فلسطينيو 48 في مواجهة الاحتلال: "الجريمة المنظمة" سلاح لتفكيكنا وعزلنا
سلطات الاحتلال الإسرائيلي معنية بأن ينشغل الفلسطينيون في صراعاتهم الداخلية، بغرض تفكيك المجتمع الفلسطيني وسلخه عن قضاياه الجوهرية خاصة بعد أن بدأ ينفتح أكثر من على امتداده الفلسطيني والعربي.
في السنوات الـ5 الأخيرة قُتل قرابة الـ500 فلسطيني في الداخل المحتل بدمٍ بارد، دون أن تحرّك شرطة الاحتلال الإسرائيلي ساكناً. وفي العام الماضي فقط، قُتل 130 من الرجال والنساء في ظل تقاعُس مُتعَمَّد ومتوقَّع من قِبل الاحتلال، لينضموا إلى سلسلة طويلة من ضحايا العنف المُنظَّم منذ قرار السلطات الإسرائيلية فتح مراكز للشرطة بالبلدات الفلسطينية في الداخل عقب اندلاع الانتفاضة الثانية في تشرين الأول/أكتوبر عام 2000.
سلطات الاحتلال معنية بأن ينشغل الفلسطينيون في صراعاتهم الداخلية، بغرض تفكيك المجتمع الفلسطيني وسلخه عن قضاياه الجوهرية، خاصة بعد أن بدأ ينفتح أكثر من على امتداده الفلسطيني والعربي.
وهذه "الجريمة المنظّمة" بدأت تأخذ منحى أكثر خطورة، إذ تقدر الإحصائيات الرسمية وفقاً لصحيفة "معاريف" الإسرائيلية انتشار أكثر من 600 ألف قطعة سلاح دون تراخيص بين أفراد عصابات تمارس هذا النوع من الإجرام في الداخل المحتل.
تعرف شرطة الاحتلال الإسرائيلي جيداً من يقف وراء هؤلاء المجرمين من عصابات قتل محترفة تدعمهم وتهرّب لهم السلاح، هذه الحقيقة يؤكدها تصريح علني صادر عن السفير الإسرائيلي لدى الأمم المتحدة، جلعاد أردان، أفاد بأن "مصدر السلاح غير القانوني هو سلاح قانوني، 90% منه آتٍ من الجيش الإسرائيلي".
حراكٌ فلسطيني للضغط على الاحتلال
لم يقف الفلسطينيون مكتوفي الأيدي، فقد نظّم الحراك الشبابي "أجا دورنا"، والذي انطلق بهدف الضغط على الرأي العام الإسرائيلي ولمحاسبة تقصير المؤسسات الإسرائيلية، عرضاً تعبيرياً في وسط "تل أبيب"، بعنوان "ارتعبتم؟".
وللأسبوع الثامن على التوالي، نظّم "الحراك الفحماوي الموحّد" في أم الفحم نيابةً عن كل بلدات ومدن الداخل المحتل تظاهرات عفوية شارك فيها الآلاف. وكان آخرها يوم الجمعة الماضي حيث نُظّمت مظاهرة قُطرية في أم الفحم شارك بها نحو 30،000 فلسطيني من الجليل إلى النقب.
فيديو خاص لـ #الميادين نت من مظاهرات #أم_الفحم في #فلسطين المحتلّة.#فلسطين_قضيتي pic.twitter.com/lPnFgFo207
— قناة الميادين (@AlMayadeenNews) March 5, 2021
هذا الحراك المتواصل أسبوعيّاً خلَق حالة شعبية واضحة، أسمعت صوتها إلى خارج أم الفحم ورسّخت من جديد صورة المؤسسة العسكرية الإسرائيلية الحقيقية في مشهد آخر، لتذكَر بأن هذا المشهد لا ينفصل عن صورة الجندي الإسرائيلي في الضفة الغربية وغزة، وأن القضية ليست "تقاعسًا" فحسب.
