قطاع غزة بعد 14 عاماً على الانسحاب الإسرائيلي

في 12 أيلول/ سبتمبر 2005 سحبت "إسرائيل" قوّاتها ومستوطنيها من قطاع غزة، بعد احتلال دام عقود، كان أرييل شارون يومها رئيس الوزراء، جاء الانسحاب بعد الضغط الذي شكّلته المقاومة الفلسطينية على قوات الاحتلال، خصوصا مع بدء الانتفاضة عام 2000، خاصة ما عُرف بحرب الأنفاق التي استهدفت خلال السنتين اللتين سبقتا الانسحاب، مواقع حصينة للجيش الإسرائيلي في القطاع، الأمر الذي رفع الكلفة الأمنية على حكومة الاحتلال، ودفعها للهروب بالإضافة الى ما أطلق عليه شارون في حينه خطة "فك الارتباط" بهدف تخفيف الأعباء الاقتصادية والمادية على حكومة الاحتلال.

انسحبت "إسرائيل" من 21 مستوطنة موزّعة على محافظات غزة الخمس

بلغ عدد المستوطنات التي انسحبت منها "إسرائيل" من القطاع، حسب خطة أرئيل شارون، 21 مستوطنة موزّعة على محافظات غزة الخمس: رفح وخان يونس والوسطى وغزة والشمال.

14 سنة مرت على الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة لكن الممارسات العدوانية الإسرائيلية مستمرة عبر الحصار وتكرار الاعتداءات ليستمر الاحتلال الإسرائيلي بأشكال مختلفة تفاقم في معاناة أبناء القطاع.

365 كليو متراً مربعاً مساحة القطاع الذي يعد من أعلى المناطق كثافة سكانية في العالم حيث يعيش ميلوني إنسان فيما يشبه السجن.

حصار غزة

هو حصار خانق برا وجوا وبحرا قامت "إسرائيل" بفرضه على قطاع غزة إثر نجاح حركة المقاومة الإسلامية حماس في الانتخابات التشريعية في 2006، ثم شددت "إسرائيل" الحصار في 2007 ولا زال مستمراً إلى اليوم، يشتمل الحصار على منع أو تقنين دخول كافة المواد الأولية والمحروقات والكهرباء والكثير من السلع والبضائع التي يحتاجها الفلسطينيون ومنع الصيد في عمق البحر، وغلق المعابر بين القطاع والأراضي المحتلة عام 48. 

وقد نتج عن الحصار الطويل والخانق تعطل جميع المصانع وزيادة نسبة البطالة لتتجاوز الـ80 % لتصبح أعلى نسبة بطالة في العالم، إضافة إلى نقص حاد في الأدوية والمواد الطبية كافة، ووفاة نحو 400 مريض خلال 9 أشهر فقط لعدم تمكنهم من السفر للعلاج في الخارج أو لنقص المعدات والأدوية اللازمة لعلاجهم، كما أن حركة البناء تعطلت تماماً، مما زاد أزمة أصحاب البيوت التي دمرت في الاعتداءات الإسرائيلية على غزة والتي يزيد عددها على 4100 بيتاً وشقة سكنية.

يفاقم واقع الحصار الإسرائيلي على غزة الإغلاق المتكررة والطويلة من قبل مصر لـ"معبر رفح" المنفذ الوحيد بين القطاع المحاصر ومصر.

 

أزمة الكهرباء

بسبب الحصار المفروض على قطاع غزة وعدم سماح "إسرائيل" بدخول كميات كافية من الوقود، واستهداف قوات الاحتلال لمحطات توليد الطاقة في القطاع، نشأت أزمة جدية متمثلة بانقطاع التيار الكهربائي، ووصلت الأزمة إلى ذروات متفاوتة انقطعت فيها التغذية الكهربائية لفترات وصلت إلى 16 ساعة يومياً أو أكثر، وحتى التوقف التام لمحطة الكهرباء الوحيدة لفترات في 2008، مما دفع المواطنين للاعتماد على المولدات الكهربائية.

كما يؤثر انقطاع الكهرباء على نواحي الحياة في غزة من ناحية اتصالها بالعالم الخارجي وتلف المواد الغذائية فيها وخسائر مادية لأصحاب المصالح والمحال التجارية. الضرر الأكبر كان من نصيب القطاع الصحي الذي يعتمد بشكل رئيسي على الكهرباء في تشغيل الأجهزة الطبية الحساسة ومراقبة مرضى القلب، ما اضطر المستشفيات إلى تأجيل بعض العمليات الجراحية العاجلة.

 

حركة أبناء غزة وحركة البضائع

ذكر المرصد الأورمتوسطي في تقرير له أن السلطات الإسرائيلية تحرم سكان قطاع غزة من زيارة ذويهم خارج القطاع، حيث يمتلك نحو 35 % منهم أقارب في الأراضي المحتلة والقدس والضفة الغربية. وبالرغم من الوعود الإسرائيلية عام 2010 للحد من القيود والسماح للأفراد بالحركة بحرية أكبر، إلا أن السلطات الإسرائيلية لم تنفذ تلك الوعود. وعلى العكس من ذلك، عملت خلال تلك الفترة على تضيق الخناق وتقليل عدد التصاريح التي تصدرها للحالات الإنسانية وللعاملين في مجال الإغاثة والمؤسسات الدولية، إضافة إلى رفض معظم تصاريح الخروج للمرضى أو تأجيلها لفترات طويلة دون ايضاح السبب.

