رئيس الحكومة التونسي يواجه شبهات تضارب مصالح ودعاوى لمحاكمته
رغم أن أنصار رئيس الحكومة التونسية الياس الفخفاخ رحبوا بقرار تخليه عن أسهمه، فإن الموضوع لم ينته، إذ اعتبر منتقديه أن الفخفاخ تجاوز الآجال القانونية المحددة بشهرين.
لم يمر الحوار التلفزيوني الذي أجراه رئيس الحكومة التونسي الياس الفخاخ مؤخراً، مرور الكرام، بل أثار ردود أفعال مختلفة وشكل صدمة للرأي العام ولجزء من الطبقة السياسية خاصة في ما يتعلق بامتلاك الفخفاخ لشركات خاصة حصلت على صفقات عمومية مع الدولة، ما يفيد بوجود تهمة تضارب مصالح.
تفاجأ الفخفاخ بسؤال على الهواء حول مساهمته في بعض الشركات الخاصة، وما إذا كانت تلك الشركات تتعامل مع الدولة، واضطر الفخفاخ للاعتراف بذلك، وبأن الشركة التي يملك نصيباً في رأس مالها حصلت بالفعل على صفقات عمومية مع الدولة، معتبراً أن الأمر لا يحمل أي شبهة تضارب مصالح.
الفخفاخ دافع عن نفسه بالقول إنه منذ خروجه من حكومة الترويكا كوزير سابق للمالية سنة 2013 وإلى حد تعيينه رئيساً للحكومة، كان من حقه أن يبحث عن مورد رزقه وأن يقوم بممارسة الأعمال، وأنه لا مجال من أن يأتي أشخاص من الفراغ ليصبحوا أعضاء في الحكومة، مشيراً إلى أن مساهمته ضئيلة وأنه لا دخل له في تسيير الشركات وأنه ليس في الأمر شبهات أو منافع خاصة أو استغلال نفوذ.
الفخفاخ يسرع بالتخلي عن أسهمه
ما إن تلقف الخصوم السياسيين للرئيس الفخفاخ ومنتقديه الخبر وبدأوا بتداوله على نطاق واسع وبنسق تصاعدي، حتى سارع الفخفاخ إلى الشروع في إجراءات التخلي عن أسهمه.
النائب بالبرلمان التونسي ياسين العياري أبرز من جهته التضارب الصارخ في المصالح. وقال إنه كان على رئيس الحكومة أن يسارع بإنهاء تلك الوضعية في أجل شهرين من توليه المنصب وفق أحكام القانون رقم 46 لسنة 2018، المتعلق بالتصريح بالمكاسب والمصالح وبمكافحة الإثراء غير المشروع، إلا أنه لم يفعل ذلك رغم مرور ثلاثة أشهر ونصف، وفق تعبيره.
كما أن رئيس هيئة مكافحة الفساد شوقي الطبيب، وإثر تفجر المشكلة علناً، تحدث في البداية عن اختلاف في التأويل للقانون لعدم وجود نصوص صريحة، لكنه سرعان ما عدل في موقفه وقام بمراسلة رئاسة الحكومة، داعياً إلى تسوية الوضعية في أقرب أجل ممكن.
وأمام ذلك أعلن العياشي الهمامي الوزير لدى رئيس الحكومة المكلف بحقوق الإنسان والعلاقة مع الهيئات الدستورية والمجتمع المدني، أنّ الفخفاخ شرع منذ الجمعة 19 حزيران/يونيو 2020، في إجراءات التخلي عن أسهمه بمُجمّع شركات هو من ضمن المساهمين فيه، وأن القرار جاء إثر المراسلة الموجّهة إليه من قبل هيئة مكافحة الفساد.
وأوضح الهمامي أنّ مراسلة الهيئة "لا تحيل بتاتاً على الفصل 20، وإنما هي من منطلق الفصلين 17 و18 اللذين يطلبان من الشريك أو المسير التخلي عن التسيير في الشركة وهذا ما قام به الفخفاخ".
وأضاف "أريد أن أحيي النائب ياسين العياري وكل من يبحث عن الحقيقة ويتكلم في إطار القانون، وكل من يكتب للإدارة للوصول إلى المعلومة ولا يسكت عن شيء يرى فيه اعوجاجاً ومخالفة للقانون وهذا هو النظام الديمقراطي"، متابعاً "يتحدثون ليلة أمس عن رئيس الحكومة في الإعلام بكل شفافية، واليوم أجاب رئيس الحكومة عن طريق أحد الوزراء وهذا هو التفاعل".
انتقادات رغم التفويت
ورغم أن أنصار الفخفاخ رحبوا بقرار تخليه عن أسهمه واعتبروه قراراً مشرفاً يعكس نزاهته وخضوعه للقوانين وللديمقراطية، فإن الموضوع لم ينته، إذ اعتبر منتقديه أن الفخفاخ تجاوز الآجال القانونية المحددة بشهرين، كما أنهم شككوا في إمكانية اعترافه بامتلاكه هذه الأسهم لولا الحوار التلفزيوني، مشيرين إلى أن شركاته كانت ستواصل نشاطها وتتعامل مع الدولة وتبرم معها صفقات جديدة.
