لحظة تقاطُع دولية تُنقِذ لبنان؟
بعد أكثر من شهرين، جاءت زيارة هيل لترجِّح المسار التفاوضي، بعد أن تبيّن نتيجة عدّة مؤشّرات أن حزب الله أقل المُتضرّرين من الدفع بالبلد نحو الانهيار.
بعد مرور سبعة أيام على انطلاق الحراك في لبنان، نشرنا في "الميادين نت" تقريراً عن اتصالات دولية لمنع انهيار الوضع.
ما كان يُعرقِل الجزم بشأن التوجّه الدولي إزاء لبنان هو وجود مسارين تعمل عليهما الخارجية الأميركية، الأول يقوده دايفيد شينكر، والثاني دايفيد هيل.
بعد أكثر من شهرين، جاءت زيارة هيل لترجِّح المسار التفاوضي، بعد أن تبيّن نتيجة عدّة مؤشّرات أن حزب الله أقل المُتضرّرين من الدفع بالبلد نحو الانهيار، بل أنه الوحيد القادِر على حماية بيئته في حال انفلات الأوضاع.
لكن توقيت زيارة الدبلوماسي الأميركي لا يرتبط فقط بعدم جدوى محاولة ركوب موجة الاحتجاجات الشعبية المطلبية ومساعي تحويلها نحو أهداف أخرى، بل إن مُقاربة حزب الله الهادئة لما يجري فتحت المجال أمام رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، كي يلتقطا الفرصة ويحقّقا خرقاً كبيراً في حال الشلل السياسي التي كان يعانيها لبنان.
ويُسجَّل لعون وباسيل نجاحهما في القراءة السياسية الواقعية للمشهد إقليمياً ودولياً، مع التشبّث بقناعاتهما الوطنية، ما أتاح صنع فرصة للتحرّك في لحظة بدت فيها جميع المنافذ مُغلَقة أمام الحلول.
ويسجَّل لباسيل تحديداً شجاعته في الذهاب بعيداً في إرسال إشارات تلقّفتها جميع الأطراف الدولية، ووجدت نفسها معنيةً في العودة إلى الطاولة، عِلماً أن ما حقّقه باسيل من حراكه الدولي لن تقف مفاعيله عند حدود ضبط الوضع اللبناني في هذه المرحلة فقط، بل قد تنعكس نقاطاً شخصيةً له في المستقبل في الطريق إلى الرئاسة.
لا يعني هذا بأية حال من الأحوال تصنيف الرئيس المُكلَّف بتشكيل الحكومة حسّان دياب ضمن محور دون آخر، بل إن اختيار أكاديمي من "الجامعة الأميركية" في بيروت له دلالات واضحة تنفي اتهامات خضوعه لإرادة حزب الله، من دون أن ينال هذا الأمر من سِماته كشخصيةٍ مستقلةٍ قادِرة على تقديم أداء حكومي يجمع اللبنانيين حول مكافحة الفساد والإنقاذ الاقتصادي؛ وهو العنوان الذي لا يستطيع أحدٌ معارضته أو القفز فوقه بعد الآن.
ما الذي يُفسِّر "الاعتراض" الشعبي على تكليف دياب إذاً؟
في مقابل الأداء الموحَّد والمنسَّق لحزب الله وحلفائه إزاء ما يحصل في الشارع، وقع الطرف الآخر في مأزق التشتّت نتيجة الانكفاء السعودي من جهة، و"التحوّل" الأميركي من جهة ثانية ومأزق الثقة بين حزب "القوات اللبنانية" وتيار "المستقبل" من جهة ثالثة.
نجم عن هذا التشتّت انفراد كل مكوِّن من مكوِّنات ما بقي من تحالف "14 آذار" ضمن موقع ضعيف خارج تقاطع الاتجاهات الدولية والإقليمية.
وبالتالي فإن لجوء تيار "المستقبل" إلى الشارع خطوة مفهومة في رد فعلها الأول، ولكن كان بمقدور الحريري تجنّبها بالعودة إلى الإيجابية التي واجهه بها حزب الله طوال الأسابيع الماضية، خاصة وأن الحكومة التي سيجري تأليفها هي حكومة قرارات صعبة، ولا يمكن أن تحظى بتأييدِ شعبي على المدى البعيد.
كما أن تبلور أية تسوية دولية يحتاج إلى سنة تقريباً لينعكس استقراراً اقتصادياً يسبق مرحلة 17 من تشرين الأول/أكتوبر 2019.
في الخلاصة، إن الخاسِر الأول سياسياً حالياً هو مَن يرفض السير بحكومة الرئيس المُكلَّف حسّان دياب، والرابِح الأول هو الاستقرار وإن لم تظهر مفاعيله سريعاً، كما المشروع الفعلي لمكافحة الفساد، بعد أن بات شرطاً جامِعاً.