"الشيخ جرّاح" في القدس المحتلة.. صمود بوجه سياسة التهجير الإسرائيلية
هي "نكبة ثالثة" تهدد الفلسطينيين في حيّ الشيخ جرّاح المقدسي، الذي أُنشىء عام 1956 بناءً على اتفاقية وقّعت بين الحكومة الأردنية، ممثلة بوزارة الإنشاء والتعمير الأردنية آنذاك، ووكالة "الأونروا".
يواجه أهالي حيّ الشيخ جرّاح، الواقع شمال البلدة القديمة للقدس المحتلة، منذ العام 1972 مخططاً إسرائيليّاً لتهجيرهم وبناء مستوطنة على أنقاض بيوتهم. وفي هذه الأيام تكثفت الإجراءات الإسرائيلية لتنفيذ هذا المخطط وفرضه واقعاً على الأهالي، خاصةً بعد صدور قرارات متتالية من محاكم الاحتلال لصالح الجمعيات الاستيطانيّة التي تقود هذا المخطط.
هي "نكبة ثالثة" تهدد الفلسطينيين في حيّ الشيخ جرّاح المقدسي، الذي أُنشىء عام 1956 بناءً على اتفاقية وقّعت بين الحكومة الأردنية، ممثلة بوزارة الإنشاء والتعمير الأردنية آنذاك، ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" مع 28 عائلة فلسطينية لاجئة، بغرض توطينهم بعد أن هُجروا من أراضيهم الواقعة في الداخل المحتل عام 1948 إبان النكبة، وذلك مقابل نزع صفة اللجوء عنهم وحرمانهم من حق العودة وسحب ما يُعرف بـ"بطاقات التموين" منهم.
البند الأهم من ضمن بنود هذه الإتفاقية حينها، وهو البند رقم 11، قضى بأنه بعد مرور 3 سنوات من سكن هذه العائلات اللاجئة في حي الشيخ جرّاح، ستصبح ملكية البيوت التي سكنوها ملكاً لهم، على أن تدفع العائلات أجرة رمزية لحين إتمام البناء وتسجيل الملكية بأسمائهم. لكن ذلك لم يحدث أبداً، ومنذ ذلك الحين يقارع أهالي الحي الجمعيات الاستيطانية في حارتهم وبيوتهم ومحاكم الاحتلال.
وفي مطلع العام الجاري أصدرت محكمة الاحتلال المركزيّة قراراً يمهل عائلات الجاعوني والقاسم واسكافي والكرد حتى الثاني من أيار/مايو القادم لإخلاء منازلهم، ويُمهل عائلات الداوودي والدجّاني وحمّاد حتى آب/أغسطس القادم، إلى جانب قرار بإخلاء عائلة الصباغ؛ الأمر الذي قد يترك ما يقارب 550 فلسطينياً بلا مأوى، بسبب ادعاءات إسرائيلية زائفة بوجود قبر "الصدّيق شمعون" و"ملكية" يهودية للمكان.
ونظم أهالي حي الشيخ جرّاح، الجمعة الفائت، مظاهرة احتجاجية على قرارات التهجير التعسفية، وسرعان ما قوبلت الوفقة بوحشية شرطة الاحتلال الإسرائيلي المعهودة، وقُمعت بالاعتداء على المتظاهرين وإلقاء القنابل لتفريقهم.
بداية الاستيطان الصهيوني في الحي
في حديث أجراه "الميادين نت" مع المقدسي نبيل الكُرد، أحد سكان حي الشيخ جرّاح والمهدد بالتهجير القسري مع عائلته في مطلع أيار/مايو، صرّح الكرد بأنه "عقب النكسة (حرب عام 1967) التي استولت فيها سلطات الاحتلال الإسرائيلي على غربيّ منطقة القدس، تفاجأ السكان بسرقة الاحتلال لأول بيت في حي الشيخ جرّاح في فترة غياب ساكنيه عنه، وتحويله مكتباً لإدارة شؤون مغارة الصدّيق شمعون المزعومة في الحي".
"الكرد" شدد على أن المخطط استمر في العام 1972، حين ادّعت جمعيات استيطانية ملكيتها لأراضي حي الشيخ جراح، وبدأت برفع القضايا على سكان الحي، الذين توجهوا حينها للدائرة القانونية في وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا"، واستطاعوا تجميد القضية لسنوات قليلة.
وأضاف الكرد أنه "في العام 2001، تمت محاولة رشوتي بمبلغ 10 ملايين دولار أميركي على يد وزير صهيوني جاء إلى بيتي خصيصاً مقابل إقناعي بالإخلاء والترحيل، ولم أقبل. أردت أن أضربه لكن أختي حالت دون ذلك".
المعاناة المستمرة لأهالي الشيخ جرّاح
الشابة منى الكُرد روت للميادين نت كيف كبرت أمام مشهد المستوطنين الذين يقاسمونها بيتها وحارتها عنوة منذ عام 2009، قائلةً: "إن سلطات الاحتلال قررت توطين مجموعة من الشبان في بيتنا، ما يختلف عن الحال في بيوت عائلتي غاوي وحنّون التي سرقها المستوطنون".
