيب" لمدينة "يافا" والتهامها كتب الأديب عباس محمود العقَّاد في كتابه "حياة قلم" عن زيارته لفلسطين قبل احتلالها بـ3 سنوات في العام 1945، وقال "...لمست فيها عن كثب ذلك الصراع العنيف الذي أحسبه أعجب صراع بين مدينتين متجاورتين في تاريخ المشرق، أو في تاريخ العالم بأسره، وهو الصراع بين مدينة يافا ومدينة تل أبيب. إن المدينتين متجاورتان تقيمان في مكان واحد، حتى ليبدأ الشارع أحيانًا في يافا وينتهي في تل أبيب، ولكن السباق بينهما سباق بين أقدم ميناء على شواطئ بحر الروم وأحدث ميناء عليه، أو لعله أحدث ميناء على جميع شواطئ البحار".
ويصف العقاد مقاومة يافا عبر التاريخ ويقول إنها "..عمرت وخرجت مرات على أيدي البشر، وعلى أيدي الزلازل والجوائح الطبيعية، وصمدت للعراك بين الدول التي تداولتها من عهد تحوتمس وسنحاريب، إلى عهد العرب والصليبيين، إلى هذا العهد الذي لا يحسب في تاريخها من العهود الرخية الميمونة، وإن كنا لنرجو ألا يكون من أقسى العهود؛ لأنها قد صمدت في تجاربها الكثيرة لما هو أقسى، وأصرم من تجارب العهد الذي هي فيه الآن".
يضيف العقاد في وصف حصار يافا ومقاومتها للبقاء قائلاً "كانت يافا تعوِّل في معيشتها على الزراعة وعلى الصناعة. وعلى الميناء وما يدور حوله من حركة السفن وحركة البيع والشراء …
فأصيبت في جميع هذه الموارد، ولا تزال مع هذا قائمة على قدميها تناضل نضالها المجيد في سبيل البقاء. فالموالح والثمرات التي عرفت باسمها من قديم الزمن، لا تلقى اليوم في الأسواق القريبة ذلك الترحيب الذي تعودت أن تلقاه إلى زمن غير بعيد.
والصناعة، وأهمها صناعة الجلود وصناعة الصابون، قد منيت بالمزاحمين الأقوياء في تل أبيب، وما وراء تل أبيب من بلدن الشرق الأدنى".
يتابع العقاد وصفه "أما الميناء فقد تحول عنه أكثر السفن إلى ميناء حيفا، الذي تنتهي إليه أنابيب البترول من آبار العراق، أو إلى ميناء تل أبيب الذي بناه مجلسها البلدي، ومد إلى جانبه ذلك الكورنيش الطويل محاكيًا به كرنيش الإسكندرية في كل شيء".
ويختم قائلاً عن يافا "(..) فهي اليوم تتماسك على مضض، أو على صبر أليم، وحسبك من مدينة تفجع في مواردها جميعا، ولا تزال ناهضة على قدميها في إباء المناضل المستميت".
دمج "تل أبيب" و"يافا"
تم دمج "تل أبيب" ويافا في مدينة واحدة في العام 1950 بعد الإحتلال الإسرائيلي لفلسطين. مع الوقت، بدأ يختفي الطابع العربي للمدينة، ويطغى الطابع اليهودي، حتى تحولت يافا بالكامل إلى "تل أبيب".
ما هو أصل تسمية "تل أبيب"؟
اسم "تل أبيب" مقتبس من العهد القديم، من سفر حزقيال. ولم ترد فيه إلا مرّة واحدة على الشكل التالي:
"ثُمَّ أَقْبَلْتُ عَلَى الْمَسْبِيِّينَ الْقَاطِنِينَ إِلَى جُوَارِ نَهْرِ خَابُورَ عِنْدَ تَلِّ أَبِيبَ، فَأَقَمْتُ هُنَاكَ حَيْثُ يَسْكُنُونَ مُتَحَيِّراً سَبْعَةَ أَيَّامٍ".
هذا ولم يعثر الباحثون على موقع نهر خابور.
من اختار اسم "تل أبيب"؟
كان لثيودور هرتزل رواية خيالية مشهورة تسمى "التنويلاند" وترجمها الكاتب والمؤرخ اليهودي ناحوم سوكولوف من الألمانية إلى العبرية. فلم يجد المترجم في العبرية مصطلحاً مقابلاً لـ"ألتنويلاند"، فاختار تسمية "تل أبيب" ليكون عنواناً للترجمة العبرية. لأن معناه يمزج بين القديم والجديد، فـ"تل" يشير إلى القديم، و"أبيب"، يعني الربيع، ويشير إلى التجدد.
بعد ذلك بسنوات، في العام 1909، أُعلن رسمياً تأسيس حي يقع شمالي مدينة يافا. سُمي الحي مؤقتاً باسم "أحوزات بيت"، وهو اسم النقابة التي بنت الحي، ثم توالت الاقتراحات لاسم الحي في ضواحي "يافا" والذي تحول إلى مدينة.
من الاقتراحات "يافا الجديدة"، "نفيه يافا"، "أفيفا"، و"هرتزليا" نسبة إلى ثيودور هرتزل. وفي العام 1910 اقترح "مناحيم شينكين" اسم الترجمة العبرية لرواية ألتنويلاند: تل أبيب.
من أسس حيّ "تل أبيب"؟
يُنسب تأسيس الحي اليهودي "تل أبيب" شمالي يافا، إلى شخصين، الأول هو "مئير ديزنجوف"، الذي أسس شركة "جؤولاه" (الخلاص)، بهدف شراء الأراضي من الفلسطينيين. والثاني هو المعماري "عقيفا آرييه فايس"، الذي لم ينل حظاً مماثلاً من شهرة ديزنجوف.
وفي موسوعة "شخصيات أرض إسرائيل"، كُتب أن مئير ديزنجوف هو مؤسس "تل أبيب" ومحافظها الأول، ومن بيته الشخصي أعلن "بن غوريون" قيام دولة "إسرائيل" في العام 1948.