بين ائتلاف حكومي يتصارع وبرلمان تتقاذفه الخلافات.. تونس إلى أين؟
حرب الكل ضد الكل، صورة تختزل العلاقة بين الأحزاب في تونس، ائتلاف حكومي قابل للانفجار في كل لحظة وأحزاب معارضة تخوض حرباً ضروساً لاستعادة تموقعها في المشهد السياسي.
تشهد تونس منذ فترة تصعيداً في حرب التصريحات بين الأحزاب السياسية ولعبة شد الحبل في محاولة لإعادة تشكيل المشهد السياسي، حرب كلامية واتهامات متبادلة وتصعيد في الخطاب، ما ينبئ بانسداد سياسي قد يعصف باستقرار حكومة الياس الفخفاخ، وربما يفتح الباب على مصراعيه أمام أزمة سياسية حادة خاصة في ظل الوضع الاقتصادي والاجتماعي الدقيق الذي تعيشه البلاد.
حرب التموقع هو العنوان الأبرز في تونس منذ عام 2011، وهو المحرك الرئيسي في تشكيل التحالفات وفي تغيير الحكومات، مشهد شبيه بالمشي فوق رمال متحركة.
ائتلاف حكومي قابل للانفجار في كل لحظة
حرب الكل ضد الكل، صورة تختزل العلاقة بين الأحزاب في تونس، ائتلاف حكومي قابل للانفجار في كل لحظة وأحزاب معارضة تخوض حرباً ضروساً لاستعادة تموقعها في المشهد السياسي.
مؤخرا، صعدت حركة النهضة (إحدى مكونات الائتلاف الحكومي) من لهجتها تجاه شبهة تضارب المصالح التي يواجهها رئيس الحكومة الياس الفحفاخ، واعتبرت أن هذه الشبهات أضرت بصورة الائتلاف الحكومي بما يستوجب إعادة تقدير الموقف من الحكومة والائتلاف المكون لها، وعرضه على أنظار مجلس الشورى لاتخاذ القرار المناسب.
النهضة قالت إن "كل الخيارات مطروحة بما فيها سحب وزرائها من الحكومة أو سحب الثقة من الحكومة في البرلمان".
كما لا تزال حركة النهضة متشبثة بموقفها الداعي إلى ضرورة توسيع الائتلاف الحكومي، بانفتاحه على حزب قلب تونس، دعوة رفضها رئيس الحكومة وبقية الأحزاب الحليفة في الحكم، إذ شدد رئيس الكتلة الديمقراطية هشام عجبوني في تدوينة نشرها مؤخرا على حسابه الخاص بالفيسبوك على أنه لن يكون هنالك توسيع للحزام السياسي للحكومة بحزب نبيل القروي، داعيا إلى الكف عن العبث بمصلحة البلاد. وأضاف أن "من لم تعجبه الحكومة..فلينسحب".
الأزمة داخل الائتلاف الحكومي لم تقف عند شبهة تضارب المصالح التي يواجهها رئيس الحكومة ووزرائه، ولا عند الاختلاف حول توسيع الائتلاف الحكومي، بل امتدت إلى الخيارات البرلمانية والتصويت على اللوائح.
فبعد تصويت حركة الشعب على لائحة تقدم بها حزب الدستوري الحر، تندد بما وصفه بالتدخل العسكري التركي في ليبيا صوت نواب "التيار الديمقراطي" و"تحيا تونس" في مكتب البرلمان، على تمرير لائحة للجلسة العامة قدمها أيضا "الدستوري الحر" تصنف الإخوان المسلمين كمنظمة إرهابية، وهو ما اعتبرته النهضة خروجا عن مبدأ التضامن والانسجام الحكومي والبرلماني بين الائتلاف الواحد
وقد عبرت النهضة في هذا السياق عن "قلقها" تجاه ما وصفته بحالة التفكك التي يعيشها الائتلاف الحكومي وغياب التضامن المطلوب ومحاولة بعض شركائها في أكثر من محطة استهداف الحركة والاصطفاف مع قوى التطرف السياسي لتمرير خيارات برلمانية مشبوهة، تحيد بمجلس نواب الشعب عن دوره الحقيقي في خدمة القضايا الوطنية، وفق ما جاء في البيان الأخير لمكتبها التنفيذي.
أزمة تطل على المجهول
وفي ظل الخلاف الذي يعصف باستقرار الائتلاف الحكومي، يسعى الحزب الدستوري الحر من جهته، إلى تعبئة طيف واسع من التونسيين، بهدف أن يكون الحزب الأكثر وزنا بالبلاد.
الدستوري الحر ماضي قدما في حربه ضد حركة النهضة ورئيسها راشد الغنوشي: اعتصام تحت قبة البرلمان، لوائح تصنف "الإخوان المسلمين منظمة إرهابية" وآخرها وقفة احتجاجية أمام المسرح البلدي بتونس على خلفية رفض البرلمان تخصيص جلسة عامة لمناقشة لائحة تصنيف الإخوان المسلمين كتنظيم إرهابي.
ولا تمضي مناسبة إلا وتجدد رئيسة الحزب عبير موسي دعوتها بضرورة استقالة رئيس البرلمان راشد الغنوشي أو سحب الثقة منه.
وفي قراءة للمشهد السياسي الحالي قال المحلل السياسي جمعي القاسمي في تصريح لـ "الميادين نت" إن تونس مازالت تدور في نفس دائرة الأزمة منذ عام 2011، مشيرا إلى أن أزمة تحديد طبيعة النظام السياسي كشفت عن أزمة سياسية متفاقمة بات صعبا عن أي منظومة سياسية تحكم البلاد ايجاد المخارج الصحيحة لها لإعادة البلاد إلى السكة الصحيحة.
ويعتقد جمعي القاسمي أن الائتلاف يبدو متصدعا في مواجهة الأزمة، مشيرا إلى أنه لا يمكن الحديث اليوم عن ائتلاف حكومي بمفهومه السياسي المتعارف عليه كما يرى أن رئيس الحكومة وجد نفسه متأرجحا بين حزام سياسي يتصارع بشكل علني وبرلمان تتقاذفه الخلافات ومؤسسة رئاسية تبدو أنها اختارت أن تكون مغيبة عما يجري في البلاد، بحسب وصفه.
وتابع أن ما ورد اليوم على لسان أمين عام الاتحاد العام التونسي للشغل نور الدييين الطبوبي هو أمر في مظرههه بالغ الأهمية من حيث توقيته، معتبرا أن تلميح الطبوبي بالذهاب إلى انتخابات سابقة لأوانها مخرجا موضوعيا لهذه الأزمة، عل الانتخابات الجديدة تفرز مشهدا آخر يتسم بنوع من التوازن البرلماني، وفق تقديره.
ويذكر أن الأمين العام لاتحاد الشغل، نور الدين الطبوبي صرح اليوم على هامش انعقاد المؤتمر العادي للإعلام، بخصوص مطالب توسيع الحزام السياسي للحكومة، "بأنه في ظل المناكفات السياسية وتصاعد التوترات الاجتماعية، يبقى الحل الأنسب هو إعادة الأمانة إلى أصحابها بالاتفاق بين مختلف المكونات السياسية داخل البرلمان".
وأشار إلى أن "المرور إلى انتخابات مبكرة سيكون أفضل لتونس ولهم"، وفق قوله.