مواجهة التطبيع وتبعاته في المغرب: ثقافة شعبية وهوية وطنية
الشعب المغربي، في تحركاته الأخيرة، يشدّد على انتمائه، عربياً ووطنياً، ويؤكد مواجهته التطبيع مع كيان الاحتلال الإسرائيلي، وأنه لن يساوم على فلسطين، قضية وشعباً.
جاءت زيارة وزير أمن الاحتلال الإسرائيلي بيني غانتس الأخيرة للمغرب، وتوقيعه اتفاقيات أمنية وعسكرية، بعد نحو عام من إعلان الرباط تطبيع علاقاتها بـ"إسرائيل"، ليؤكدا موقف الشعب المغربي من مسألة التطبيع وما يرتبط بها، ولاسيما أن تلك الزيارة، التي كانت الأولى من نوعها، دفعت الجماهير المغربية إلى تصعيد وتيرة احتجاجاتها، بحيث أدت إلى غضبٍ شعبي عارم عمّ مختلف المدن المغربية.
نُظِّمت عدة فعاليات في عشرات المدن رفضاً للتطبيع ولزيارة وزير أمن الاحتلال، تحت شعار "المعركة متواصلة للتصدي للتطبيع ولدعم الشعب الفلسطيني"، بينما تعرّض المتظاهرون لـ"الضرب والشتم والإهانة" من جانب الأمن المغربي، واعتُقِلَ العشرات منهم.
القضية الفلسطينية منغرسة في وجدان المغاربة
المحامي في هيئة المحامين في طنجة، ورئيس المكتب التنفيذي لمنظمة "البيت العربي"، محمد كريم مبروك، أكد أن توقيع المغرب اتفاقيات إعادة العلاقات الدبلوماسية والتجارية بممثلي الاحتلال الإسرائيلي "شكّل صدمة حقيقية لفئات عريضة من المغاربة، وخصوصاً لدى القوى الحرة في البلاد والناشطين العاملين في مجال الدفاع عن الحق الفلسطيني واستقلال فلسطين وحريتها وبناء دولتها في كل الأرض الفلسطينية، وعاصمتها القدس".
واعتبر مبروك، في حديثٍ خاص بالميادين، أن "مناهضة التطبيع والرفضَ التام له نابعان من مرجعية قومية وعقائدية"، مشيراً إلى أن منظمة "البيت العربي" رافضة للتطبيع منذ تأسيسها، وواصفاً الاتفاقيات التطبيعية بـ"المشؤومة".
وأضاف مبروك أن "المغاربة عُرِفوا بمساندتهم الشعب العربي الفلسطيني منذ انطلاق الشرارة الأولى للثورة الفلسطينية"، مشدداً على الانتماء، عربياً وإسلامياً.
وقال مبروك إن "الرفض الشعبي للاتفاقيات نابع من ثقافة وتربية متجذرتين في الوعي الجَمعي للمغاربة"، مضيفاً أن المغربي، من خلال وعي بسيط، يدرك أن الفلسطينيين "شعب مظلوم يعاني ويلات الاعتداءات الصهيونية، والتي تطال البشر والحجر".
ورأى مبروك أن "القضية الفلسطينية قضية وطنية منغرسة في وجدان المغاربة".
وأكد مبروك قصور المناهج التعليمية بشأن "ترسيخ الوعي بعدالة القضية الفلسطينية ومركزيتها" في عقول الأطفال والتلاميذ، لافتاً إلى الدور الذي يجب على الناشطين وداعمي القضية الفلسطينية ممارسته بشأن توعية الأجيال المقبلة، من خلال "استحداث برامج لإيصال القضية الفلسطينية إلى أطفال المغرب والوطن العربي".
فلسطين قضية مبدأ
أميمة محداد، وهي طالبة دراسات عليا في التواصل، سياسياً واجتماعياً، في المعهد العالي للإعلام والاتصال في الرباط، قالت إن "اتفاقيات التطبيع التي وُقِّعت بين المغرب والاحتلال كانت بسبب ضغط أميركي، تمثّل بالاعتراف بمغربية الصحراء".
وأضافت محداد، خلال حديثها إلى الميادين، أن الشعب المغربي لديه قضيتان أساسيتان، هما "القضية الوطنية والقضية الفلسطينية"، مشددةً على أن المغاربة "لا يؤيدون السياسات التي تتنافى مع الحق الفلسطيني".
وقالت محداد إن الهويتين العربية والإسلامية هما أهم مسبّبات الرفض الشعبي المغربي للتطبيع مع الاحتلال، مشيرةً إلى أن القضية الفلسطينية "لسيت وليدة اللحظة، بل هي قضية ساندها وسيساندها المغاربة مهما أُبرمت اتفاقيات تطبيعية".
ولفتت محداد إلى أن المناهج الدراسية لم يكن لها عامل رئيسي في تعزيز انتماء المغاربة إلى القضية، بل إن "الآباء والأجداد علّمونا أن هناك قضية تستحق النصرة، فنصرناها".
