"وباء" نظريات المؤامرة حول كورونا.. هل ينتهي باللقاح؟
نظريات المؤامرة والمعلومات المغلوطة حول فيروس كورونا ولاحقاً حول اللقاحات، جعلت من الصعب التعرّف إلى الحقيقة، كما أثرت سلباً في الاستجابة المجتمعية لتلقي اللقاح.
قبل أن تبدأ شركتا "فايزر" و"بيونتك" بتوزيع اللقاحات المضادة لفيروس كورونا، ارتفعت بعض الأصوات في العالم للتحذير مما قالوا إنه "الخطر الداهم" الذي تمثله الجرعات "المصنعة على عجل" و"غير الآمنة" و"المضرة بالصحة على المدى البعيد" وذات "القدرة على تغيير الحمض النووي" أو المتضمنة شرائح الكترونية تستقر تحت الجلد وتتصل بشبكات الجيل الـ5 من الانترنت، ما يجعل حياة البشر بأكملهم تحت المراقبة والتحكم.
نظريات المؤامرة لا تختص بالشأن الصحي، ويمكن ملاحظتها في مجالات عدّة تتعلق بالشأن العام والسياسات، وهي تتميز عموماً باعتمادها على معلومات غير مثبتة أو موثوقة، كما قد يتبناها المتعلمون تعليماً جيداً أو أولئك المحرومون منه، الساكنون في الدول النامية أو الدول الصناعية، المتابعون للإعلام الرسمي أو المعتمدون على البدائل الجديدة، على حد سواء.
وفيما كان الوباء يجتاح بلداً تلو الآخر كانت "جائحة" النظريات حول منشأ الفيروس المكتشف في ووهان الصينية تواصل خلق رأي عام معادٍ ومرتاب من آراء الخبراء المختصين بعلوم الأوبئة والفيروسات، ومعاندٍ للإجراءات الوقائية التي فرضتها السلطات من أجل تخفيف فتك الفيروس، حيث بلغت الأمور حدّ رواج نظرية ابتكرها مروّج نظريات المؤامرة الشهير أليكس جونز، تدعي أن فيروس كورونا مجرّد وهم اختلقته الحكومات لسلب المواطنين حريتهم.
كورونا وشبكات 5G
لنأخذ واحدة من أبرز النظريات انتشاراً وتضليلاً في الوقت نفسه، وهي الارتباط بين فيروس كورونا وشبكات الجيل الخامس من الانترنت، حيث تناسلت العديد من محاولات التفسير الخاطئة التي تربط مرةً بين ظهور الشبكات الجديدة بل حتى أجهزة الإرسال التقليدية والفيروس المستجد، وأخرى بين الشبكات واللقاحات المبتكرة.
وفي بعض الحالات أدت هذه النظريات إلى غضب شعبي من هذه التكنولوجيا الحديثة، بحيث شهدت بعض البلدان، كبوليفيا وبريطانيا، هجمات على أبراج الهواتف المحمولة ووقعت عشرات حوادث تدمير الهوائيات.
وجرى تبني النظرية التي تربط بين الفيروس ونقص المناعة وشبكة الجيل الخامس (5G) من قبل مروجين مؤثرين مختلفين في العالم منهم: قِسّ في تنزانيا، عضو سابق في مجلس الشيوخ النيجيري، مفتٍ سابق في مصر، ومقدّم تلفزيوني في بريطانيا، أي أن المحتوى نفسه أو المعدّل قليلاً جرى تبادله حول العالم وبلغات مختلفة. لكن ما إن تراجع الحديث عن أصل ومنشأ الفيروس، حتى صار حديث أصحاب النظرية هذه يدور حول علاقة اللقاح بشبكة الجيل الخامس والرقابة على البشر.
لا شك بأن نظريات المؤامرة تستفيد من بعض المعلومات الصحيحة (كخطر بعض الترددات والمجالات الكهرومغناطيسية التي تصدرها أجهزة الانترنت على الصحة والنظام البيئي)، لكنها تنحو نحو إعادة تقديمها – أي المعلومات – بصورة ملفقة تخدم فرضية يريد صاحبها تأكيدها، لأسباب مختلفة قد تكون نفسية أحياناً، حيث تؤمّن جواباً مرضياً للأزمات المعقدة أو تُلقي بالمسؤولية على طرف عدو شرير، كما قد تكون أسبابها سياسية مثلما هو الحال مع التهم المتبادلة بين الصين وأميركا في الأشهر الأولى للوباء حول منشأ الفيروس، حيث اتهم المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية الجيش الأميركي بنشر الفيروس في بلاده، بينما وصف الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب كوفيد 19 بأنه "فيروس صيني".