كم تعرقل "إسرائيل" تصدير أي مواد من القطاع رغم وجود اتفاقيات موقعة مع السلطة الفلسطينية، حيث يسمح فقط بتصدير كميات قليلة من الفواكه والخضراوات والأثاث. يذكر أنه في عام 2014، سمحت السلطات الإسرائيلية لثلاث شاحنات فقط بالخروج من قطاع غزة أسبوعياً مقابل 240 شاحنة كان مسموحاً لها بالمغادرة قبل فرض الحصار عام 2006. وفيما يتعلق بالقطاع الزراعي في القطاع انخفض في سنة 2014 إلى حوالي 2.7% مما كان عليه الوضع قبل الحصار.

الاعتداءات الإسرائيلية على غزة:

عدوان 2008: في كانون الأول/ ديسمبر 2008 شنت "إسرائيل" عدواناً واسعاً على قطاع غزة تحت عنوان "عملية الرصاص المصبوب". استمر العدوان 23 يوماً، استشهد خلاله 1436 فلسطينياً وأصيب أكثر من 5400 شخص.

شنت "إسرائيل" في اليوم الأول للعدوان 80 غارة استهدفت منشأت ومباني سكانية بالإضافة إلى مقار حكومية وأمنية.

المقاومة الفلسطينية تصدت للعدوان وأطلقت على عمليتها اسم "عملية الفرقان"، واستهدفت مستوطنات الاحتلال بالصواريخ. وقتل 30 إسرائيلياً بينهم 10 جنود وأصيب 625 آخرين.

 

عدوان تشرين ثاني/ نوفمبر 2012: أطلقت عليها "إسرائيل" اسم عملية "عامود السحاب"، فيما أطلقت عليها المقاومة الفلسطينية تسمية "حجارة السجيل" استمرت ثمانية أيام وبدأ العدوان بعد اغتيال "إسرائيل" أحمد الجعبري نائب القائد العام لكتائب القسام بغارة جوية إسرائيلية.

استشهد خلال العدوان 162 فلسطيني وأصيب 1300 شخص، هدمت "إسرائيل" 200 منزل بشكل كامل و1500 آخرين بشكل جزئي. إضافة إلى تضرر عشرات المساجد وعدد من المقابر والمدارس والجامعات.

نجحت المقاومة بفرض معادلة الصواريخ.
قتل في العملية 20 إسرائيلياً واصيب 625 منهم.

عدوان تموز/ يوليو 2014: أطلق عليها الجيش الإسرائيلي "عملية الجرف الصامد"، فيما ردت كتائب عز الدين القسام بـ"معركة العصف المأكول"، وحركة الجهاد الإسلامي بـ"عملية البنيان المرصوص". استمرت ما يقارب الشهر ونصف. استشهد خلال العدوان 2174 فلسطيني بينهم 530 طفل و302 امرأة.

رغم الحرب الإسرائيلية المفتوحة ضد القطاع بغطاء دولي وصمت رسمي عربي، تصدت المقاومة وأبناء القطاع للعدوان ولم تتوقف الصواريخ عن استهدف المتسوطنات والمواقع الإسرائيلية ونجحت المقاومة بإصابة نقاط بعيدة في الداخل المحتل، كما تمكنت مجموعة من عناصر وحدة الكوماندز البحرية التابعة لكتائب عز الدين القسام، من اقتحام قاعدة "زيكيم" العسكرية الإسرائيلية والاشتباك مع الجيش الإسرائيلي في عملية نوعية خلف خطوط العدو.
قتل بقصف المقاومة 70 إسرائيلياً معظمهم من الجنود والضباط ولم تنجح "إسرائيل" بكسر حالة المقاومة في القطاع.

 

على مدى الأعوام التي تلت شنت "إسرائيل" أكثر من عدوان على قطاع غزة بعضها كان عبارة عن غارات محدودة تستهدف مواقع للمقاومة أو مناطق سكنية وبعضها يتوسع إلى مواجهة تستمر أياماًَ ويسقط فيها عشرات الشهداء والجرحى كما جرى في تشرين الثاني/ نوفمبر 2018 وأيار/ مايو 2019.

غزة 2019: حصار وصمود

شكّل قطاع غزة طوال عقود طويلة مصدر إزعاج للاحتلال، فقد تمنى رئيس الوزراء الاسرائيلي الاسبق إسحاق رابين "أن يصحو من نومه ذات صباح ليجد القطاع قد غرق في البحر"، وذلك بسبب عمليات الفدائيين في السبعينات والثمانينيات. وقد زاد انزعاج الاحتلال من القطاع مع تصاعد عمليات المقاومة ضد المحتلين مطلع العام 1990.

فضلًا عن الانتفاضتين الأولى والثانية اللتين قضَّتا مضاجع الاحتلال، وحتى بعد الانسحاب الإسرائيلي من القطاع في العام 2005؛ لم تدع غزة الاحتلال ينعم ويستقر، وكانت دوما عنوانا للمواجهة مع "اسرائيل" لذلك تم فرض الحصار الإسرائيلي على القطاع، فضلًا عن الاعتداءات المتكررة. تمثل غزة إلى الآن شوكة في حلق الاحتلال الإسرائيلي.

بعد 14 عاماً يواصل أبناء القطاع صمودهم ويتظاهرون كل أسبوع في مسيرات العودة منذ أكثر من عام ونصف، رغم الأوضاع الإنسانية والمعيشية الصعبة التي يسببها الحصار الإسرائيلي، رسالة تأكيد من أبناء غزة أن فلسطين واحدة من النهر إلى البحر.

اخترنا لك