أحد منظّمي "الحراك الفحماوي" تحدّث للميادين نت وأكّد أن الأولوية أمام الحراك "هي إغلاق مراكز شرطة الاحتلال الإسرائيلي في البلدات والمدن الفلسطينية في الداخل"، مؤكداً أنها "لم تكتفِ بالوقوف متفرّجة أمام استفحال ظاهرة العنف والقتل، بل ذهبت إلى إطلاق الرصاص الحي بوحشية على المتظاهرين والمتظاهرات، ما أدّى إلى عشرات الإصابات والتي كان من بينها رئيس بلدية أم الفحم د. سمير محاميد، والنائب في الكنيست الإسرائيلي عن القائمة المشتركة د. يوسف جبارين".
وقال أحد منظمي الحراك إن "السلطات الإسرائيلية عمدت لإرسال تعليمات واضحة لرئيس بلدية أم الفحم قبل التظاهرة الأخيرة تحمّله المسؤولية الكاملة لأي تبعات".
في السياق ذاته، وبتصريح استفزازي قبل شهر ونصف، ادّعى قائد مركز شرطة أم الفحم "حوفاف يتسحاك" بمقابلة له عبر محطة راديو إسرائيلية محلية أن "القتل جزء من الثقافة الفلسطينية"، فتم تقديم عريضة طالبت بإقالته في ظل استمرار الاحتجاجات في أم الفحم وإغلاق الشوارع المركزية.
فئات شبابية ناشطة في الداخل المحتل ردت على تصريحات قائد شرطة أم الفحم بالقول: إن "ثقافة العنف ليست أصيلة في المجتمع الفلسطيني، وإنما هي دخيلة طوّرها وغذّاها الاحتلال الإسرائيلي"، بالإضافة إلى "التقسيمات الإثنيّة والطائفيّة التي تغذِّيها المنظومة الاستعماريّة والتي تتفجّر بين حينٍ وآخر، وتسهمُ بشكلٍ رئيس في تعميق الشروخ المجتمعية داخل المجتمع الفلسطيني في الداخل".
النائب يزبك: تفشي الجريمة هدفه تفتيت المجتمع الفلسطيني من الداخل
وفي حديث خاص للميادين نت، قالت النائب عن "القائمة المشتركة" في الكنيست الإسرائيلي هبة يزبك، إن "تفشي العنف في المجتمع الفلسطيني هو نتاج سياسي موجّه وممنهج من قبل المؤسسة الإسرائيلية لتفتيت هذا المجتمع من الداخل من خلال السماح بانتشار الأسلحة وعصابات الإجرام".
وأشارت يزبك في حديثٍ للميادين نت إلى "تقصير شرطة الاحتلال الإسرائيلي وعدم إبداء أي رغبة حقيقية لملاحقة المجرمين، بدليل استنفارها الفوري عندما يمتد نشاط العصابات للمناطق اليهودية"، مضيفةً أنه "في العام 2003 كان هناك قرار واضح من قبل الحكومة الإسرائيلية لتنظيف مدينة نتانيا المحتلة من عصابات الإجرام، وتم ذلك خلال عام واحد".
وتابعت: "أما في المجتمع الفلسطيني بالداخل فهناك نزيف يومي للدم وهنالك ضحايا بشكل يومي والحكومة لا تحرّك ساكناً".
كما طالبت النائب يزبك نيابةً عن القيادات السياسية في المجتمع الفلسطيني بـ"قرار حكومي فوري لجمع الأسلحة وتفكيك عصابات الإجرام في المجتمع الفلسطيني"، وكشفت أن "هناك خطة شاملة أعدّت من قبل لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية الفلسطينية، لمواجهة العنف والجريمة، ولتقديم الاستجوابات، والاقتراحات ومشاريع القوانين والجلسات البرلمانية".
يبدو أن محاولات وقف العنف والجريمة الداخلية بالطرق البرلمانية واستجداء المحتل لم تأتِ أُكُلها، في حين ساهم حراك أم الفحم القُطري بإيصال صوت أوضح بأن المجتمع في الداخل يرفض سفك الدم الفلسطيني-الفلسطيني، هذا الحراك الذي سيؤثر على تحركات أخرى، لن تقتصر على أم الفحم، بل ستمتد إلى مدن وبلدات أخرى في الداخل المحتل، بحسب فعاليات مجتمعية عدة.