هجوم إيران على مركز للموساد في أربيل: أسئلة إسرائيلية حول الهدف والدلالات
رغم الصمت الإسرائيلي الرسمي المطبق ، بعد استهداف مقر "الموساد" في أربيل، هناك اهتمام إعلامي كبير يطرح الأسئلة حول طبيعة الهجوم وهوية الهدف.
رغم الصمت الرسمي المطبق من المستويين السياسي والعسكري- الأمني، استمر الاهتمام الواسع في "إسرائيل" بالضربة الصاروخية الإيرانية، التي طالت هدفاً إسرائيلياً في أربيل شمالي العراق، بحسب بيان حرس الثورة الإيرانية.
الاهتمام الإعلامي الكبير تركّز على طرح أسئلةٍ حول طبيعة وهوية الهدف الذي طاله القصف الصاروخي، وأسبابه ودلالاته لجهة وجود ارتقاء في المواجهة بين إيران و"إسرائيل"، بحيث يمكن التقدير أن الحرب بينهما تحولت لتصبح علنيةً وعنيفةً. فضلاً عن التوقّف عند الثّقة العالية بالنفس في طهران.
الهدف "إسرائيلي"!
إعلان حرس الثورة الإيرانية بشكلٍ علنيٍّ أنه هاجم هدفاً إسرائيلياً في أربيل، قوبل بصمتٍ من قِبل المستوى الرسمي في إسرائيل، فلم يصدر أيُّ تعليقٍ يؤكّد أو ينفي الكلام الإيراني حتى الآن.
وفيما تعاطى المستوى الإعلامي، بدايةً، باستخفافٍ مع الإعلان الإيراني، إلى درجةِ أنَّ معلّقين إسرائيليين قالوا إنهم "ضحكوا في إسرائيل عندما أعلن الإيرانيون أنهم هاجموا قاعدة للموساد في العراق"، إلا أنَّ الأمور "تبدّلت" بعض الشيء بعد ذلك، إذ صدرت تعليقاتٌ وتلميحاتٌ عن خبراء ومعلقين إسرائيليين، وعن مسؤولين أميركيين وعراقيين، تُلمّح إلى حدِّ التصريح، بأنَّ الهدف كان إسرائيلياً.
على سبيل المثال، قال اللواء احتياط أيال بن رؤوفين، (كان عضواً في لجنة الخارجية والأمن في الكنيست سابقاً، ونائباً لقائد المنطقة الشمالية في الجيش الإسرائيلي): "ليس من الصواب التطرّق كثيراً إلى قضية الهدف في أربيل"، مضيفاً: "ليس لإيران في هذا الوقت مصلحةٌ في مهاجمةِ أهدافٍ أميركية".
وفيما أشار الوزير السابق حاييم رامون إلى أنّه "على ما يبدو، إنّهم (الإيرانيون) هاجموا حقاً بعثةً إسرائيليةً، لا أميركية (في أربيل)"، قال المراسل العسكري في صحيفة "معاريف"، طال ليف رام: "الهدف لم يكن أميركياً... يوجد هنا حدثٌ أكبر بكثيرٍ - الحساب مفتوح".
وفي التلميحات الإسرائيلية أيضاً، دعا معلق الشؤون العسكرية في صحيفة "إسرائيل هيوم"، يوآف ليمور، إلى أخذ إيران على محمل الجدّ، عندما تقول إنّ الصواريخ التي أطلقتها استهدفت "منشأةً إسرائيليةٍ سريّةٍ" في المنطقة الكردية شمال العراق، لكون "الموساد نشطٌ في هذه المنطقة".
أما المراسل العسكري في "القناة الـ 13"، أور هيلر، فقال، في معرض تعليقه على الهجوم: "يمكن التقدير أنّه لا يوجد قاعدةٌ إسرائيلية ثابتة في المبنى المهاجَم من قبل الإيرانيين في العراق".
تجدر الإشارة إلى أنَّ المعلقين الإسرائيليين اهتموا كثيراً بما ورد في وسائل إعلامٍ أميركيةٍ لجهة تأكيدها أنَّ الهدف كان إسرائيلياً، وأشاروا إلى أنَّ الأميركيين لا يقولون إنَّ الهدف كان تابعاً للموساد، لكنهم يقولون إنّه طال "بعثةً إسرائيليةً". فتوقّف معلقون إسرائيليون عند ما ذكرته صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية من أنَّ مصدراً أميركياً قال إنَّ مصدراً عراقياً كبيراً قال له: "إنَّ الهجوم الصاروخي الإيراني استهدف منشأة إسرائيلية".
وفي سياقٍ متّصلٍ، غرّدت صحافية في صحيفة "نيويورك تايمز"، في موقع "تويتر"، قائلةً إنَّ مسؤولاً أميركياً رفيعاً قال إن المبنى المُستهدف استُخدم كقاعدةِ تدريباتٍ إسرائيلية، مضيفاً أنَّ القنصلية الأميركية القريبة لم تُستهدف. وبعد هذه التغريدة، غرّدت الصحافية الأميركية مجدداً، وقالت إن "مسؤولاً رفيعَ المستوى في إدارة بايدن دحض التعليق السابق للمسؤول الأميركي، قائلاً إنَّ الإدارة تعتقد أنَّ المبنى الذي استُهدف هو عبارةٌ عن مسكنٍ مدنيٍّ فقط، وليس موقعاً إسرائيلياً للتدريب".
