تهجير صامت للفلسطينيين في يافا المحتلة: "عَميدار" تسلب البيوت بالمناقصات
في العقدين الأخيرين، ازدادت محاولات سلطات الاحتلال الإسرائيلي فرض تغيير ديموغرافي في يافا عموماً، وفي "حي العجَمي" على وجه الخصوص. فما هي الأساليب التي يتبعها الاحتلال ضمن هذا المسار؟
عقب النكبة الفلسطينية عام 1948 وسقوط مدينة يافا بأيدي عصابات "إيتسِل (الإرغون)" الصهيونية، وعصابات الـ"هاغاناه"، وبدعم من الانتداب البريطاني، هُجّر أهالي المدينة التي بلغ عدد سكانها ما يقارب الـ100 ألف فلسطيني آنذاك، وبقي منهم قرابة الـ4 آلاف فقط؛ تم زجّهم في حيّ صغير في يافا هو "حيّ العَجَمي" الذي صمد أمام أسلحة العصابات الصهيونية، بما يشبه "الغيتو"، بعد أن صادر الاحتلال الإسرائيلي بيوتهم وأراضيهم وأملاكهم على امتداد المدينة الساحلية؛ في أحياء المنشيّة، والجبليّة، وسكنة درويش، والنزهة، وأرشيد، والبلدة القديمة، والعرقتنجي وغيرها، وحوّلت ملكيتها إلى ما يُعرف بـ"القيّم على أملاك الغائبين" ولشركات خاصة أو حكومية ومنها شركة "عميدار" للإسكان، التي تأسست عام 1949 وتتبع لما يُعرف بـ"دائرة أراضي إسرائيل".
وهكذا أصبح أهالي المدينة وغيرهم من الفلسطينيين سكان الأراضي المحتلة غائبين حاضرين، سُلبت أراضيهم بواسطة "القانون" المزعوم وغدَت ملكًا لمَن لا يملك.
التصدي للمخططات الصهيونية.. الحراك في يافا
إلى جانب توجّه رئيس "قائمة التجمّع الوطنيّ الديمقراطيّ" وعضو القائمة المشتركة سامي أبو شحادة، لمقابلة وزير الإسكان، يعقوب ليتسمان، لمتابعة ملفّ قضايا التهجير في المدينة، يواصل أهالي مدينة يافا احتجاجهم للأسبوع الثامن على التوالي، بعد أن كان رد شركة الـ"عميدار" عدم التجاوب مع حقوقهم، وفي أفضل الأحوال تجميد بعض المناقصات وليس إلغاءها.
وأكّد منظّمو الحراك الأسبوعي أنهم بصدد تصعيدات وتظاهرات في أماكن أخرى. كما أكّد المشاركون على جهوزيّتهم للتضحية مهما كلّف الأمر، للبقاء في مدينة يافا التي ترعرعوا بها. وقال عبد أبو شحادة، أحد منظّمي الحراك وعضو المجلس البلدي "سنظل نسمع في يافا أصوات الآذان وأجراس الكنائس تتناغمان، ونتكلم اللغة العربية في الشارع لا غيرها، وسندفع دمنا لأجل ذلك".
شركات الإسكان الإسرائيلية والأثرياء الصهاينة ينهبون يافا
وكّلت "دائرة أراضي اسرائيل" شركة "عميدار" للإسكان بإدارة البيوت والعقارات في مدينة يافا، وقامت الأخيرة بتأجيرها كمساكن شعبية يُرغَم سكانها على دفع أجر شهري بالمقابل، أما هؤلاء الذين لم يدفعوا تمّت مقاضاتهم وتهجيرهم من بيوتهم عنوةً.
تزعم شركة "عميدار" أنها "تسعى للمحافظة على الممتلكات وتقديم المساعدة" بإيجار الشقق للفئات المستحقّة في يافا وغيرها من قِبل وزارة البناء والإسكان الإسرائيلية، لكن تبيّنت مؤخراً نواياها المُبيَّتة لتهجير أهالي المدينة الأُصلاء من بيوتهم وبيعها في المناقصات والمزاد العلني.