النائب ياسين العياري عبر عن استهجانه ممن يُروج لتفويت الفخفاخ في أسهمه واعتباره انتصاراً. كما اعتبر أنه "انتصار للسارق"، وأن الفخفاخ مطالب بأن "يعرف القانون ويعاقب حين يخالفه"، مشيراً إلى أنه "سيسعى لأن يحاكم الفخفاخ محاكمة عادلة ككل تونسي يخالف القانون ويحقق إثراء غير مشروع".
وكتب العياري في تدوينة نشرها بصفحته على موقع "فيسبوك": "أشفق أكثر، على من يروج لبيع الياس الفخفاخ أسهمه كأنه انتصار!… تصفقون للسارق؟ رئيس الحكومة منحه القانون 60 يوماً بعد تسلم مهامه، للتخلص تلقائياً من كل وضعية تضارب مصالح، لكنه لم يفعل ذلك إلا حين قام نائب حزب أمل وعمل بدوره الرقابي وبعد الآجال وأصبح إذا تحت طائلة القانون".
وأضاف "لن أطالب الفخفاخ بالاستقالة، ذلك معهود إليه وباحترامه لنفسه وللتونسيين فقط سأسعى لأن يحاكم محاكمة عادلة، ككل تونسي يخالف القانون ويحقق إثراء غير مشروع، لعل هذا يساهم في تغيير العقليات ونزع الريش فعلاً والتأسيس الحقيقي لمساواة الجميع أمام القانون".
من جهته، علق سامي براهم الباحث في مركز الدراسات والبحوث عن قرار رئيس الحكومة قائلاً: "رئيس الحكومة بدأ في التخلي عن أسهمه في الشركة المشمولة بتضارب المصالح اثر مراسلة هيئة مكافحة الفساد.. أمر جيد يؤشر على ارتفاع منسوب الديمقراطية والشفافية في البلد".
لكنه استدرك طارحاً العديد من نقاط الاستفهام، إذ تساءل براهم قائلاً: "لماذا لم يدرك هو نفسه تضارب المصالح الصارخ والصريح عندما كلف بمهمة رئاسة الحكومة وخاصة بعد أن صرح بمكاسبه؟ لماذا لم ينتبه الوزير المكلف بالحكومة ومكافحة الفساد إلى هذه الوضعية بشكل مبكر رغم أن هذا يدخل في دائرة صلاحياته ومهامه؟ لماذا لم تتحرك هيئة مكافحة الفساد التي تمتلك كل المعطيات الخاصة بالأملاك المصرح بها إلا بعد كشف وضعية تضارب المصالح؟ هل هناك عقود انتفع بها رئيس الحكومة بين الفترة التي ترأس فيها الحكومة واكتشاف الوضعية؟ من المستفيد من تعطل الأوامر الترتيبية الخاصة بنشر التصاريح بالمكاسب والممتلكات؟ هل وراء هذا التعطيل قصد كيدي أو يتعلق بأسباب بيروقراطية؟".
وانتهى براهم بالقول "أسئلة تنغّص إحساس الفخر بخضوع رأس السلطة التنفيذية لمقتضيات القانون والشفافية".
الفخفاخ "الشجرة التي تخفي الغابة"
يبدو أن قضية الفخفاخ المتعلقة بشبهة تضارب مصالح، كانت بمثابة الشجرة التي تخفي وراءها الغاب، إذ فتحت الأبواب على مصراعيه أمام عدد من وزراء ونواب بمجلس نواب الشعب تعلقت بهم أيضا شبهة تضارب مصالح، فقد كشف رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد شوقي الطبيب عن وجود شبهات تضارب مصالح قال إنها تتعلق بـ 3 من أعضاء حكومة الفخفاخ، مشيراً إلى أن مصالح إدارة التصريح بالمكاسب بصدد التثبت منها نهائياً.
كما أكد وجود شبهة تضارب في المصالح تتعلق بـ7 نواب بالبرلمان. وأضاف أنه تم توجيه لفت نظر إليهم لتسوية وضعياتهم، مشيراً إلى أنه تمّ الاستماع إلى بعضهم والى أن الهيئة تلقت رداً من محاميي البعض الأخر .
وأضاف الطبيب أنه ستتم إحالة ملفات النواب على القضاء في صورة انتهاء الآجال القانونية المنصوص عليها لمدة شهر ولم تتم تسوية وضعياتهم ملاحظاً أن الهيئة لا تحبذ بلوغ هذه المرحلة.
ولفت إلى أن النواب سيعرّضون أنفسهم للتبعات القضائية وقانون رفع الحصانة أمام لجنة الحصانة بمكتب مجلس نواب الشعب، مؤكداً احترامه قانون حماية المعطيات الشخصية ومنع القانون التشهير بهم أو إعلان أسمائهم.