الحساب لا يزال مفتوحاً
تباينت الآراء الإسرائيلية بين المعلقين عن سبب الهجوم الإيراني في أربيل، بين وجهتي نظر، الأولى رأت أنَّ هذا الهجوم جاءَ ردَّاً على مقتل اثنين من قادة حرس الثورة الإيرانية، عملا في مشروع الصواريخ الدقيقة لحزب الله، بحسب مصادر أمنية في "إسرائيل"، وذلك في غارةٍ جوّيةٍ إسرائيليةٍ بالقرب من العاصمة السورية دمشق، خلال الشهر الحالي. وأضافوا أنَّ "إسرائيل" كانت تنتظر ردّاً إيرانياً، لذلك رفع الجيش الإسرائيلي حالة التأهب في الحدود الشمالية.
في المقابل، أفادت وجهةُ نظرٍ أخرى أنَّ الهجوم في أربيل ليس مرتبطاً بما حصل في سوريا، بل هو مرتبطٌ بـ"الهجوم الإسرائيلي في كرمنشاه". لذلك، وفي ظلِّ عدم وجود توافقٍ في "إسرائيل" بخصوص إذا ما كان الأمر انتهى بهذا، أفاد معلقون بأنَّ التأهّب في "إسرائيل" خشية حصولِ هجومِ مسيّراتٍ من إيران، أو من الشمال أو من الجنوب، سيستمر، وأنَّ الحساب لا يزال مفتوحاً.
ارتقاء في المواجهة بين "إسرائيل" وإيران
التسارع في وتيرة الأحداث والاحتكاكات بين إيران و"إسرائيل" في الآونة الأخيرة، دفع عدداً من الخبراء والمعلقين في "إسرائيل" إلى الحديث عن ارتقاء درجة المواجهة بين إيران و"إسرائيل" في المنطقة، وعن وجودِ تقديرٍ في "إسرائيل" أنَّ الحرب مقابل إيران تحولت لتصبح علنيةً وعنيفةً.
الحديث عن التحول إلى المرحلة العلنية في المواجهة بين إيران و"إسرائيل" وجد صدىً له في القراءات التي قدّمها معلقون، حيث رأى بعضهم أنَّ "المعركة رأساً برأس" وتزداد سخونةً بين "إسرائيل" وإيران، وهي ارتقت الآن مرحلةً، فلم تعد فقط سايبر (في إشارة إلى هجوم السايبر قبل يومين ضد مواقع إلكترونية إسرائيلية)، بل أيضاً إطلاق صواريخ باليستية ومسيّرات.
وأضاف معلقون أنّه توجد حربُ مسيّراتٍ سريةٍ بين "إسرائيل" وإيران، خرج بعضٌ منها إلى الضوء في الساعات الأخيرة، ولفتوا إلى أنَّ الحديث يدور من دون شكٍّ عن تصعيدِ وارتقاءِ درجةٍ في تبادل الضربات بين "إسرائيل" وإيران. ورأى المعلقون أنَّ المعركة بين "إسرائيل" وإيران لم تعد صراعاً سرياً وحربَ ظلالٍ، فـ"إسرائيل" وإيران تزيدان وتيرة العمليات في حربٍ علنيةٍ، تُستخدم فيها وسائل قتالية جديدة. وحذّر معلّقون من أنَّ للحرب العلنية سلبيات، لكونها تتطلب ردّاً، بينما الضبابية تسمح بالعمل تحت سقف البصمة.
وأشار معلقون إسرائيليون إلى أن "العراق – إسرائيل – إيران" هو مثلثٌ لا يُلتفت إليه كثيراً بنحوٍ عامٍّ، لكنّه إذا كان يوجد في سوريا أمورٌ تحصل في الكواليس، وتُحاط بغموضٍ عالٍ جدّاً، فإنه يوجد في العراق أمورٌ أكثرُ بكثيرٍ. وأضاف معلقون أنّه لولا الحرب في أوروبا، لكانت الحادثة في أربيل دراماتيكيةً بشكلٍ غيرِ عاديٍّ، فهي حادثةٌ كبيرةٌ جداً.
وحذّر معلقون "إسرائيل" من خطورة الاستخفاف بتهديداتِ طهران، لأنَّ الجمهور الإسرائيلي قد يصحو في يومٍ من الأيام على مواجهةٍ عنيفةٍ ومكشوفةٍ، من دون أن يفهم الهدف الذي تحارب "إسرائيل" من أجله. وأضاف معلقون أنَّ الإيرانيين صاروا أكثرَ جرأةً بكثيرٍ، وهم أعلنوا مسؤوليتهم عن هذا الهجوم، في أمرٍ يختلف عن المعتاد، و"هذه هي فقط المقدمة لما سنراه من إيران بعد الاتفاق النووي، أي بعد التوقيع على الاتفاق النووي سوف نجد إيران أكثرَ جرأةً وأكثرَ انكشافاً".
ولفت معلقون إلى أنَّ الهجوم في أربيل يُدلِّل على ثقةٍ عاليةٍ بالنفس في طهران، نتيجةَ ضعف الغرب في المحادثات النووية والحرب في أوكرانيا، ونتيجةَ شعورهم بحصانةٍ مُعيّنة. لذلك، تسمح إيران لنفسها بأن تكون أكثرَ هجوميةً من السابق، وهي بإطلاق الصواريخ الدقيقة على المنشأة في أربيل هدفت صراحةً إلى حصد ثمنٍ بالأرواح.