معارضة اللقاحات.. ثقافة قديمة
وإن بدت هذه الأقاويل مؤخراً جديدة ومنتشرة بشكل غير مسبوق، فإن الحركات المعارضة للقاحات تبدو أقدم من فيروس كورونا بنحو قرن، فخلال جائحة الإنفلونزا الإسبانية راجت شائعات عدّة بشأن منشأ الوباء وإجراءات احتوائه، كما ظهرت حركات منددة باللقاح تعتمد في دعواها لرفض اللقاح على أسباب سياسية (العلاقة بالحكومة)، "العلمية" (الافتقار للأمان والفاعلية)، والرفض الديني – الفلسفي (مُنتج غير طبيعي ومحرّم).
وكما تذكر الباحثة في الفولكلوريات وشائعات المرض أندريا كيتا، فإن معارضة اللقاح تستند على سردية تحذّر من كون اللقاح قد يكون أخطر من الوباء نفسه، وهذا ما يمكن ملاحظته اليوم من خلال الإشارة إلى احتواء اللقاحات (خاصةً تلك التي ابتكرت باستعمال أحدث التكنولوجيات الطبية) مواد قد تؤدي إلى تغييرات في الحمض النووي للمتلقي.
ويعكس القلق من اللقاحات قلقاً مجتمعياً أكبر بشأن قضايا عدّة ليس أولها الشكوك حول أساليب بعض شركات الصناعات الطبية لاستغلال المرض من أجل مضاعفة الأرباح على حساب الأخلاقيات المهنية، وليس آخرها الشكوك بالنشاطات الحكومية السرية التي تهدف إلى الرقابة على المواطنين والتجسس على نشاطاتهم.
وفي هذا الصدد، يذكر المتخصص في دراسات الشائعات، كاميرون جيفنز، أنه وفي زمن الانفلونزا الإسبانية كانت المعلومات المغلوطة في الولايات المتحدة تنتشر في نطاق الفئات التي تعرضت للتهميش من قبل الحكومة بسبب العرق أو الجنس أو الطبقة، فهذه الفئة عايشت عن قرب قمع الحكومة ولا مبالاتها تجاههم، وذلك ما انعكس كفعل عكسي في القصص المختلقة بشأن انتشار الفيروس واللقاحات.
تنشط نظريات المؤامرة في مجالات يعتريها نقص في المعلومات الموثوقة والمؤكدة، ولذلك فإن الفترات الأولى من تشخيص الفيروس وبدء التعامل معه علمياً كانت مليئة بالإشاعات والتصورات المشوّهة، وبالتالي بنظريات المؤامرة، كما أن المرحلة الأولى لبدء إنتاج وتلقي اللقاح كانت خصبة بالأفكار المضللة حول فاعلية التلقيح ومستوى الأمان والآثار الجانبية للجرعات، وهذا ما دفع فئات من السكان إلى التردد في تسجيل أسمائهم في قوائم انتظار التلقيح أو تبني نظريات قائمة على الخوف من خطر مجهول لا يمكن البرهنة عليه بشكل علمي، وهذا ما يظهره إحصاء "مركز بيو للأبحاث" الذي أشار إلى أن 39% من البالغين الأميركيين "لن يأخذوا لقاح كورونا بالتأكيد، أو ربما لن يأخذوه".
لكن ومع تزايد الدراسات بشأن فاعلية اللقاحات وسلامتها، ونظراً للدور النشط الذي يلعبه خبراء الصحة والمؤسسات غير الحكومية، يبدو أن حركات مناهضة لقاح كورونا ستنتهي قريباً كما انتهت الحملات المناهضة للقاحات السابقة، وهذا ما يضيف خاصية أخرى للقاحات كورونا: تعزيز المناعة ضد المعلومات المضللة والنظريات المختلقة.