وفي هذا السياق، صرّح عضو "الهيئة الإسلامية" المنتخبة بمدينة يافا، إياد حمّاد، في حديث خاص للميادين نت أن ما يجري في المدينة هو "تهجير ناعم يهدف لتغيير الواقع الديموغرافي في يافا واستجلاب المستوطنين الأجانب من وراء البحار لنهب أملاك اليافيّين وطردهم".
وأشار حمّاد إلى أنه "نتيجة لسياسات التضييق الإسرائيلية فالوضع الاقتصادي للسكان بشكل عام صعب جداً، لا سيما عند الحديث عن سكّان المساكن الشعبية، أضف إلى ذلك الضرائب والمخالفات التي تفرضها عليهم بلدية تل أبيب-يافا بلا هوادة"، مضيفاً بأن "السكان الذين يدفعون أجراً شهريا بانتظام هم أيضاً لم يسلَموا من التهجير".
وأكد حمّاد أن "دائرة أراضي إسرائيل اتّخذت قراراً ببيع هذه البيوت لأصحابها مؤخراً، حين أصبحت أسعار البيوت خيالية. مثلًا، الحديث عن سعر محتمل لبيت تبلغ مساحته نحو 100 متر مربع، هو ما يقارب الـ3.5 مليون شيكل، أي ما يعادل المليون و700 ألف دولار أميركي في أفضل الأحوال، ما يحول دون قدرة الأهالي على الشراء".
وأردف حمّاد بأن شركة "عميدار" وضعت البيوت في المزاد العلني وعرضتها على "السوق الحرّة" لشرائها بعد عجز أصحابها الأصليين الفلسطينيين عن شرائها من الشركة بغرض جني أموال طائلة. أمّا عن المستثمرين فهم وفق حمّاد "أثرياء صهاينة من فرنسا، وكندا، وأستراليا، وأميركا، بالإضافة إلى أثرياء ورجال أعمال إسرائيليين، وفي كثير من الأحيان قد تكون هذه البيوت ملكيّة خاصة لهم".
وبطبيعة الحال، هم لا يأبهون بمقاضاة أصحاب المنازل الأصليين لأي سببٍ كان ويستطيعون إخراجهم لأجل أرباح شخصية حالهم حال "عميدار"، تحت غطاء "مخالفة القانون" أو "التعدّي على الأملاك"، "فالقانون" معهم"، حسب ما أوضح حمّاد.
المهجَّرون إلى "حي العجمي" يهجَّرون مجدداً
في العقدين الأخيرين، ازدادت محاولات السلطات الإسرائيلية فرض تغيير ديموغرافي في يافا عموماً، وفي "حي العجَمي" على وجه الخصوص. حيث تبلغ اليوم نسبة السكّان الفلسطينيين في الحي حوالي 20% بعد أن كان يتّسم بالطابع اليافيّ الفلسطيني العريق، مقابل أغلبية يهودية تنقسم بين الأثرياء اليهود من دول أجنبية، وإسرائيليين علمانيين ومستوطنين صهاينة من خلفيات دينية متشدّدة تضفي على الحي ملامح أبعد ما تكون عن مدينة يافا التاريخية وأصالتها المعروفة.
وأكد إياد حمّاد في حديثه للميادين نت أنّ "هذه الإجراءات هي استكمالية للنكبة، فالنكبة لا زالت مستمرة"، مشدداً على أن الفلسطينيين الذين تهجّروا من ضواحي يافا عام 1948 إلى "حي العجمي"، يتم تهجيرهم من هذا الحي إلى خارج يافا كليّاً.
