خفضت الاقتراض الخارجي.. هل تنجح موازنة تونس العامة في تحقيق النمو المتوقع؟
موازنة العام 2025 في تونس تخفّض الاقتراض الخارجي إلى النصف وتضاعف نسبة الاقتراض الداخلي. وتتوقّع الحكومة التونسية أن توفّر الموازنة الجديدة نسبة نمو بنحو 3.2% خلال العام 2025.
صعوبات اقتصادية ومالية متواصلة تعيشها تونس منذ سنوات، انعكست سلباً على نسب التضخّم في البلاد والقدرة الشرائية للتونسيين.
ولذلك تُعتبر موازنة العام 2025 في غاية الأهمية والرمزية أيضاً، كونها تأتي مباشرة بعد الفوز الكاسح للرئيس قيس سعيّد في الانتخابات الرئاسية التي أجريت هذا العام.
ويرى مؤيّدو سعيّد أن الانتخابات شكّلت "نقطة فارقة" وتمثّل "انتقالاً من إجراءات استثنائية" بدأت في 25 حزيران/يونيو 2021، إلى "مرحلة جديدة تتميز باستكمال بناء الأجسام السياسية".
وأطلق الرئيس التونسي على هذه المرحلة اسم "مرحلة البناء والتشييد"، في إشارة إلى الانتقال من ترتيب الوضع الداخلي إلى إنجاز المشاريع وتحقيق التنمية التي يحلم بها التونسيون، خاصة أن الوضع الاقتصادي الذي أعقب تاريخ 25 حزيران/يونيو 2021، كان في غاية الصعوبة.
ما هي مؤشرات "مرحلة البناء والتشييد" في الموازنة الجديدة؟
الملاحظة الأبرز في الموازنة مواصلة الحكومة تقليص الاعتماد على القروض الخارجية إلى النصف تقريباً مقارنة بموازنة العام 2024.
ففي الوقت الذي اقترضت فيه تونس أكثر من 5 مليارات دولار في موازنة 2024، حدّد قانون موازنة العام 2025 قيمة القروض الخارجية بنحو ملياري دولار. وذلك على العكس من المسار الذي اتبعته تونس في الاقتراض خلال السنوات القليلة الماضية، وتحديداً منذ فشل المفاوضات مع "صندوق النقد الدولي".
ويوحي تقليص قيمة القروض الخارجية إلى نحو النصف، سعياً تونسياً إلى الاعتماد على القدرات المحلية وعدم الارتهان للخارج، كما ردّد الرئيس التونسي أكثر من مرة. لكن في مقابل تراجع الاعتماد على القروض الخارجية، ستواصل تونس عملية الاقتراض الداخلي بشكل مكثّف.
ومن المتوقّع أن تصل قيمة القروض المحلية إلى نحو 7 مليارات دولار، أي ضعف ما كان عليه الأمر في موازنة العام 2024.
في هذا الإطار يحذر خبراء من مواصلة سياسة الاقتراض الداخلي. ففي مبادئ الاقتصاد يؤدي اعتماد الدولة المكثّف على الاقتراض من المصرف المركزي والبنوك التجارية، إلى التضييق على المستثمرين ورجال الأعمال الذين يلجأون عادة للاقتراض من أجل تطوير استثماراتهم، والذي يسهم بدوره في دفع التنمية والتشغيل ونسب النمو.
ويُجمع الخبراء الاقتصاديون في تونس، تقريباً، على أن موازنة السنة المقبلة لا تختلف في مجملها عن السياسات الاقتصادية الكبرى التي تتبعها تونس منذ سنوات، ما عدا بعض التوجّهات التي تتعلّق بتقليص الاعتماد على الاقتراض الخارجي.
ويعزون ذلك إلى مواصلة الحكومة التونسية إغلاق الباب أمام التوظيفات الجديدة في القطاع العام، ما عدا بعض القطاعات الحساسة مثل الأمن والجيش والصحة والتعليم، والذي يهدف إلى تقليص نفقات الدولة وميزانية التأجير العمومي.
وتدخل هذه السياسة ضمن الإجراءات التقشفية التي تشمل أيضاً رصد أموال محدودة للاستثمار في المشاريع العامة لا تتجاوز 5%.
وفي ظل توقّعات بتجميد الزيادات في الرواتب رغم تراجع القدرة الشرائية للتونسيين، أقرّت الموازنة الجديدة جملة من الإجراءات الاجتماعية الهادفة إلى خفض جزء من الضرائب على نحو 80% من العمال والموظفين ما سيسهم في زيادة مرتباتهم بشكل طفيف.
علماً أن التخفيض الضريبي المذكور، لن يصل إلى مستوى مهم باعتراف الجميع. لكنّ المؤيّدين للحكومة يعتبرون أن البلاد لا تزال تعمل من أجل إصلاح أخطاء ما يصفونها بـــ "العشرية السوداء"، في إشارة إلى فترة ما قبل 25 حزيران/يونيو 2021، وأن تحسين الوضع الاجتماعي والاقتصادي يتطلب مزيداً من الصبر، خاصة وأن البلاد بصدد التعافي والخلاص من الديون المتراكمة التي خلّفتها الحكومات السابقة.
نسبة نمو طموحة
تتوقّع الحكومة التونسية أن توفر الموازنة الجديدة نسبة نمو بنحو 3.2 % خلال العام 2025. تفاؤل يأتي على خلفية مؤشرات إيجابية لقطاع السياحة بتحقيق مداخيل تناهز ملياري دولار، ومداخيل مماثلة لقطاع زيت الزيتون، ونحو 3 مليارات دولار من تحويلات المغتربين.
لكن "البنك الدولي" في تقريره الأخير حول الاقتصاد التونسي، بدا أقل تفاؤلاً، إذ توقّع أن تصل نسبة النمو في الاقتصاد التونسي إلى نحو 2.3%، متحدثاً عن آفاق سلبية لبعض القطاعات كالتطوير العقاري والنسيج، إضافة إلى غياب التمويل الخارجي.
وعلى الرغم من التفاوت في تقدير نسب النمو المتوقّعة للعام 2025، بين الحكومة التونسية و"البنك الدولي"، يقول خبراء اقتصاديون إن تونس بحاجة إلى تحقيق نمو يفوق 5% ولسنوات متتالية من أجل تحقيق التعافي الاقتصادي. علماً أن هذه النسبة لم تنجح تونس في تحقيقها منذ سنوات ما قبل 2011. الأمر الذي يفسّر التخبّط الاقتصادي والمالي الذي تعيشه البلاد.