مناهضة يهود المغرب للتطبيع
الصحافي وليد اتباتو قال إن إعادة العلاقات بين المغرب والاحتلال تأتي في سياق مرتبط بقضية "الصحراء المغربية"، إذ إن "السلطات المغربية حاولت تبرير قرارها أمام الرأي العام، داخلياً وخارجياً، عبر ربطه بحساسية قضية الصحراء ومصيرها".
وأضاف اتباتو أن القرار كان "ثلاثي الأطراف". ففي مقابل تطبيع المغرب علاقاته بالاحتلال "حصل المغرب على اعتراف الرئيس الأميركي المنتهية ولايته، دونالد ترامب، بسيادة المغرب على الصحراء".
وأشار اتباتو إلى دعوات التظاهر والاحتجاجات ضد التطبيع، والتي دعت إليها المنظمات والهيئات السياسية والحقوقية، فور إعلان الاتفاقيات، موضحاً أنه تم منع الاحتجاجات وتفريقها بذريعة "خرق حالة الطوارئ الصحية" المتعلقة بفيروس كورونا.
ولفت اتباتو إلى الخصوصية المغربية، متمتلةً بأن المغاربة اليهود "يشكّلون جزءاً كبيراً من تاريخ المغرب"، متحدثاً عن "رفضهم القرارات التطبيعية"، ذاكراً مثالاً على ذلك الموقف المناضلَ الحقوقي المغربي سيون أسيدون، الذي "خرج في كوفية فلسطينية ولباس يهودي وقبعة مغربية" تنديداً بقرار التطبيع.
أصبح التطبيع السياسي "أمراً واقعاً"، وستعقبه قرارات اقتصادية وعسكرية، وفق اتباتو، الذي شدّد على أن الخطر الأكبر يتمثّل بـ"التطبيع الثقافي" الذي يستهدف تغيير المعتقدات المغاربية.
تكاتف القوى الوطنية وتوحيد الكلمة
الطالب في المعهد العالي للتكنولوجيا التطبيقية في الدار البيضاء، سعد الدين البركي، قال إن التطبيع في بادئ الأمر كان "مجرد فتح لمكاتب الاتصال".
ووفق البركي، فإن وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة حاول، في تصريحه فيما يتعلق بفتح المكاتب، "الالتفافَ على مطالب الشعب الرافضة لهذه المهزلة"، مضيفاً أن التطبيع الرسمي "لن يغيّر الموقف المغربي بشأن قضية فلسطين".
حوار مع الآخر : حتى لو رأيت أن الأنظمة قد يكون لها بعض الاكراهات كي تطبع، أنت كإنسان لا تمت قلبك، لا تنس فلسطين، لا تطبع !#مغاربة_ضد_التطبيع #التطبيع_خيانة pic.twitter.com/dDfbb8qC8h
— Lahlou Anas (@lahlouanas_M) December 4, 2021
وأضاف البركي، في حديثٍ إلى الميادين، أنه، بعد فتح المكاتب، وصلت العلاقة إلى "تبادل البعثات، وفتح الخطوط الجوية، ومحاولة اختراق المناهج التعليمية".
واعتبر البركي أن الصفقات العسكرية، التي تُبرم مع "الأيادي الملطَّخة بدماء الأطفال والعزّل في فلسطين وغيرها من الدول العربية، هي صدمةٌ للشعب المغربي"، مشيراً إلى أن الشعب المغربي "رافض للتطبيع، في كل أشكاله"، وأن "تاريخ المغاربة المشرّف في الدفاع عن الأقصى بدأ منذ القِدَم ومستمرّ حتى يومنا هذا، وباب المغاربة في القدس يشهد على ذلك".
ووصف البركي الاحتلال بـ" الورم الخبيث"، الذي إذا فُتحت له الأبواب فلن "يكفّ عن تخريب المنطقة وزرع الفِتَن وزعزعة الاستقرار"، مشيراً إلى ضرورة "تكاتف جميع القوى الوطنية"، وأهمية "توحيد الكلمة" من أجل صنع "درع قوية غير قابلة للاختراق" ضد التطبيع.
وركّز البركي على أهمية تربية الأطفال على "حبّ فلسطين والمسجد الأقصى"، وقال إن القضية الفلسطينية هي "أكثر القضايا تعرضاً للظلم من جانب الإخوة قبل الأعداء".
وتحدث البركي عن القمع الذي تمارسه السلطة المغربية ضد المتظاهرين، وقال إن تدخُّل الأمن في فضّ الاحتجاجات كان "عنيفاً"، حتى وصل الأمر إلى منع المتظاهرين من "رفع العلَم الفلسطيني، ومن إحراق العلَم الإسرائيلي" أيضاً.
الاحتجاجات المستمرة، وما يرافقها من ثباتٍ في المبادئ القومية والوطنية، تؤكد أن الشعب المغربي، على الرغم مما تقوم به السلطات من اتفاقيات تطبيع وممارسات قمعٍ، لن يساوم على فلسطين، قضية وشعباً.