ولفت حمّاد إلى أن شركة "عميدار" عرضت مؤخراً 2000 منزلاً يسكنه فلسطينيون على المزاد العلني، ومنها بيوت أفراد عائلتي ومنزل جدّي الذي كان يملك بيارة شمال يافا سُرقت منه وتمت مصادرتها، مضيفاً: "اليوم مطلوب مني أنا، من الجيل الثالث للنكبة، شراء بيت جدّي الذي كبرت به مقابل 7 ملايين شيكل، ما يوازي المليونين و140 ألف دولار أميركي وهذا بحد ذاته ضرب من الجنون".
وأشار حمّاد إلى تورّط الجهاز المصرفي الإسرائيلي في مسألة التهجير الممنهج لأهالي الحيّ، "فحين يتوجّه الفلسطيني من سكان مدينة يافا لأحد البنوك من أجل الحصول على قروض الإسكان أو ما يُعرف بالـ"مشكَنْتا"، ورغم كونه من المستحقّين، فإن البنوك ترفض ذلك وتعرض عليه بالمقابل مساعدة لشراء بيت في مدينة اللّد أو الرملة أو كفر قاسم، بحجّة أن البيوت في يافا أعلى ثمناً وبالتالي لن يتمكن من تحقيق كافة شروط القرض المطلوبة، وهذا ما يحدث مع الكثيرين في يافا".
"نكبة ناعمة" تطال أحياء يافا الفلسطينية
لعل "شارع 60" كما يسمّيه اليافيّون، أو بالعبرية شارع "كيدِم" هو مثال حي على التهجير الحاصل في مدينة يافا ككل، وأوضح إياد حمّاد للميادين نت أنه "منذ حوالي عقدين ونصف أشار رئيس بلدية "تل أبيب-يافا" الأسبق، روني ميلو، إلى هدم جزء كبير من البيوت في "شارع 60" بعد بيعها لشركات إسكان حكومية وخاصة وذلك عبر إقناع اليافيّين سكّان الخط الأول للبحر بالانتقال إلى شرق المدينة أو خارجها. ومعظم الشارع اليوم بُني حديثاً وأصبحت ملكيته لمستثمرين يهود، أما ما تبقّى من بيوت لليافيين الأصلاء تُعدّ على أصابع اليد، "وهذه الصورة البعيدة والتي نخشاها لما سيحدث مستقبلا لمدينة يافا"، وفق حمّاد.
وعن دور بلدية "تل أبيب-يافا" الحالية، تابع حمّاد بأن الرد حين توجّهوا إليها كان التنصل من المسؤولية، بحجّة أن الـ"عميدار" وغيرها هي شركات خاصة وبالتالي البلدية غير مسؤولة عن ملاحقتها، بالرغم من أن المسبب الأساس لغلاء البيوت في المنطقة هي البلدية، حيث اشترت بلدية "تل أبيب" معظم الأراضي المفتوحة في يافا، ما سبب نقصاً في العرض وارتفاع أسعارها كون الطلب على الأراضي عالٍ في المدينة. أما الأراضي المملوكة للبلدية فقد حُوّلت إما لحدائق عامة أو لحدائق خاصة بالكلاب، وأخرى استثمرتها للمستوطنين الجدد في يافا.
وختم إياد حمّاد بأن "الخطابات والتوجّه إلى الجهات الإسرائيلية بطرق ناعمة لا تنفع، المقاومة والرفض هو الحل الوحيد المُتاح أمامنا والذي سيبقينا في بيوتنا".
السعي الإسرائيلي لتهجير أهالي مدينة يافا من أحياء "العجمي والعرقتنجي والبلدة القديمة"، ومحاولات تهويد "مقبرة الإسعاف" في المدينة وغيرها من المعالم التاريخية المتبقية لا تنفصل عن مخطط تهجير حي "الشيخ جرّاح" المقدسي، هو صراع وجودي مستمر مع مؤسسة الاحتلال وتغوّل استيطاني يزداد مع مرور الوقت، في ظل تطبيع عربي وصمت دولي مذلّ.