مشروع قانون يثير الجدل حول تنظيم الإعلام السمعي والبصري في تونس
جدل في تونس بسبب مبادرة تشريعية لتنظيم الإعلام السمعي والبصري تقدمت بها كتلة "ائتلاف الكرامة"، حيث أن النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين، والجامعة العامة للإعلام ترى بأنها مبادرة تتعارض مع الدستور وستفتح الباب أمام المال الفاسد.
رافق قرار مكتب مجلس نواب الشعب التونسي بعقد جلسة عامة في 14 تشرين الأول/أكتوبر الجاري، لمناقشة تنقيح المرسوم عدد 116 لعام 2011 المنظّم لعمل الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري، جدلاً واسعاً وموجة من الرفض والتنديد من طرف الهياكل المهنية، معتبرين أن هذه المبادرة التشريعية تشرّع للفوضى في قطاع الإعلام، وتفتح الباب أمام المال الفاسد والمشبوه.
وكانت كتلة "ائتلاف الكرامة" بالبرلمان قد تقدمت في 4 أيار/مايو 2020، لدى كتابة مجلس نواب الشعب بمبادرة تشريعية، تتعلّق بتنقيح المرسوم عدد 116 لعام 2011 المنظّم لعمل الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري (الهايكا)، تهدف أساساً إلى "حلّ مشكلة تجديد تركيبة الهايكا وحذف التراخيص لإنشاء القنوات التلفزيونية الفضائيّة"، وفق تعبيرها.
وتقترح هذه المبادرة تجديد تركيبة الهيئة عبر تنظيم انتخابات من قبل مجلس نواب الشعب، وإضافة فصل يتعلق بإلغاء صلاحية إسناد إجازات إحداث واستغلال قنوات تلفزيونية وإذاعية وإخضاعها لنظام التصريح.
"المبادرة التشريعية تفتح الباب أمام المال الفاسد"
هذا وعبرت النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين، والجامعة العامة للإعلام في بيان مشترك لهما اليوم الإثنين عن رفضهما لهذه المبادرة التشريعية، معتبرين أن التعديلات التي تتضمنها المبادرة والمتكونة من ثلاثة فصول، والتي تتعلق بتركيبة الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري الحالية وتجديدها من جهة، وحذف صلاحية إسناد الإجازات لإحداث القنوات التلفزية من قبل الهيئة، وإقرار مبدأ مجرد التصريح بالوجود من جهة ثانية، "تتعارض مع روح الدستور، والتزامات الدولة التونسية في مجال حماية حرية التعبير والإعلام"، بحسب البيان.
واعتبر البيان، أن المبادرة "تشرّع للفوضى في قطاع الإعلام، وتفتح الباب أمام المال الفاسد والمشبوه لمزيد التغلغل في المشهد السمعي البصري، وإفساد الحياة العامة، وضرب قواعد التنافس النزيه، ومبادئ الشفافية والديمقراطية".
ودعا البيان مجلس نواب الشعب المناصرين "لإعلام حر ونزيه، بعيداً عن لوبيات المال الفاسد والأجندات الحزبية الضيقة، لتحمل مسؤولياتهم التاريخية تجاه الوطن، وقطاع الإعلام"، و"رفض هذه المبادرة، والشروع الفوري في مناقشة مشروع قانون السمعي البصري الذي شاركت في صياغته الهياكل المهنية والخبراء وهيئة الاتصال السمعي البصري".
كما أشار البيان إلى استعداد النقابة والجامعة عن استعدادهما لخوض كافة التحركات النضالية من أجل التصدي لهذه المبادرة.
"مبادرة تتعارض مع نص الدستور"
من جهتها، اعتبرت الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري (الهايكا)، أن هذه المبادرة التشريعية، "تتعارض مع نص الدستور"، محذرة في القوت نفسه من مضمونها التي قالت إنه "يمكن أن ينسف مستقبل التجربة الديمقراطية في تونس". ودعت كل أعضاء مجلس نواب الشعب ومختلف كتله إلى "النأي بأنفسهم عن المبادرات المخالفة للدستور والمشبوهة التبرير وخفية الأهداف، والحرص على المحافظة على ما تحقق إلى حد الآن في مجال الحقوق والحريات".
كما أكدت "الهايكا" أن "المبادرة التشريعية أعدت على المقاس لخدمة وحماية مؤسسات إعلامية وضعيتها غير قانونية على غرار قناتي نسمة والزيتونة"، مشيرة إلى أنّ "أصحاب المبادرة لهم مصلحة لحماية مالكي هذه المؤسسات".
دعوات لمقاطعة ائتلاف الكرامة
وفي السياق، دعت الجامعة العامة للإعلام في بيان لها يوم السبت الماضي، كافة منظوريها بكل وسائل الإعلام إلى "مقاطعة ائتلاف الكرامة"، الذي قالت إنه "لم يتردّد في التحريض وشيطنة الصحفيين والإعلاميين، في محاولة لتمرير قوانين تستهدف استقلالية القطاع".
ووصفت الجامعة ائتلاف الكرامة بـ''ائتلاف الشر وضرب حرية الرأي والتعبير''. ودعت كلّ الصحفيين والتقنيين والمصورين إلى مقاطعة أيّ برنامج يظهر فيه ائتلاف الكرامة، الذي قالت إنه "يحاول بكل الطرق مهاجمة الإعلاميين وتكريس قوانين تضرب حرية الرأي والتعبير".
كما دعت الجامعة العامة إلى "الإبلاغ عن كل تجاوزات تحاول ضرب دعوتها إلى المقاطعة، وإجبار الزملاء على العمل في أيّ برامج يكون الائتلاف طرفا فيها".
وكانت نقابة الصحفيين التونسيين قد دعت بدورها السبت الماضي مختلف وسائل الإعلام إلى مقاطعة ائتلاف الكرامة إعلامياً، وكشفت أنّ هناك مواقع على صفحات التواصل الاجتماعي تعود لرئيس كتلة ائتلاف الكرامة سيف الدين مخلوف، والنائب عبد اللطيف العلوي، استهدفت صحفيين من مختلف وسائل الإعلام، وذلك على خلفية مواقفهم الرافضة لمشروع تنقيح المرسوم 116 المنظم لحرية الاتصال السمعي والبصري.
ودعت النقابة كل الصحفيين المتضررين من حملات التحريض والسب والشتم والتشهير، من قبل أعضاء هذه الكتلة البرلمانية، إلى اللجوء إلى القضاء.
هذا ومن المنتظر أن يثير مشروع قانون تنقيح المرسوم 116، جدلاً داخل البرلمان، علماً أن المبادرة التشريعية تقدم بها "ائتلاف الكرامة"، وهي تحظى بدعم كتل "حركة النهضة"، و"قلب تونس". في حين ترفضها بقية الكتل تقريباً، وكذلك الهياكل المهنية و"الهايكا"، بما في ذلك أيضاً الحكومة التي تقدمت خلال نهاية الدورة البرلمانية الماضية بمشروع قانون أساسي لتنظيم قطاع الإعلام السمعي البصري.