منى شددت على أن "هؤلاء يتم استبدالهم كل شهرين من قبل حكومة الاحتلال الإسرائيلي، ويتقاضون الأجر مقابل الاعتداء علينا بشتى الطرق؛ النفسية والجسدية والتي لا زلنا نتعافى منها"، وأوضحت أن "عائلتها حاولت الحصول على ترخيص بناء عام 2000 لتوسيع منزلهم الذي ورثوه عن جدّتها، لكن بلدية الاحتلال الإسرائيلي قابلته بالرفض".
رغم ذلك، أصرّت العائلة، وفق منى، "على ممارسة حقها في المسكن اللائق وبناء المنزل، لتفاجَأ العائلة بقدوم قاضي محكمة الاحتلال شخصيّاً لإغلاقه ومصادرة مفاتيحه وإرغامهم على دفع ما يقارب الـ30 ألف دولار أميركي بحجّة البناء غير المرخّص".
#انقذوا_حي_الشيخ_جراح #أنتم_اونلاين @AlMayadeenNews pic.twitter.com/XOnJNFfySG
— muna.kurd (@kurd_muna) March 19, 2021
الملاحقة القانونية لم تثنِ الاحتلال عن مشاريعه
بعد احتلال القدس عام 1967 وإعلان الاحتلال ضم الجزء الغربي منها، قامت محكمة الاحتلال بسنّ قانون حرمت بموجبه الفلسطينيين المقيمين في حي الشيخ جرّاح من حقوقهم التي منحتها الحكومة الأردنية، الوصيّة آنذاك على القدس ومقدّساتها، ولا زالت تواجه العائلات الـ28 إجراءات قانونية في مراحل مختلفة.
أحد محامي عائلات حي الشيخ جرّاح، سامي أرشيد، صرّح للميادين نت أن "الحكومة الإسرائيلية لا تعترف بقانونية الاتفاقيات التي وقعت عليها الحكومة الأردنية مع المواطنين الفلسطينيين عام 1956، والتي بموجبها فوضت ملكية هذه البيوت لهم".
وتابع أرشيد: "إسرائيل تعتبر أن الأهالي يسكنون في الحي دون وجه حق، بذريعة أن ملكية الأرض التي أقيمت عليها هذه البيوت تعود تاريخياً لجهات يهودية كانت هناك منذ زمن العثمانيين".
وأشار أرشيد إلى أن "المحاكم الإسرائيلية ترفض النظر بقضية الملكية رغم وجود الدلائل بأنها لا تعود للجهات اليهودية، وهي رفضت البت في هذا الملف بدعوى وجود تقادم، وبأن التسجيل قديم ولا يمكن الاعتراف به الآن، لتبقي العائلات بدون دفاع قانوني يمكّنها من البقاء، والمحاكم الإسرائيلية توقع بالجملة على قرارات الإخلاء".
مطالب أهالي حيّ الشيخ جرّاح
"الميادين نت" حصل على ورقة توضيحات ومطالب موقّعة من أهالي حي الشيخ جرّاح تشير إلى أنه في عام 2008 استولت سلطات الاحتلال الإسرائيلي على منزل "أم كامل الكرد" المكون من عائلتين، وفي غضون أشهر قليلة استولت مجدداً على منزلين آخرين يتبعان لعائلتي الغاوي وحنّون، لتترك 7 عائلات أخرى بلا مأوى.
ويقول أهالي حي الشيخ جرّاح في بيانهم إن ادّعاء الاحتلال أن هذه الأراضي تابعة لأملاك الغائبين محض تزييف، والمطلوب مجهود قانوني مكثّف من المملكة الأردنية والسلطة الفلسطينية وجميع الأطراف الدولية المعنية.
مطالب أهالي الحي بالأساس موجهة للحكومة الأردنية بالوقوف عند وعودها بتزويدهم بأية "أوراق أو مستندات تثبت ملكيتهم لهذه الأرض، مختومة ومصدّقة رسميّاً لتقديمها لمحاكم الاحتلال الإسرائيلي. وموجهة للمجتمع الدولي أيضاً بأخذ موقف واضح وصريح وعلني تجاه جرائم الاحتلال من تهجير قصري وتطهير عرقي في مدينة القدس".
أهالي الشيخ جرّاح شددوا على تمسكهم بعدم قبول "حكم محاكم الاحتلال لصالح الجمعيات الاستيطانية التي تعمل علنياً على تهويد تام للقدس وإخلائها من سكانها الفلسطينيين"، مذكرين بـ"تواطؤ النظام القانوني الإسرائيلي في تنفيذ سياسات الاستعمار والتهجير منذ بداية النكبة وحتى نكبتنا الحالية".
المقدسي نبيل الكرد في رسالة صمود عبر #الميادين من حي #الشيخ_جرّاح المهدد بالتهجير.#القدس المحتلة pic.twitter.com/gpRbu95usf
— قناة الميادين (@AlMayadeenNews) March 19, 2021
ويبقى مشروع الاحتلال الإسرائيلي بالتغول في القدس المحتلة مستمراً، ولعلّ حي الشيخ جرّاح، وحي بطن الهوى في سلوان، وأحياء رأس العامود ووادي الجوز ووادي الربابة أمثلة واضحة ومباشرة على ذلك.