"موجوعة" من الألم إلى الأمل.. الأسيرة إسراء جعابيص تحرر كتابها من داخل سجون الاحتلال
الأسيرة الجريحة إسراء جعابيص تحرّر كتاباً من داخل سجون الاحتلال تحت عنوان "موجوعة"، حيث أُقيم حفل إطلاقه في معرض فلسطين الدولي للكتاب بِحُلته الثالثة عشر.
"حين تعجز الخطوات عن الوصول وتكبر المسافات رغم صغرها، حين يمسي الليل نهاراً والنهار ليلاً؛ حينما تعزلك عن حضن أمك قضبان من حديد، حينما يصبح الضحية متهماً ثم أسيراً، هذا الكتاب هو باكورة أعمالي داخل الأسر. لعلّ صفحاته تنقل معاناة منعت من النشر".
تصدّرت هذه الكلمات كتاب "موجوعة" للأسيرة الجريحة إسراء جعابيص، وهو هدية قدمته الأسيرة لإبنها معتصم بمناسبة ذكرى ميلاده، والذي أُقيم خلال حفل إطلاق في معرض فلسطين الدولي للكتاب بِحُلته الثالثة عشر. فيما جرى الإصدار بحضور عائلة الأسيرة جعابيص وابنها معتصم وذوي الأسيرات والأسرى والأسيرات المحررات.
ومن الجدير ذكره، أنّ الأسيرة المقدسية إسراء جعابيص هي أمّ لطفل، وتقضي حكماً بالسجن لمدة 11 عاماً منذ 11 تشرين الأول/أكتوبر 2015. وخلال الاعتقال، تعرضت الأسيرة إلى حروق في جميع أنحاء جسمها. وصُنفت هذه الحروق بالدرجة الأولى والثانية والثالثة بنسبة 50% من جسدها، فيما فقدت 8 أصابع من يديها، وتشوهت في منطقة الوجه والظهر، وفوق كل ذلك، لم تتلقَّ إسراء العلاج الطبي وتعرضت للإهمال الطبي داخل سجن الدامون.
موقع الميادين نت أجرى مقابلةً مع المحامي والكاتب حسن العبادي، والذي قال إنّ "الكتاب هو كلاج أدبي لإسراء جعابيص، وكان من المهم إصداره لأنّه يشمل بحث علمي عن أهمية العلاج الطبي والإهمال الطبي، ومن ناحية ثانية تنهدّات أو خواطر ورسومات".
وأضاف العبادي أنّ "الكتاب هو متنفَّسٌ لها وهي داخل قضبان"، مشيراً إلى أنّه كان "من المهمّ جداً بالنسبة إلى إسراء أن يأتي الإشهار الأول عن الكتاب عبر برنامج عمالقة الصبر".
وتابع أنّ "اختيار مكان إطلاق الكتاب في معرض الكتاب، وتحديداً القاعة الرئيسية، أتى لأنّ أدب الحرية والأسرى له أهمية ودور قوي من خلال وضعه على سلم الأولويات للشعب الفلسطيني".
وفيما يتعلق بآلية اطلاق الكتاب من خلف القضبان، أوضح العبادي أنّ "إسراء توجعت عبر الكتاب، فهي لا تملك الأصابع لكنّها كتبت هذا الكتاب بالدم والحروف".
وبيّن أنّ "إخراج المادة من السجن كان صعباً للغاية، لكن استطعنا إخراجه حيث جرى تحريره وتدقيقه ومن ثمّ طباعته"، لافتاً إلى "عدم وجود تمويل رسمي، وإنما تمويل شخصي لإصدار الكتب من هذا الشكل".
وبحسب العبادي، فإنّ "المتبرع الذي أراد أن يُمول الكتاب لم يقُمْ بالتبرع، وجرى تمويله عبر مبادرة لكل أسير كتاب"، مناشداً، في هذا السياق، مؤسسات الأسرى والتي تهتم بالأسرى أن تكون منبراً لهم ولإصدارتهم.
