جمهوريات الموز.. المسألة أعمق من وصف لدول متأخرة تنموياً

طوال القرن الماضي، تنافست الولايات المتحدة ودول أوروبية، منها إسبانيا، على استعمار دول في أميركا اللاتينية. أدخلت واشنطن شركاتها الزراعية إلى مجموعة بلدان. أبرز هذه الشركات كانت United Fruit Company وDole وDel Monte. أوروبا فرضت رسوماً عالية على صادرات هذه الدول، والشركات الأميركية استعبدت الفلاحين لزيادة أرباحها والفوز بحرب الرسوم هذه.

يُصطلح على إطلاق تسمية "جمهوريات الموز" على نحو ساخر على الدول المتأخرة تنموياً، لكنّ المسألة أعمق وأقدم من ذلك بكثير.

إنتاج الموز كان أساسياً في الكثير من دول منطقة أميركا اللاتينية. على سبيل المثال، تتصدر الإكوادور تصديره عالمياً، ما يضع هذه الزراعة كثاني أكبر مصدر للكسب في البلاد بعد النفط.

طوال القرن الماضي، تنافست الولايات المتحدة ودول أوروبية، منها إسبانيا، على استعمار دول في أميركا اللاتينية. أدخلت واشنطن شركاتها الزراعية إلى مجموعة بلدان. أبرز هذه الشركات كانت United Fruit Company وDole وDel Monte. أوروبا فرضت رسوماً عالية على صادرات هذه الدول، والشركات الأميركية استعبدت الفلاحين لزيادة أرباحها والفوز بحرب الرسوم هذه.

من هندوراس إلى تشيلي ودومينيكان وهايتي، كانت الشركات تستولي على أراضي الفلاحين، وتجبرهم على العمل لأكثر من 14 ساعة يومياً في مزارع الموز، مقابل نصف دولار لساعة العمل.

الواقع الصعب للعمال الزراعيين، وسوء المعاملة، أدّيا إلى اشتعال الاضرابات والاحتجاجات، ونشوء بعض الحركات التحررية في هذه البلدان.

عام 1915، قام ما عرف بـ "تمرد الكاكاو" في هايتي، فتولّت قوات المشاة الأميركية إخماده بالقوة، وقتلت الآلاف، بهدف حماية مصالح شركة السكر الأميركية الهايتية، وأبقت واشنطن استعمارها لهايتي حتى تاريخه.

عام 1944 بدأت ثورة فى غواتيمالا، وأسست حكومة ديمقراطية، وبدت تلوح بشائر التنمية الاقتصادية المستقلة، فأثار ذلك زوبعة هستيرية في واشنطن. عام 1952 وصفت الولايات المتحدة الموقف في غواتيمالا بأنه معادٍ لمصالح شركاتها، ما استدعى انقلاباً عسكرياً دعمته إدارة الرئيس دوايت أيزنهاور، فسفكت الدماء، واقتيد أكثر من ستة آلاف مزارع إلى الغابات وأُعدموا لإخماد التمرد، لا لشيء إلّا لأن المصلحة الأميركية تقتضي ذلك.

وفي هندوراس، حيث كانت شركة يونايتد فروت، وشركة ستاندرد للفواكه قلقتين بشأن مبيعات الموز، تدخّل الجيش الأميركي سبع مرات لسحق الإضرابات، والحفاظ على أعمال الشركات الأميركية وأرباحها.

وفي العام 1964، هيأت إدارة الرئيس جون كينيدي لانقلاب في البرازيل، أدى إلى وأد التجربة الديمقراطية، وكان سبب التدخل هو الحفاظَ على الشركات الأميركية العملاقة المسيطرة على موارد البلاد.

فى ديسمبر من العام 1969 غزا الأميركيون بنما، وقتلوا الآلاف فى سبيل إعادة السلطة إلى السفاح مانويل نورييغا، الذي يعد أحد كبار بارونات تجارة المخدرات في أميركا اللاتينية.

في تشيلي، دعمت واشنطن انقلاباً ضد الرئيس المنتخب سلفادور الليندي عام 1973، حفاظاً على مصالح شركتيها أناكوندا وكينوكوت (العاملتان في مجال النحاس) وشركة إي تي تي العاملة في مجال الاتصالات، وشركة يونايتد فروت، وذلك بعد خصخصة الليندي القطاعات المنتجة الرئيسية، وإعادة الأراضي إلى الفلاحين، ما دفع الإدارة الأميركية إلى تمويل انقلاب عسكري (عبر شركاتها)، أوصل أوغوستو بنوشيه إلى أن يحكم بالنار والحديد.

وفى أواخر السبعينيات، سعت الولايات المتحدة لإبقاء "اناستاسيو سوموزا" حاكما لنيكاراغوا، برغم انتهاكه حقوق الإنسان، وتصفيته معارضيه في الشوارع، وقتله الفلاحين ومسؤولي النقابات الفلاحية. وفي العام 1980 دعمت واشنطن الحكومة العسكرية في سلفادور ضد الشعب، وارتكبت قوات المشاة الأميركية بالتعاون مع الجيش السلفادوري أبشع أنواع القتل والتعذيب، بهدف الحفاظ على مصالح الشركات الزراعية الأميركية هناك.

في كوبا، كانت الشركات الزراعية الأميركية تستغل الفلاحين في الأرياف لإنتاج قصب السكر، حيث تولّت الثورة الكوبية ضد نظام باتيستا تحريرهم وإعادة الأراضي إليهم. وهو ما لم يُرض واشنطن، التي دعمت إنزالاً فاشلاً في خليج الخنازير، وحصاراً ضد الجزيرة ما زال مستمراً حتى يومنا هذا.

وللمفارقة، الشركات الزراعية الأميركية ما زالت تعمل "وراء الحدود" في غواتيمالا. تسيطر شركة كارغيل على أراضي الفلاحين، وتجبرهم على العمل 14 ساعة يومياً في مزارع زيت النخيل، مقابل 7 دولارات فقط. شركات يبدو أنها تنتظر سقوط دول أخرى تحت سيطرة واشنطن، لتتوسع في استغلالها للشعوب اللاتينية وثرواتهم الطبيعية.

اخترنا لك