هل تستطيع الإمارات أن تصبح دولة قويّة في ظلِّ عدائها للمقاومة؟

العارفون بكواليس المساعي الإماراتية لاسترضاء إيران في السنوات القليلة الماضية، يملكون الكثير من المعطيات التي تفسّر التفاف أبو ظبي على العقوبات الأميركية بشأن طهران.

  • ه
    أقحمت الإمارات نفسها في التحالفات الدولية تحت عناوين مختلفة

تكشف الوثائق المسرّبة حديثاً من هيئة مكافحة الجرائم المالية "Fincen"، التابعة للخزانة الأميركيّة، وجود عدة خروقات مالية يعتبرها القانون الأميركي مخالفة للعقوبات على إيران، تجري منذ سنوات في دولة الإمارات، وبعلم من سلطاتها.

للوهلة الأولى، قد يبدو هذا "التغافل" الإماراتي عن العقوبات الأميركية على إيران أمراً مستغرباً، ولكنّ العارفين بكواليس المساعي الإماراتية لاسترضاء الأخيرة في السنوات القليلة الماضية، يملكون الكثير من المعطيات التي تفسّر التفاف أبو ظبي على العقوبات الأميركية بشأن طهران.

الكلام الذي تنقله الوفود الدبلوماسية الإماراتية الرفيعة إلى إيران في الأشهر الماضية، ومنذ بدء التباين السعودي - الإماراتي بشأن اليمن تحديداً، يعكس خوف الإماراتيين من الذهاب بعيداً في إثارة الغضب الإيراني، بل يدعم رغبتهم في إقامة علاقات سلمية، على الرغم من كل "الصراخ" في العلن، تارةً حول الجزر التي يطالبون بها، وطوراً حول الملف اليمني، أو حديثاً في ما يخصّ عملية التطبيع مع "إسرائيل".

لكن الخطوة الإقليمية الإماراتية الأخيرة التي تجعل البلاد في قلب الصراع الأمني والعسكري بين محورين لا يلتقيان، تطرح إشكاليات خطيرة أمام دولة تسعى للتحول إلى دولة إقليمية بارزة، فهل تستطيع الإمارات أن تتحوّل إلى لاعب إقليمي قوي؟

في العقدين الأخيرين، تصاعد الدور الوظيفي الأمني للإمارات في الشرق الأوسط. ساهم في ذلك قرارها باستقطاب رؤوس الأموال وإنشاء "جنّة" أعمال "اصطناعية" لجميع دول العالم (وأجهزة استخباراتها)، بما فيها "إسرائيل"، التي لم تغب عن قطاع الأعمال والتجارة والنشاط الأمني في الإمارات.

من كوسوفو إلى أفغانستان، أقحمت الإمارات نفسها في التحالفات الدولية تحت عناوين مختلفة، لكن هذه الأدوار لم تُستثمر في بناء دور وطني مستقل، بل جاءت بمثابة جوائز ترضية للولايات المتحدة الأميركية والأوروبيين في حلف شمال الأطلسي، وسرعان ما تمثلت هذه الجوائز في أدوار أمنية مباشرة في دول عديدة تحت غطاء إنساني غالباً.

أشار الأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصر الله، إلى الدور الإماراتي الأمني في مواجهة المقاومة في خطابه عقب إعلان التطبيع الإماراتي - الإسرائيلي، ويشمل هذا الدور محاولات مستمرّة لتجنيد أفراد في لبنان وفلسطين وسوريا والعراق من بيئة حركات المقاومة، بهدف جمع المعلومات في الدرجة الأولى.

ومنذ سنوات، يبادر ضباط أمن إماراتيون إلى الاتصال بالوافدين إلى بلدهم، من سياح أو تجار ورجال أعمال من الدول المستهدفة، واستدعائهم إلى مراكز الشرطة، أو عبر إدارة أمن المطارات، بهدف "التعرّف" وطرح أسئلة تبدو للوهلة الأولى بديهية وهدفها ضمان الأمن في الدولة، قبل أن تتحوَّل هذه الاتصالات إلى طلبات مباشرة بالتقاط صور وجلب معلومات مقابل "إغراءات" غالباً ما تكون مادية. وفي مسار مواز، تؤدي الوفود وهيئات الإغاثة الإماراتية الدور نفسه في بعض الدول.

ولعلّ اغتيال القيادي في حركة حماس محمود المبحوح في العام 2010 في دبي يعد من أبرز القضايا العلنية في التورط الأمني الإماراتي ضد حركات المقاومة التي تحتفظ في جعبتها بالكثير من الملفات حول قضايا لم تُكشف بعد للجمهور.

وتنشط الإمارات على صعيد صناعة الرأي العام في العديد من دول الشرق الأوسط عبر ناشطين وفنانين وسياسيين وإعلاميين. ويتخذ هذا النشاط شكل التمويل المباشر لمشاريع متنوّعة أو التمويل الفردي لشخصيات محددة تعمل كل منها في مجالها المؤثر. 

إنّ استخدام المال لكسب الولاء هو سياسة إماراتية تقليدية، بسبب غياب مشروعها المستقل ورسالتها القومية لصالح الدور الوظيفي الأمني المنخرط بالكامل في المصلحة الأميركية - الإسرائيلية.

وعلى الرغم من أنَّ محور المقاومة لم يعلن حتى الساعة عداءً يتجاوز السياسة مع الإمارات، رغم مشاركتها بشكل مباشر ومعروف في نشاطات تستهدف المقاومين اللبنانيين والفلسطينيين في السنوات الأخيرة، فإنَّ الإماراتيين يتحدثون عادةً عن "ضرر" كبير سبّبته لهم سياسات حركات المقاومة في المنطقة.

وتمثّل الحرب في اليمن أبرز اختبار لقوة الإمارات وقدرتها على تحمّل تبعات سياساتها الإسرائيلية بالكامل، فقد تراجع دورها العسكري المباشر في اليمن بعد سقوط عشرات القتلى في صفوف قواتها، وسرعان ما اتخذت خياراً متبايناً في الأسلوب عن حليفتها السعودية، فقررت تقليص الدور العسكري إلى حده الأدنى، مقابل تعزيز الأدوار الأمنية والسياسية، والتي غالباً ما تمارسها أبو ظبي عبر عمليات شراء الذمم.

مؤخّراً، أعلنت الإمارات عن خططها لاستكشاف كوكب "المريخ"، في إطار مساعيها لتثبيت انطباع بأنَّها تنتقل من دولة إقليمية إلى دولة عظمى! لكنّ سلوك الإمارات لا يمكن أن يقفز فوق الجغرافيا والتاريخ والموقع. 

وكدولة اختارت الدخول في حالة حرب غير معلنة مع إيران وتركيا وقطر، فضلاً عن حربها الأمنيَّة المباشرة مع الفلسطينيين واللبنانيين والعراقيين، فإنَّ الإمارات تخاطر باقتصادها "الزجاجي" الَّذي لن تعزّزه رحلات مكوكيّة إلى المريخ أو صفقات أسلحة مع "إسرائيل".

اخترنا لك