بدورها، قالت الأسيرة المحررة ناريمان التميمي، للميادين نت، إنّ "أيّ كتاب يخرج من الأسير لديه صدىً معين، فكيف وإن كان كتاب يتحدث عن شخص كتب معاناته"، موضحةً ضرورة وجود "سياسة إعلامية وطنية في التعامل مع قضايا الأسرى والأسيرات".
وأضافت التميمي: "رافقت إسراء داخل السجن مدة 7 أشهر داخل غرفة واحدة، وصادف ذلك خلال فترة التعليم الثانوي ودورة القانون الدولي"، مشيرةً إلى أنّها الأسيرات "واجهن صعوبات عديدة خلال مرحلة الثانوية العامة داخل الأسر".
وأفادت بأنّ "إسراء كانت تشعر بالتعب أثناء الدراسة، ولا تستطيع إكمال التعليم بشكل متواصل، لكن كان لديها الإصرار على النجاح والاستمرارية".
وفي سياق متصل، أشارت التميمي إلى أنّ إسراء بحاجة إلى العمليات الجراحية، أهمّها عملية لأنفها، لأنّها لا تستطيع التنفس.
من جانبها، قالت نائبة ممثلات الأسيرات سابقاً، الأسيرة المحررة منى قعدان، للميادين نت، إنّ إسراء كانت تواجه خلال الفترة الأولى من اعتقالها وضعاً صحياً صعباً".
ولفتت قعدان إلى أنّه رغم كل ذلك، ظلّت إسراء مثابرة وأنهت التعليم الجامعي بتخصص الخدمة الاجتماعية في السجن، بالإضافة إلى الأبحاث العلمية وأحدها الإهمال الطبي في سجون الاحتلال".
كما ذكرت أنّ "إسراء مميزة وتحاول أن تبتكر أمور لا تهتم بها الأسيرات كالكتابة بكل أنواعها والفنون باختلافها".
وفي ذات السايق، قالت الأسيرة المحررة خالدة جرار، التي رافقت الأسيرة إسراء كل فترة اعتقالها، إنّ "الحديث عن إسراء ليس سهلاً، فهي مزيج من القوة والصلابة، وأحياناً تفيض بالحنان والإنسانية".
وأضافت جرار أنّ" إسراء لديها إصرار، فقد حصلت على شهادة الثانوية العامة داخل المعتقل رغم صعوبة التعليم داخل الأسر"، مضيفةً أنّها اجتازت مرحلة التوجيهي لتبدأ برفقة الأسيرات خوض نضال التعليم الجامعي، أمام الفرص المتاحة والشروط الأكاديمية المعقدة، لتحصل الأسيرات على التعليم الجامعي بمساعدة هيئة شؤون الأسرى والمحررين.
يُشار إلى أنّ الأسيرات الفلسطينيات داخل سجن الدامون، واللواتي يتلقينّ التعليم الجامعي ضمن تخصص الخدمة الاجتماعية، منذ عام 2020، عددهنَّ 6 أسيرات.
ويعدّ هذا النضال الثاني للأسيرات، بعد انتزاعهن للتعليم الثانوي داخل الأسر، بالرغم من تهديدات إدارة مصلحة السجون، ومصادرة الكتب التعليمية والجامعية، ومنها الكتب السياسية في خطوة لإنهاء التعليم.
وقد حصلت الأسيرة إسراء جعابيص على شهادة الثانوية العامة داخل المعتقل، ثم انتسبت إلى جامعة القدس المفتوحة عن درجة البكالوريوس بتخصص الخدمة الاجتماعية عام 2020، داخل سجن الدامون.
ومنذ عام 2015، أي العام الذي اعتقلت فيه إسراء، وما زالت تقاوم الحروق دون علاج أو إجراء العمليات الجراحية.
وعلى الرغم من الألم وسنوات الاعتقال، تمارس إسراء إلى جانب التعليم، الكتابة والرسم، لتضع اليوم أمامنا كتاب "موجوعة" بمناسبة ذكرى ميلاد ابنها.