"أستمرُ عبر حنظلة".. ناجي العلي الذي لم يصالح
83 عاماً على ولادة الفنان الفلسطيني ناجي العلي الذي استشرف برسومه بداية عصر التطبيع العربي مع "إسرئيل".
"وُلدت في 5 حزيران 1967، اسم أبي مش مهم. أمي اسمها نكبة، وأختي اسمها فاطمة، نمرة رجلي ما بعرف لأني دايماً حافي، أنا مش فلسطيني ولا أردني، مش كويتي ولا لبناني ولا مصري، أنا عربي"، هذا ما يقوله حنظلة فتى الفنان الفلسطيني ناجي العلي، الذي ساهم بموهبته صنع هوية الفلسطيني المستاء من بقائه لاجئاً، والعازم على إخفاء وجهه ما دامت فلسطين محتجبة عن عينيه.
هو ناجي سليم حسين العلي، الفلسطيني الذي توقف به العمر في سن العاشرة حين بلغها عام 1947، ووجد نفسه مضطراً لأن يترك أرضه ويصير لاجئاً في مخيم عين الحلوة، جنوب بيروت. ثم أخذ يكبر فيما فتاه المبتكر حنظلة المولود في يوم "النكسة"، ظلّ على عمره -أي في العاشرة- ففي "تلك السن غادرتُ الوطن، وحين يعود حنظلة سيكون بعد في العاشرة، ثم سيأخذ في الكبر بعد ذلك، قوانين الطبيعة المعروفة لا تنطبق عليه" يقول ناجي العلي معرّفاً بحنظلة.
بأكثر من 40 ألف رسم كاريكاتيري، و30 عاماً من العمل، رسم الفنان الصاعد من أزقة المخيم، الطريق إلى "كامل التراب الفلسطيني" كما تقول إحدى لوحاته، وذلك بلاءات ثلاث "لا صلح، لا مفاوضات، لا اعتراف" لا تقود إلا إلى هدف واحد آمن به طوال حياته وهو "الكفاح المسلح".
كرّس العلي رسوماته لمحاربة دعاية الاستسلام والاعتراف بـ"إسرائيل"، ووجه سهام نقده اللاذع للأنظمة والمثقفين الذين رضوا أن يفاوضوا على القضية الفلسطينية أو يهادنوا عليها. وسخرت رسومه من الزعماء العرب وشرّحت السياسات الإسرائيلية، التي عرف عام 1973 أن هدفها سيكون الاستدراج للمصافحة.
كان العام 1973 الذي انتهت مفاعيل الحرب العربية-الإسرائيلية فيه عام 1978 بتوقع الرئيس المصري أنور السادات ورئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيغن اتفاق "كامب ديفيد"، عاماً لنكسة جديدة ورفض جديد في تاريخ حنظلة ناجي العلي: "بعد حرب تشرين الأول 1973 كتفتُ حنظلة باكراً، لأن المنطقة ستشهد عملية تطويع وتطبيع مبكرة قبل رحلة السادات.... من هنا كان التعبير العفوي لتكتيف الطفل هو رفضه وعدم استعداده للمشاركة في هذه الحلول"، يقول العلي.
لم يجزّء رئيس رابطة الكاريكاتير العربي القضايا، فقد آمن بالنقد وسلية لردع رجال السياسة العرب عن احتكار الحكم، ومهمة لتحفيز الجمهور ودفعه للتمسك بقاضاياه المحقة، وبالعدالة الاجتماعية كهدف لا ينبغي فصله عن معركة التحرر.
ورغم إيمانه بالعروبة، لم يهادن العلي العرب الذين مدوا أياديهم لـ"إسرائيل"، وحولوا نفطهم الأسواد لمادة استرضاء أميركا. كل سلام مع "إسرائيل" ما كان ليمر إلا في صدور الفلسطينيين كما يرى العلي.. هو طعنة من خلف. هو حرب على فلسطين وإن كان تحت مسمى السلام.
اشتغل ناجي العلي على صناعة وعي جديد، أساسه أن التطبيع والاعتراف لن يفيد العرب بشيء (فهو يصوّر السلام مع "إسرائيل" في إحدى رسوماته، بالعظمة التي لا يتمكن المطبّع من أن يطالها)، وأن المقاومة هي السبيل الوحيد أمام العرب لاستعادة ما خسروه، هذا في وقت كانت القوات الإسرائيلة لا تزال محتلة لغزة وجنوب لبنان وباقي الأراضي الفلسطينية.
اليوم، وفيما القوات الإسرائيلية تهدد بأنها سترد على أي هجمة يشنها حزب الله، فيما جنودها يختبئون في آلياتهم ويزرعون رجلاً آلياً كطعم لعناصر المقاومة كي يجنبهم قتل بعض جنوده، تسارع الإمارات العربية للإعداد لـ"اتفاق السلام" مع "إسرائيل" في البيت الأبيض، في دليل واضح على صدق ما آمن به العلي قبل عقود، أن الهزيمة والانتصار ليسا متوقفين على قدرة العدو، وإنما على الإيمان بالنصر وبالاخلاص للمبادئ الوطنية.
33 عاماً مرّ على استشهاد العلي في أحد شوارع لندن، بفعل مسدس وكاتم صوت مجهول. كثير من الأمور تغيرت منذ ذالك الحين، لكن حنظلة لا يزال رمزاً راهناً يشفُّ عن روح العلي المتمردة، هذه نبؤة أخرى صادقة للفنان المقتول غيلة: "لن ينتهي حنظلة من بعدي، وربما لا أبالغ إذا قلت أني قد أستمر به بعد موتي".