البرلمان التونسي والبحث عن توازنات سياسية جديدة
تسعى الكتل النيابية داخل مجلس نواب الشعب التونسي إلى إعادة رسم التوازنات في البرلمان الجديد، ما يمهد لخلق مشهد مغاير لنتائج الانتخابات التشريعية التي جرت في 6 تشرين الأول/أكتوبر الفائت.
بعد التشتت الذي حصل في الانتخابات التشريعية الماضية في تونس، والذي لم يخدم أيّ قوة سياسية، وأفرز برلماناً مشتتاً، فإن الأحزاب الممثلة تحت قبة البرلمان وكذلك النواب المستقلين، يسعون إلى توحيد الجهود والمواقف.
غالبية هذه الأحزاب صغيرة وأصواتها غير مؤثرة، ما يجعلها عاجزة عن إبراز مواقفها، خاصةً أن نتائج الانتخابات التشريعية لم تفرز قوى ذات أغلبية واضحة.
بداية توحيد الجهود والمواقف كانت مع حزبي التيار الديمقراطي (21 مقعداً) وحركة الشعب القومية (18 مقعداً)، الذيّن أسسا كتلةً برلمانيةً انضمت إليها أيضاً شخصيات يسارية على غرار المرشح اليساري للانتخابات الرئاسية منجي الرحوي ورئيس صوت الفلاحين التونسيين فيصل التبيني.
تحالفٌ سمّي بـ "الكتلة الديمقراطية" وهو يمثل القوة البرلمانية الثانية بـ41 نائباً، بعد كتلة حركة النهضة (54 نائباً)، هذا التحالف الجديد يفتح، وفق محللين سياسيين، الباب أمام إمكانية ظهور تحالفات أخرى، باعتباره سيكون وازناً بالمفهوم العددي ومؤثراً بالمنطق السياسي في خارطة التحالفات الحكومية.
نحو تشكيل جبهة برلمانية موحدة
خلال الأسبوع الماضي، راج الحديث عن استعداد كلٍ من حزب "قلب تونس" وكتلتي "الإصلاح الوطني" و"المستقبل"، في مجلس نواب الشعب التونسي، إلى الإعلان عن جبهة برلمانية مشتركة تهدف إلى توحيد المواقف السياسية ووضع حد للتشتت الذي تعاني منه الأحزاب السياسية في البرلمان.
وفي تصريح لـ "الميادين نت" قال رئيس كتلة "قلب تونس"، حاتم المليكي، إن لقاءاً تشاورياً أولياً جمع بين الكتل الثلاث في مجلس نواب الشعب خلال الأيام القليلة الماضية، ومن المنتظر أن تعقد لقاءات أخرى في الأسبوع المقبل لمزيد من التباحث والتنسيق وذلك قبيل الإعلان الرسمي عن الجبهة الموحدة في بيان مشترك.
وشدد المليكي على أن المشروع يتمثل في جبهة برلمانية مشتركة تتعلق بطبيعة العمل البرلماني والمشاريع القانونية والمبادرات التشريعية وليست بكتلة برلمانية موحدة أو جبهة في علاقة بتشكيل الحكومة.
وأكد في ذات السياق، أن الأحزاب المجتمعة تلتقي حول أرضية سياسية مشتركة وتجمعها الأهداف ذاتها، مشيراً إلى أنهم يسعون إلى مزيد من التنسيق بين الكتل البرلمانية في ما يتعلق بالمستجدات المطروحة على الساحة السياسية ومناقشة القوانين المطروحة والعمل الحكومي مستقبلاً.
من جهته، صرح النائب عن كتلة "الإصلاح الوطني" حافظ الزواري، لـ"الميادين نت"، أنه إلى حد الآن وقع اتفاق مبدئي بين الكتل الثلاث من أجل توحيد التصويت حول مشاريع القوانين حتى لا تبقى الأصوات مشتتة، مشيراً إلى أن الحديث عن جبهة برلمانية مشتركة أو كتلة برلمانية موحدة هي مسألة سابقة لأوانها، ذلك أن كتلة "الإصلاح الوطني" تجمع 4 أحزاب، وكذلك كتلة "المستقبل" والتي تجمع بدورها أكثر من حزب، ما يجعل المشاورات تأخذ مساراً أطولاً، كما أشار إلى أن القرار لا يتم اتخاذه بطريقة عشوائية ومتسرعة بل في إطار حزبي.
وعبر الزواري عن أمله بتوحيد القوى الديمقراطية وجمع الشتات والانفتاح على كتل نيابية الأخرى.
توازنات متحركة حسب المصلحة
منذ انطلاق أعمال مجلس نواب الشعب تم الحسم في تركيبة الكتل البرلمانية، وهي كتلة "النهضة" بـ 54 نائباً، تليها "الكتلة الديمقراطية" بـ41 نائباً، ثم "قلب تونس" بـ 38 نائباً، فـ "ائتلاف الكرامة" بـ 21 نائباً، ثم "الحزب الدستوري الحر" بـ17 نائباً، فـ "كتلة الإصلاح الوطني" بـ 15 نائباً تليها كتلة حركة "تحيا تونس" بـ 14 نائباً، و كتلة "المستقبل" وتضم 9 نواب.
يقول في هذا السياق، المحلل السياسي بولبابة سالم في تصريح لـ "الميادين نت"، إن التقاء الكتل البرلمانية في جبهات سياسية متقاربة هي علامة صحية، باعتبار أن التشتت لا يخدم مصلحة الكتل، إذ أن الجبهات تساعد الكتل على تمرير مشاريعها، مشيراً إلى أن هذه التوازنات متحركة، أحيانا ًتحددها المصالح الحزبية وأحياناً أخرى المصلحة الوطنية.
وكشف أن ملامح الجبهات داخل البرلمان التونسي اتضحت نوعاً ما، وهي في النهاية 3 كتل كبرى هي: اليمين المحافظ وتمثله حركة النهضة وائتلاف الكرامة وحزب الرحمة، واليمين الليبرالي ويمثله الحزب الدستوري الحر وتحيا تونس وكتلة الإصلاح الوطني وكتلة المستقبل، وثالثاً التيار الاجتماعي، وتمثله حركة الشعب والتيار الديمقراطي وبعض المستقلين.
وعلى عكس ما ذهب إليه المحلل السياسي بولبابة سالم، فإن هناك قراءات لبعض المحللين السياسيين تقول إن هناك مشكلة حقيقية تتمثل في عدم التجانس داخل البرلمان الجديد، وهذا الأمر هو نتيجة عوامل عدة، تتمثل أولاً في عدم وجود أغلبية واضحة تساعد البرلمان على العمل، وثانياً وجود اختلاف حقيقي على مستوى الأرضية السياسية والفكرية بين الكتل المشكّلة للبرلمان، ما يجعل التقارب بينها صعباً للغاية، أما العامل الثالث فهو أن الحسابات السياسية لهذه الكتل متناقضة جداً، وبالتالي من الصعب جداً أن تتقاطع الرؤى السياسية لها حول القضايا المطروحة.
في ظل صعود برلمان متشظٍ ومشتت بين قوى متناقضة، هناك مخاوف حقيقية من بروز إشكالات وأزمات عدة، فهل تستطيع الكتل النيابية التكتل وإعادة رسم التوزنات؟